أعلنت مؤخرا لجنة تحكيم خاصة شكلتها غرفة السينما الفنلندية، عن ترشيح فيلم توفي (Tove) ليكون الفيلم الذي سيمثل فنلندا الى مهرجان الاوسكار القادم، للتنافس على جائزة أحسن فيلم أجنبي، حيث يتم تقديم الجوائز في الحفل الخاص يوم 25 نيسان / أبريل 2021.
تم عرض الفيلم لأول مرة في فنلندا في بداية شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وشاهده أكثر من 138 ألف مشاهد، وفق ضوابط جائحة الكورونا، في دور العرض العامة، وذلك تبعاً لبيان شركة (نورديسك فيلم)، موزع الفيلم. كما تم عرض الفيلم أيضًا في مهرجان تورنتو السينمائي في أيلول/ سبتمبر 2020، وبيعه لدول الشمال الأوروبي ودول البلطيق وروسيا وكوريا الجنوبية واليابان، مما جعله الفيلم الفنلندي الأكثر مشاهدة منذ 40 عامًا.
الفيلم من إخراج المخرجة الفنلندية زايدة برجروث (مواليد 1977) وهذا فيلمها الخامس الطويل، وسبق وحازت العديد من الجوائز عن العديد من افلامها القصيرة والطويلة، أبرزها حصولها عام 2018، على جائزة الدولة للتصوير السينمائي.
كتب سيناريو الفيلم الممثلة وكاتبة السيناريو الفنلندية أيفا بوترو (مواليد 1978)، التي أكملت دراسة الماجستير في التمثيل السينمائي والمسرح في أكاديمية سانت بطرسبرغ الحكومية لفنون المسرح، واشتركت في العديد من العروض السينمائية والتلفزيونية والمسرحية في فنلندا وخارجها، شمل ذلك العمل في روسيا والدنمارك والسويد، وهو أول فيلم روائي طويل تكتبه. عن أسباب اختيارها لهذه الشخصية، ذكرت في مقال نشر عن تجربتها في كتابة السيناريو بأن توفي (كانت نموذجًا يحتذى به بالنسبة لي، حيث قدمت لي شخصيتها الدعم خلال الأوقات المهنية الصعبة وفي أوقات النمو الشخصي. لهذا السبب أردت أن أخبر الناس عنها، حتى يكون مثالها الاستثنائي وقدرتها على الإلهام في متناول الآخرين أيضًا).
بلغت ميزانية الفيلم 3.4 مليون يورو، مما جعله ثاني أغلى فيلم في فنلندا بعد فيلم (الجندي المجهول ـ 2017)، وبحسب البيان الصحفي لغرفة السينما الفنلندية، يحكي الفيلم قصة البحث عن الحب والعثور عليه والشغف بالفن، وذلك من خلال تناول جزء من السيرة الذاتية للفنانة والكاتبة الفنلندية ـ السويدية توفي يانسون ( 1914ـ 2001)، صاحبة المهارات المتعددة، والتي عرفت ككاتبة ورسامة ورسامة كاريكاتير، واشتهرت عالميا بابتكارها لشخصية (مومي) الكارتونية، هذا المخلوق الأبيض بأنفه الكبير الذي نافس بابا نوئيل بشهرته، حيث كتبت ونشرت خلال حياتها قصص عائلة مومي كروايات وكتب مصورة وافلام كارتون وتم ترجمتها الى حوالي خمسين لغة، تميزت فيها بالقدرة على مخاطبة الصغار والكبار، ونجحت في صنع شخصيات كارتونية متنوعة تتماهى مع شخوص بشرية واقعية استمدتها من سيرتها الشخصية. ويتناول الفيلم سيرة حياة توفي في هلسنكي في فترة من زمن الحرب العالمية الثانية الى منتصف الخمسينات من القرن الماضي. ولم تكن سيرة حياة توفي يانسون تقليدية، فقط انغمرت في ممارسة الفن المعاصر وساهمت في نهضة فنلندا ما بعد الحرب، وعاشت أيام صاخبة ومتقلبة، فعاشت بعلاقة مفتوحة مع سياسي يساري معروف متزوج، ثم علاقة حب قصيرة وعاصفة مع المخرجة المسرحية الرائدة فيفيكا باندلر. بدا للكثيرين أيامها ان كل حياة توفي سترتبط برسم اللوحات الفنية، التي برعت فيها، لكنها توجهت لرسم قصص حزينة ومتميزة وأسرة عن عائلة مومي التي ابتكرتها، تلك القصص التي كانت توفي ابتكرتها للأطفال الخائفين في الملاجئ أيام الحرب. وبدأت تدريجيا تجد طريقها لتفهم هويتها كفنانة، فحصدت النجاح الفني، لكنها في نفس الوقت لم تتوقف عن السير في طريق الحرية من خلال إعلان حبها للمخرجة المسرحية فيفيكا باندلر، وأستمرت في اتخاذ المواقف الشجاعة على طول مسيرة حياتها، فعندما دعاها رئيس الجمهورية لحفل استقلال البلاد عام 1992 اصطحبت شريكتها فنانة الكرافيك توليكي بيتيلا (1917ــ 2009) في وقت لم يُشرع فيه القانون زواج العلاقات المثلية.
لعبت دور الكاتبة توفي يانسون الممثلة ألما بويستي (مواليد 1981) التي تنتمي لعائلة فنية، فهي حفيدة الممثل والمخرج لاسي بويستي والممثلة بيرجيتا أولفسون، وابنة الممثل والمخرج إريك بويستي، ووالدتها الصحفية توا رانين، وشقيقها أوسكار بويستي ممثل ايضا، وعرفت بأعمالها المسرحية في فنلندا والسويد، ونالت في عام 2013 منحة مؤسسة Ida Aalberg لممثل شاب (لشجاعته الاستثنائية على المسرح). واشتركت في العديد من الأفلام الفنلندية التي لاقت نجاحا جماهيريا، منها (أين ذهبنا مرة واحدة ــ 2011)، (منطقة فوساري ــ 2012)، فيلم (مومي في ريفيرا ــ 2014) كان دور صوتي، (تسامو ــ 2015)، (زهور الشر ــ 2016). وفي فيلم توفي، تلعب ألما بويستي أول دور رئيسي لها في فيلم روائي طويل، يستغرق ساعة و56 دقيقة، ورغم بعض الملاحظات كونها قادمة من المسرح أساسا، فأنها حتى في ادوارها السينمائية القصيرة، اثبتت حضورها، مما يجعل العديد من النقاد يعتبرون اختيارها موفقا. وقالت للصحافة بأن هناك العديد من الممثلات البارزات في فنلندا الذين كان بإمكانهن لعب الدور، لكن اختيارها أثار دهشتها، وكانت هناك أشارات بأن عائلة الكاتبة والفنانة توفي يانسون، يعتبرونها الأفضل لهذا الدور. وسبق للممثلة ألما بويستي ان أدت دور توفي على المسرح وهي مقتنعة بأنها تستطيع مواصلة الرحلة معها على شاشة السينما وتروي قصتها، وتعتقد (ان الامر في الفيلم لا يتعلق بالحب فحسب، بل أيضًا بالحديث عن العثور على الذات، وقبل كل شيء، عن الفضول، حيث يُسمح حتى للبالغين بالفضول والتغيير، ويتحدث أيضًا عن رسم حدودك الخاصة). الأدوار الأخرى في الفيلم كانت من نصيب نخبة من الممثلين الفنلنديين والسويدين ، فالفنانة كريستا كوسونين الفنلندية (مواليد1983) مثلت دور المخرجة المسرحية فيفكا باندلير(1917 ـ 2004)، عشيقة توفي في مرحلة من فترة الخمسينات، ودور أتوس كاسيمير فيرتانين (1906- 1979) المفكرً والصحفيً والناقد الثقافي والسياسي اليساريً الفنلنديً ـ السويديً والبرلماني (1936-1953) ، وعشيق توفي رغم زواجه، كان من نصيب الممثل السويدي شانتي روني ( مواليد1970)، الذي يوجد في رصيده اكثر من عشرين فيلما، اغلبها أفلام محلية، وله بعض المساهمات في أفلام من انتاج بعض دول الشمال الاوربي. ويذكر ان المخرج أسند لكاتبة السيناريو، الممثلة أيفا بوترو، دور صديقة توفي المخلصة، مايا فاني، وهي زوجة الرسام اليساري سام فاني (1908 ــ 1992)، الروسي الأصل والفنان الرائد في الفن التجريدي والذي تتلمذت أجيال من الفنانين على يديه في المعاهد الفنية الفنلندية التي عمل فيها، ولعب دوره في الفيلم الفنان ياكوب اوهرام (مواليد1982)، ومن الطريف ان سام كان حبيب توفي الأول في عمرهما المبكر، ولكونه يهوديا عارض اهل توفي العلاقة لكنه بقي صديقا وفيا لها حتى بعد زواجه.