رد على أوهام وفبركات الصحفي الأردني شاكر الجوهري
في البداية لا بد من الإشارة إلى أن النظام في العراق قد تعرض لهزة وإرتباك بعد الإنقلاب العسكري الذي حدث في نيسان عام 1978 الذي أطاح بالحكم الملكي في أفغانستان وتسلم السلطة من قبل حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني اليساري. كما زاد من إرتباكه إندلاع أول شرارة الثورة الإيرانية في عام 1978، فقد شعر النظام العراقي بأن كلا الحدثين من شأنهما أن يزعزع مواقعه في العراق، خاصة بعد أن وقع الحكم في العراق على اتفاقية مع الشاه تقضي بتسليم نصف شط العرب إلى الجانب الإيراني مقابل تخلي الشاه عن دعمه للحركة القومية الكردية. وعمل الحكم في العراق آنذاك، إلى طرد الخميني من العراق من ناحية، ومن ناحية أخرى توجيه ضربة لكل القوى التي تتضامن مع الحدثين في أفغنستان وإيران. وشرع الحكم في العراق إلى مطاردة جميع القوى السياسية التي رحبت غالبيتها بالحدثين، وخاصة الثورة الشعبية في إيران التي سعت إلى إزاحة نظام الشاه الذي كان يلعب دور الشرطي في المنطقة إلى جانب إسرائيل. وهكذا تم الهجوم على الحزب الشيوعي العراقي الذي كان على تحالف مع حزب البعث في الجبهة الوطنية التقدمية، وجرى تحطيم غالبية منظمات الحزب وتصفية المئات من أعضائه وكوادره بعد مجزرة أيار 1978 إثر بيان اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في آذار عام 1978 الذي طالب بتوفير الحريات الديمقراطية والكف عن الملاحقات وإرساء أسس الديمقراطية وتشريع القوانين الخاصة بها وبناء الجبهة الوطنية على أسس سليمة ..الخ. وطالت هذه المجزرة الشيوعيون واصدقاؤهم التالية اسماءهم، علماً أنهم اعتقلوا وحكم عليهم بالإعدام قبل إعلان الجبهة بين حزب اليعث والحزب الشيوعي العراقي بإتهام تقديم تبرعات للحزب الشيوعي:
عدنان شرهان (جندي مكلف)، سهيل شرهان (جندي مكلف)، ماجد جلوب حافظ (جندي مكلف)، عباس فاضل عباس (جندي مكلف)، حسين علي الطريحي (جندي مكلف)، عبد المطلب ابراهيم سلمان (جندي مكلف)، اسماعيل عبد الحسن طاهر (جندي مكلف)، جعفر عبد الله محمد (جندي مكلف)، خالد علو (جندي مكلف)، خميس عباس (جندي مكلف)، حامد كشاش لفتة (جندي مكلف)، رحيم هادي كاسب (جندي مكلف)، مسلول كريم حازم (جندي مكلف)، ناطق عبد الواحد الحديثي (جندي مكلف)، حميد عبد العال (نائب عريف)، اسماعيل حسين حميد (نائب عريف)، كليو صبيح طلال (نائب ضابط)، مجيد حسين داود (جندي مكلف)، جلال حسن عبد الوهاب (جندي اول)، عامر سلطان هندي (م. اول)، حامد خضير خيرالله (شرطي)، عبد الكريم عبد الله المياحي (جابي في المصلحة)، صميدخ خديم كحط (شرطي)، عباس عبد حسن (مدني)، عزرة حسين عبد الله (شرطي)، صباح شياع (موظف صحي)، عبد الزهرة محمد علي (معلم)، عبد القادر مشكور (فلاح)، سعيد رسول نادر (فلاح)، صبيح جابر فارس (جندي)، حبيب عبد ابراهيم (شرطي)، بشار رشيد طبانه (مفوض ولاعب كرة)، سعدي خالد (فلاح)، نعيم حسين البدري (مواطن)، نوري قادر غفور (مواطن)، عاصي علي محمود (فلاح)، اسماعيل حسين حميد (نائب عريف)، شاكر ناصر رحيم (نائب عريف شرطي)، عبد الرحمن علي رحيم (عامل).
وبعد إنصار الثورة الإيرانية، توترت العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها مع النظام الجديد إلى حد أن قام بعض الطلبة بإحتلال السفارة الأمريكية وإخذ الرهائن من موظفيها. مما دفع الحكومة الأمريكية إلى البحث عن كل السبل لإطلاق سراح مواطنيها المحتجزين بما في ذلك اللجوء إلى إستخدام القوة العسكرية، حيث جرى إنزال جوي بالهيلوكوبترات في صحراء طبس الإيرانية، ولكن أصاب الفشل تلك العملية، مما دفع الإدارة الأمريكية إلى التفتيش عن حليف لها في جوار إيران، وعثرت على أفضل حليف لها هو صدام حسين الذي ناصب الثورة الإيرانية العداء لأسباب داخلية وإقليمية، ولقى التشجيع من قبل الضباط الإيرانيين المعارضين الذين لجأوا إلى العراق ومن قبل بعض التيارات السياسية الإيرانية ومن ضمنهم الحزب الديمقراطي الكردي الإيراني. وقد عُثر في السفارة الأمريكية على وثائق تؤكد سعي الولايات المتحدة إلى التعاون مع صدام حسين لغرض إسقاط النظام في إيران في رسائل موجهة من قبل برجينسكي مستشار الأمن القومي في الولايات المتحدة، وهي رسائل منشورة ضمن الوثائق التي عثر عليها في السفارة الأمريكية في طهران ويمكن الإطلاع عليها، وهو ما يؤكد أن الحرب التي بدأها وأشعل فتيلها نظام صدام حسين تحت شعار كان يردده بإستمرار عند بدء الحرب وخلالها وهو “الطريق إلى القدس عبر عبادان” لم تخلو من ضوء أخضر أمريكي وإقليمي خليجي، وهذا يخالف وجهة نظر الصحفي الأردني شاكر الجوهري في لقائه مع حميد عبدالله الذي تبنى قلباً وقالباً وجهة نظر حكومة صدام حسين.
أما فيما يتعلق بردود الفعل إقليمياً فإن غالبية الأحزاب العربية قد أدانت الحرب غير المبررة ضد إيران، خاصة في وقت لم يستقر فيه النظام الجديد الذي أعلن وقوفه إلى جانب القضية الفلسطينية وإزاح النفوذ الإسرائيلي في إيران الشاه. وعلى هذا الدرب أعلن الحزب الشيوعي العراقي تضامنه مع الشعب الإيراني في هذه الثورة التي أطاحت بدركي المنطقة شاه إيران. وعبرت أوساط واسعة من العراقيين عن الموقف نفسه في بداية الثورة، ولقيت ترحيباً أوسع من قبل التيارات المذهبية مثل حزب الدعوة وأمثاله، إلى جانب ترحيب التيارات السياسية القومية الكردية التي وجدتها فرصة لمعالجة الفشل والأضرار التي لحقت بها جراء التوقيع على اتفاقية الجزائر بين صدام حسين وشاه إيران والتي أدت إلى تراجع خطير واستسلام الحركة القومية الكردية لمطاليب الشاه وحماته في الولايات المتحدة.
أما في الداخل الإيراني عند إندلاع الثورة الإيرانية، فكان هناك إجماع في إيران وبضمنها في القوات المسلحة الإيرانية على ضرورة تخلي الشاه عن الحكم وتسليم السلطة لممثلين منتخبين من قبل الشعب والعودة إلى تطبيق دستور الثورة الدستورية “ثورة المشروطة” عام 1905. وهو الشعار الذي طالب به المتظاهرون في البداية. وفي ظل الفوضى التي عمت البلاد بعد الثورة، شأنها في ذلك شأن كل الثورات التي حدثت في العالم، بدأت بوادر التوتر بين الحكم في العراق وبين أطراف متشددة في الحكم الجديد في إيران، بحيث بدأت بعض المناوشات بالسلاح على حدود البلدين، وهو أمر كان يحدث بإستمرار قبل إتفاقية الجزائر وفي عهد عبد الكريم قاسم دون أن يلجأ أي من الطرفين إلى إعلان الحرب على الطرف الآخر. ولكن تدخل قوى إقليمية ودولية التي شجعت بل ومولت صدام حسين كي يحد من التأثير السلبي للحكم الإيراني الجديد على العراق وعلى دول إقايمية وخاصة بلدان الخليج، وبما فيها الولايات المتحدة وحلفائها ، لعبت الدور الرئيس في توريط صدام حسين في هذه الحرب العبثية المدمرة التي دامت ثمانية سنوات وذهبت ضحايا بلغت مئات الآلاف من شبيبة كلا البلدين. كما لعبت قوى متطرفة مذهبية في داخل إيران دوراً في هذا الإتجاه، وهي التي تقدمت بشكل منهجي للسيطرة على مفاصل الدولة الإيرانية وأزاحت تدريجياً جميع منافسيها وكل القوى السياسية علمانية كانت أو حتى دينية ترفض التطرف والتعصب الطائفي والديني.
لقد أصدرت جميع الأحزاب السياسية الإيرانية من مختلف الإتجاهات بيانات أدانت فيه العدوان على بلادهم، ومن ضمنهم حزب توده إيران حيث لعب أعضائه في الجيش الإيراني النظامي دوراً مؤثراً في الحرب خاصة في معركة المحمرة وعبادان حيث لعب قائد القوة البحرية فضولي وضباط شيوعيين آخرين دوراً مشهوداً في تلك المعارك التي أدت إلى تراجع الجيش العراقي إلى حدوده الدولية (لقد أعدم جميع هؤلاء القادة الشيوعيين عند الشروع في الهجوم على حزب توده إيران في عام 1983 من قبل الفئة المتطرفة الدينية الحاكمة حتى الآن في إيران).
تراجع الجيش العراقي إلى الحدودو الدولية، والضحايا التي قدمت على آتون الحرب، دفعت العديد من الأحزاب الديمقراطية الإيرانية إلى ضرورة الإستجابة لنداءات الأممم المتحدة بوقف هذه النزيف الخطير والتفاوض حول شروط وقف هذه الحرب العبثية. العراق بسبب الإنكسارات التي تعرض لها، قَبِل بوقف إطلاق النار والجلوس على طاولة المفاوضات، ولكن القيادة الإيرانية المتطرفة الدينية رفضت هذه القرار وإستهوتها الإنتصارات التي حققتها في ميدان المعارك، ورفعت شعار “الطريق إلى القدس عبر كربلاء” تماماً كما رفع صدام في أوج انتصاراتها الأولى في الحرب على إيران “الطريق إلى القدس عبر عبادان”، وهما شعاران ينم عن مسعى التوسع والهيمنة، وليس مسعى حل القضية الفلسطينية، وهونفس الشعار الذي كان يرفعه الحكام العرب لمآرب بعيدة عن قضية الشعب الفلسطيني العادلة بعد أن أصبحت الورقة الفلسطينية ورقة المتاجرة السياسية وليست حل مأساة الشعب الفلسطيني. لقد إعتبر حزب توده إيران إن رفع هذا الشعار والإستمرار في الحرب هو فخ للشعب الإيراني مما يجب أن تتخلى القيادة الإيرانية عن هذه الأوهام وهذه المغامرات. وكان هذا الموقف لحزب توده هو الذي أدى إلى بدء الهجوم الساحق على الحزب وحملة الإعدامات بالآلاف التي طالت قادة وكوادر وأعضاء الحزب والأحزاب الأخرى التي رفعت نفس الشعار المتضمن وقف الحرب والجلوس إلى طاولة المفاوضات. فإذا كان صدام حسين هو الذي أشعل فتيل هذه الحرب العبثية في البدء، إلا أن القيادة المتطرفة الإيرانية تتحمل إستمراها ثمانية سنوات حصدت الأخضر واليابس ..الإنسان والاحياء وأرهقت خزينة الدولتين بحيث أصبح صدام حسين رهينة بيد دول إقليمية ودولية بعد أن تدخلت الولايات المتحدة لحماية صدام حسين من السقوط في تلك الفترة.
كما طالب الحزب الشيوعي العراقي في بيانات متعددة بوقف هذه الحرب المدمرة والاستجابة لقراررات الأمم المتحدة بهذا الشأن خلافاً لما يدعيه الصحفي الأردني البعيد عن سرد الحقائق. فالحزب الشيوعي لم يساهم في هذه الحرب التي أدانها منذ البداية، كما أنه، وخلافاً لوجهة نظر الصحفي الأردني البعيدة عن الحقيقة، لم يشارك في العمليات العسكرية إلى جانب القوات المسلحة الإيرانية!!! إن السلطات الإيرانية وأجهزتها الأمنية كانت على علم بموقف الحزب الشيوعي العراقي المطالب بوقف العمليات العسكرية والجلوس إلى مائدة المفاوضات خاصة عندما إنتقلت القوات العسكرية الإيرانية إلى الأراضي العراقية مما يشكل مساساً بسيادة البلاد. ولهذا السبب بدأت السلطات الأمنية الإيرانية بمطاردة الشيوعيين العراقيين الهاربين من جحيم صدام حسين وقامت بإعتقالات واسعة لكل من يمر بالأراضي الإرانية، ووقع في قبضة الأجهزة الإيرانية العديد ومنهم الدكتور رحيم عجينة عضو المكتب السياسي للحزب وعادل حبه عضو اللجنة المركزية للحزب وحيدر الشيخ علي أحد الكوادر العمالية في الحزب الذي تعرض إلى تعذيب رهيب، وسرد ما تعرض له إلى الروائي السعودي عبد الرحمن منيف الذي دون هذه الذكريات في روايته المعروفة “شرق البحر الأبيض المتوسط”، هذا إضافة إلى ملاحقة سكرتير الحزب عزيز محمد الذي خرج من العراق صوب إيران وحاول الوصول إلى دمشق، إلاَ أن الأجهزة الأمنية الإيرانية حاصرته مما دفعت بقيادة الحزب إلى مناشدة الرئيس علي ناصر محمد رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الذي أرسل طائرة خاصة أقلت وزير التخطيط عبد القادر جمال للتباحث مع السلطات الإيرانية ورفع الحصار عن سكرتية الحزب ونقله إلى دمشق. فلو كان الشيوعيين العراقيين يقاتلون إلى جانب القوات الإيرانية، حسب أوهام وفبركات الصحفي الأردني، فكيف يفسر هذا الإضطهاد للشيوعيين العراقيين من قبل الأجهزة الأمنية الإيرانية؟؟؟.