الأخوة العرب الشركاء في الوطن، لستم أنتم من جزأتم كردستان، ولا أنتم من أحتليتموها، ولستم أنتم من اخترتم هؤلاء الفاشيين والعنصريين، ومدمري الأوطان عليكم وعلينا، ولكن مصالح الدول العظمى، هي التي فرضت هؤلاء علينا جميعا. وكل سلطة لا بد من أن تكوّن لها أعوانا وأتباعا، تخدمها وتحقق مآربها. هؤلاء هم من يخلقون الشقاق والفتنة بيننا جميعا، وهم من جعلوا من أنفسهم أصحاب الاغتصاب، وهم من خلقوا الصراع بيننا وبينكم، وهم من أوجدوا المنظمات العروبية المتطرفة لترتكب البشائع بحق الشعب الكوردي، ولم تسلموا أنتم أيضا من بشائعهم، ربما كان أخف مما فعلوهم حيال الكرد.
وحقائق مفاعيلهم بائنة على الأرض، وسوريا خير شاهدة على بشائعهم الآن. وهم من زرعوا المفاهيم العروبية العنصرية المغلفة بالوطنية في الإنسان العربي، وهم من ضللوا قسما وغرروا بقسم آخر. عندما وثبتم وإيانا لإزاحتهم ترون ماذا حصل، وماذا يحصل. ولكن تربعهم ردحا من الزمن على سدة الحكم أزاد عدد المتفاعلين معهم، وطغى أجنداتهم على كل شيء. ومن الطبيعي أن يدافع المضطهد عن حقه الشرعي، ويواجه موجات الكراهية المتزايدة بشكل واضح ضده.
وقد كنا وعلى مدى عقود طويلة، وما زلنا دعاة للأخوة والشراكة في الوطن، وقدمنا تضحيات جسام من أجلها، وعليه صعدنا من لهجتنا بين حين وأخر، ورغم كل تصعيد لم تصل إلى سوية اللغة التي استخدمتها الأنظمة العروبية. والغائب عن معظمنا هو عدم الإحاطة بالأنظمة الشمولية، وجهل معظمنا بطبيعتها أدى إلى هذا التشتت الناخر لجسم المعارضة السورية، من قمة رأسها إلى أخمص قدمها. رغم الخوض في مجال الأنظمة الشمولية ليس موضوع هذا المقال، ولكن لا بد من القول إنها تخترق كل ما هو ضمن نفوذها! وعليه نجد ما هو قائم بيننا حاليا: أننا نتهجم على بعضنا البعض ونريق دماء بعضنا البعض، وكأن ذلك فعل طبيعي تمليه الوطنية علينا. وما تعالي العديد من أصوات أبناء المعارضة منددة بالتشتت، وداعية إلى الوحدة سوى دليل على هذا التشتت المقيت المستشري بيننا كمعارضة بفعل أيتام النظام المندسين بين صفوفنا.
فتوحيد الصف الكردي هو بداية لتوحيد المعارضة، وهذا ما يثير حفيظة أيتام النظام، والدول الإقليمية المتربصة بنا، وإن كانوا ضمن صف المعارضة، وخير دليل تلك “المعارضة السورية” التي تبنت البيان والنداء الأخير وجرّت وضلّلت بعضهم وغررت ببعض آخر. ما قصدناه في مقالاتنا أو في مقابلاتنا إلا تلك المعارضة المشتتة لصفوفنا. وعلينا جميعا وضع حد لهؤلاء المتاجرين بالوطن من أيتام النظام، وإعادة المضللين والمغررين بهم من المعارضين إلى جادة الصواب.
ففي سوريا؛ لنقل الوطن الجدلي إلى الوطن للجميع، يتطلب من الأخوة العرب الوطنيين مثلما كان عليه خلال العقود الماضية الضغط على أنظمتهم، الاعتراف بحقوق الشعب الكوردي، وحل قضيتهم بالأبعاد الديمقراطية الصحيحة وعلى منهجية الأوطان، والتي كانت ستؤدي إلى بناء سوريا حضارية يحسد عليها، ولو تم ذلك لما كان بإمكان تلك الأنظمة والمعارضة المطعونة في وطنيتها تدمير سوريا مثلما فعلوها اليوم، ولما ظهرت اليوم البيانات والنداءات العنصرية، لكن ربما لتقاعسكم أو لأسباب أخرى، تمكنت الأنظمة العروبية التمادي في عنصريتها، وخلقت شرخا بيننا وبينكم، بل بين العرب وجميع الأقليات والشعوب الأخرى، وهو ما أدى إلى عدم الاستقرار على جغرافياتنا، وتوسعت الكراهية بيننا.
وأحد أوجه الغرابة هنا، أننا نلاحظ صمت شركائنا العرب الوطنيون، أمام ما تقوم به هذه الشريحة العنصرية المعنية في مقالاتنا من قبل النظام والقوى الإقليمية كل من جهته، وانحرافات بعض الأقلام العربية عن الخط الوطني؛ مثلما كانت تحصل الأنظمة الاستبدادية على دعم من كتاب البلاط، في مسيرتها السوداء، وحتى عندما نقف في وجههم وتعريتهم، لا تتحرك القوى الوطنية العربية، بل تستمر في حياديتها، ما بين الحق والباطل.
مع ذلك لا ننسى، أن العرب الشرفاء، رغم سكوتها، براء من هؤلاء العنصريين وأنظمتها الاستبدادية العروبية، ولغتنا القاسية هي رد فعل على عبث هؤلاء بالوطن، وهي موجهة ضد كل من يحاول الطعن في تاريخنا، وسنستمر في مواجهة المرتزقة الذين يبيعون سوريا للقوى الإقليمية، بكل ما أوتينا من القوة، بعدما جعلوها يبابا وساحة لصراعاتهم، المتدرجة ما بين المذهبية والقومية إلى الارتزاق.
يا أيها المعنيون بالأمر، نفس القوى الكبرى التي جزأت كردستان، حتى ولو كانت بأوجه مختلفة، سابقا كانت بريطانيا وفرنسا، واليوم أمريكا وروسيا وأوروبا، هي ذاتها اليوم تعمل وحسب متطلبات مصالحها على إعادة رسم الخرائط في المنطقة، وتقسيم الجغرافيات السياسية الحالية، وبالتالي ستبث الحياة في جغرافية كوردستان، وهو مخطط مفروغ منه وسيطبق لا محالة فيه، شئنا أم أبينا. وبالتالي لا بد من وقف العبث وتصعيد الكراهية بين العرب والكورد ودعم الأنظمة الشمولية الدكتاتورية المدمرة للوطن والوطنية.
وهذه من أولى مسؤوليات الإخوة العرب الشرفاء والواعين لمجريات الأحداث، مثلما هي من مهماتهم تقبل الأمر الواقع، على أن الكورد كالشعب العربي أو التركي أو الفارسي سيحصل على حقوقه القومية، إن كانت ضمن الجغرافية المسماة بالوطن السوري أو خارجه، وهذه متعلقة بمدى تفههم لمنطق الوطن والديمقراطية…
يتبع…
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
27/6/2020م