يبدو أن منصب رئيس الوزراء أفضل حالاً من غيره، وسيحسم مبكراً، بعد شعور القوى السياسية بحجم التحدي، وقناعتها بأن الشارع العراقي ما عاد يتحمل الإخفاقات.
دعت حساسية المرحلة، كل القوى السياسية الى عدم المجازفة، لتبتعد عن زج نفسها بمواجهة المسؤولية.
لا يستطيع طرفاً بالإعتذار، والهروب من إتهام جميعهم بالفشل وأن تفاوتت المسؤولية، إلاّ أن تسقيط الكتل بعضها لبعض جعلها في مركب واحد مهدد بالغرق، فلا حل سوى تدارك الأمر متأخر خير من الإصرار والتعكز على جسد مصاب بالشيخوخة والتكلس الحزبي.
حسمت معظم القوى الشيعية خياراتها، بعدة شخصيات أبرزها الدكتور عادل عبدالمهدي، وبعد إجتماع الطرفين الرئيسيين من الفريقين (سائرون والفتح)، طرح كل طرف خمسة شخصيات، وعبدالمهدي بالرقم الأول وعامل مشترك، ولهذا الإختيار عوامل يمكن أن تكون مقومات نجاح، وبفارق كبير عن بقية منافسيه.
عبدالمهدي من الشخصيات العراقية وعقلية إستراتيجية، ومن دعاة الخروج من الدولة الريعية الى الإنتاجية، ونافس أكثر من مرة على رئاسة الوزراء، وخسرها بفارق صوت، وإستقال مرتين من نيابة رئاسة الجمهورية ووزارة النفط، دون ضغط يذكر، وزهد المناصب وإعتزل العمل السياسي، ليكتب حلول المشكلات العراقية في عمود يومي، وكشخصية مستقلة عن الأحزاب ومنتمية للعراق، وممتليء سياسياُ وذا علاقات داخلية وخارجية واسعة.
إن القوى السياسية تواجه مشكلات جمة، وتخشى تسنمها المسؤولية، لأن المرحلة لا تقبل الخطأ والمجازفة، ومن الصعوبة التصدي وفي الأحزاب من يأكلها من الداخل، ومنهم من يتصرف لأغراض شخصية وحزبية تبتلع الدولة، والإشكال الثاني أن الكتل مجموعة أحزاب، وأي منهم يحصل على رئاسة الوزراء، فأنه سيحرم بقية الأحزاب المتحالفة معه إنتخابياً، ومما يؤدي الى تولد معارضة داخل الكتلة نفسها، وتعرقل عمل حكومة من نفس قائمتها وبالنتيجة إفشالها، بذريعة نقض العهد أو فقدان الإستحقاق الإنتخابي.
تشير البوصلة الى هذه اللحظة الى إختيار الدكتور عبدالمهدي، ويبدو أنه الفرصة الأخيرة للقوى السياسية، وفرصة لإجماع القوى على شخصية أقل جدل من كل منافسيه.
أشترط عادل عبدالمهدي على القوى السياسية شروط تتلخص؛ بأن تكون له الحرية بأختيار كابينته الوزارية، وعلى الكتل أن تقدم عدة مرشحين لكل وزارة، وهو من يختار أحدهم أو يرفضهم جميعاً، ويحدد بنفسه البرنامج الحكومي مع الأخذ بالإعتبار وجهة نظر القوى السياسية، وأن يُعطى الحرية الكاملة، بإدارة الحكومة الجديدة، وترتيب العلاقة مع القوى السياسية حسب مايراه مناسب، وأن يبعد التدخلات الحزبية والسياسية من العمل الحكومي، وبهذا أعطى أربعة شروط رئيسية، وهي مناسبة لفسح مجال لرئيس الوزراء ممارسة عمله، وهي فرصة أيضاً للقوى السياسية، بأن تنشغل بالعمل الحكومي والرقابي، بدل الصراعات والمناكفات والتعطيل المتعمد، ومن إجماع القوى على عادل عبدالمهدي، يبدو أن القوى السياسية، أدركت أنها إرتكبت خطأ طيلة السنوات السابقة، وجعلت من المناصب عرضة للمزادات الحزبية، ووسيلة للكسب غير المشروع والتحايل على الشعب، وأدركت أنها أيضاً حرمت شخصية كعبدالمهدي، من وصول هرم السلطة بسبب الأنانية السياسية، التي أوصلت العراق الى الهاوية، ولابد من تدارك الوقت المتبقي، وقد إنتهى حتى الوقت الضائع.