بعد خسارة الجانب الأرمني لمدينة شوشا الاستراتيجية، لم يعد الانتصار الأذربيجاني سوى مسألة وقت.
وبإدراك الجانب الأرمني لهذه الحقيقة سمح لروسيا بالتوصل لاتفاق بين الأطراف لتجميد النزاع بشروط تمنع الهزيمة الكاملة للقوات الأرمينية.
النتائج الرئيسية:
استعادت أذربيجان سيطرتها على جميع المناطق الأذربيجانية التي احتلت عام 1992 خارج قرة باغ، وسيطرت عليها منذ ذلك الحين جمهورية قرة باغ غير المعترف بها.
ستحتفظ أذربيجان بأراضي قرة باغ التي احتلتها خلال هذه الحرب، بما في ذلك مدينة شوشا الاستراتيجية.
سيحتفظ الأرمن بالسيطرة على بقية قرة باغ، فضلا عن إمكانية استخدام ممر لاتشين (الذي ستسيطر عليه القوات الروسية) للتواصل مع جمهورية أرمينيا.
تعزز روسيا بذلك موقعها في المنطقة. فبالإضافة إلى نشر قوات حفظ السلام الروسية على خط الترسيم، سوف تسيطر روسيا على تدفق النقل بين أرمينيا وقرة باغ، وبين أذربيجان وجيب ناخيتشيفان الأذربيجاني عبر الأراضي الأرمينية. كما ضمنت روسيا وضع الحكم الرئيسي في أي مفاوضات مستقبلية بين الطرفين.
وعلى الرغم من عدم ذكر تركيا في البيان المشترك لقادة روسيا وأذربيجان وأرمينيا، إلا أن الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، أعلن عن نشر قوات حفظ سلام تركية في المنطقة. وبالنظر إلى حقيقة أنه لا توجد إمكانية للانتقام العسكري من جانب أرمينيا، فإن قوات حفظ السلام التركية على خط الترسيم تصبح غير ذات معنى. على الأرجح نحن نتحدث هنا عن سماح أذربيجان لتركيا بإنشاء قاعدة تركية على أراضيها بذريعة حفظ السلام، والضغط على أرمينيا وروسيا.
تعزز تركيا من نفوذها على أذربيجان، بينما تحقق أمن نقل الطاقة من أذربيجان وآسيا الوسطى إلى تركيا، ثم إلى أوروبا. فالنجاح في أذربيجان يطلق يدي الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لمزيد من التوسع في آسيا الوسطى، والشرق الأوسط، ومنطقة البحر الأبيض المتوسط.
في الوقت نفسه، وبعد التوقيع على البيان الثلاثي، لا تزال العديد من الأسئلة المهمة مطروحة دون إجابة. فقد جاء في البيان أن وحدات عسكرية “أرمينية” سوف تغادر إقليم قرة باغ. فما الذي يمكن أن يعنيه هذا؟ جيش جمهورية أرمينيا، أم التشكيلات العسكرية للأرمن في قرة باغ؟ قد تؤدي التفسيرات الملتبسة لهذه النقطة إلى تفاقم النزاع في أي وقت.
نجح الجانب الأذربيجاني في إصراره على الاعتراف بجمهورية أرمينيا طرفا في النزاع، ولم يرد ذكر جمهورية قرة باغ غير المعترف بها، مما يضعف بلا شك الموقف التفاوضي لأرمن قرة باغ، حتى في النضال مستقبلا من أجل حكم ذاتي في إطار جمهورية أذربيجان.
لماذا أظهرت روسيا قدرا لا بأس به من ضبط النفس، وعدم الاستعداد للتدخل في الصراع بين جارتيها أثناء النزاع، على الرغم من عضوية أرمينيا الرسمية في منظمة معاهدة الأمن الجماعي؟
أولا، لم تعترف أرمينيا نفسها باستقلال قرة باغ، والأكثر من ذلك، فإن روسيا لم تعترف هي الأخرى بذلك. امتنعت أذربيجان بحكمة عن الغزو المباشر لأرمينيا، الأمر الذي من شأنه أن يثير مسألة التزامات روسيا تجاه أرمينيا.
ثانيا، تتمتع روسيا بعلاقات جيدة مع أذربيجان، والتي لم تظهر أي رغبة في رؤية المناطق السلبية فقط في فترة الحكم السوفيتي من تاريخها، ولم تغلق المدارس الروسية، وتطور علاقات تجارية واقتصادية وعسكرية مع روسيا، وبشكل عام، لم تسع أذربيجان يوما لتحالفات معادية لروسيا، بل على العكس، تعترف بمصالح روسيا في المنطقة.
في المقابل، توقفت القيادة الأرمينية، بعد وصول رئيس الوزراء الحالي، نيكول باشينيان، إثر احتجاجات في الشوارع، عن بث القنوات التلفزيونية الروسية، وأدلت بتصريحات، وقامت بإجراءات معادية لروسيا، وأظهرت بكل الطرق الممكنة رغبتها في الاقتراب من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي على حساب المصالح الروسية.
لهذا فمن المفترض أن أرمينيا سوف تعدل من مسارها بعد الحرب.
ثالثا، أظهرت أرمينيا على مر السنين عنادا يفتقر إلى المنطق السليم والقدرات العسكرية في تسوية قضية قرة باغ، بما في ذلك الموافقة على الصيغ التوافقية التي اقترحت من قبل، والتي تبنتها أيضا موسكو.
في نهاية المطاف، أوقفت الحرب بنجاح، على الرغم من أن الصراع واقعيا قد تم تجميده ببساطة لفترة غير محددة من الزمن، إلا أن الأسباب الموضوعية لاندلاع نزاع جديد لا زالت قائمة. لا تزال التسوية القانونية للقضية بعيدة المنال، وإلى أن يتم التوصل إليها، سوف تلعب روسيا دورا رائدا في الحفاظ على السلام في المنطقة.
وعلى نفس القدر من الأهمية، فأعتقد أن روسيا قد تمكنت من تجنب الانجرار إلى صراع آخر على طول حدودها، والذي تشكل عملية استنفاره جزءا من استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية “لاستنزاف” روسيا.
في هذا الصدد، فإن أي وضع قائم في المنطقة Status Quo، بما في ذلك الوضع الذي تجمد الآن نتيجة للحرب، هو في مصلحة روسيا.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب