على الرغم من قضاء قوات سوريا الديمقراطية في الـ 23 من آذار/ مارس 2019 على آخر معاقل مرتزقة داعش جغرافيًّا في شمال وشرق سوريا في منطقة الباغوز، إلا أن خلايا متعددة الارتباطات تحت ستار “داعش” لا تزال تتحرك في مناطق مختلفة من شمال وشرق سوريا، وعلى التحديد في الريف الجنوبي الشرقي لمدينة الحسكة، وضواحي مدينة دير الزور الشمالية والشرقية.
ويتركز تصاعد تحرك تلك الخلايا بدءًا من بلدة الشدادة وصولًا إلى بلدة الدشيشة ومركدة في الريف الجنوبي والجنوبي الشرقي لمدينة الحسكة شرق سوريا، مرورًا ببلدة الصور ومنطقة العزبة، وصولًا إلى نهر الفرات شمال مدينة دير الزور وشرقها، على امتداد النهر باتجاه الحدود السورية العراقية، عند بلدة الباغوز.
وتعد هذه المناطق، آخر المناطق التي حررتها قوات سوريا الديمقراطية من سيطرة مرتزقة داعش، بين أعوام 2018، 2019، خلال عملياتها العسكرية ضد داعش، آخرها كانت حملة عاصفة الجزيرة.
حيث شهدت المنطقة منذ تاريخ تحريرها عمليات قتل وترهيب ترتكب بحق وجهاء عشائر وشخصيات مجتمعية مرموقة في المنطقة، إلى جانب اغتيال عاملين في الإدارات المدنية سواء في الحسكة أو دير الزور، وعمليات استهداف لنقاط وجود قوات سوريا الديمقراطية وتحركاتها في المنطقة.
ودفعت تلك التحركات قسد، على الدوام، إلى القيام بعمليات أمنية واسعة النطاق في المنطقة، إلى جانب استمرارها في تنفيذ عمليات نوعية تستهدف مسؤولي الخلايا، بناء على معلومات استخباراتية، آخرها كانت عملياتها الأمنية التي بدأت منذ صباح يوم أمس الأربعاء في وادي العجيج.
وأكد قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال كينيث ماكنزي، في الـ 8 من شباط/ فبراير العام الجاري أمام مؤتمر معهد الشرق الأوسط، ضرورة استمرار اليقظة وتعزيز التعاون ودعم الشركاء المحليين لهزيمة تنظيم داعش ومنع انتعاش أفكاره المتطرفة.
ولم تعد تمضي ليلة دون وقوع حوادث وعمليات استهداف في تلك المناطق، على الرغم من تحركات مكثفة لدوريات قوى الأمن الداخلي، وكذلك لقوات سوريا الديمقراطية للحد من تلك الحوادث، فما الذي يدفع إلى نشاط تلك الخلايا بهذا الشكل، ومن أين تستمد دعمها.
وتتعدد أشكال الخلايا من حيث المهام والارتباطات في تلك المناطق، فلا تقتصر على خلايا تابعة لداعش فقط، بل هناك خلايا مرتبطة بحكومة دمشق ودولة إقليمية موالية لها، وأخرى مرتبطة بجيش الاحتلال التركي ومرتزقتها، وأخرى تنتشر على شكل قاطعي طرق تحت مسمى “داعش”.
وبالنظر إلى تحركات تلك الخلايا تختلف الأسباب والعوامل التي تدفع الخلايا إلى الانتعاش في الجغرافية التي نتحدث عنها، والتي تؤثر على عدم قدرة القوات الأمنية وقوات سوريا الديمقراطية فرض قبضتها الأمنية عليها، فأولها الجغرافية الصحراوية الواسعة لهذه المنطقة، التي تؤمن سهولة تحرك الخلايا، وبالأخص خلايا داعش التي تحوّلت بعد فقدان سيطرتها على الباغوز إلى التخفي في الصحراء “صحراء الروضة، وصحراء البادية السورية”.
وإلى جانب ذلك، تستفيد الخلايا في تحركها ونشاطها في تلك المناطق من الحدود الصحراوية الطويلة التي تربط الأراضي السورية بالعراقية، إذ تجمع الأراضي السورية والعراقية حدود صحراوية يصل طولها تقريبًا إلى أكثر من 600 كم.
كما تستفيد الخلايا أيضًا من صحراء الأنبار التي ينشط فيها داعش بشكل مكثف، والتي تتضح بكثرة الجرائم التي ترتكب على الجانبين، سواء الجانب السوري أو العراقي، انطلاقًا من تلك الصحراء، مستفيدة من الثغرات الأمنية على طول تلك الحدود.
وكذلك تمنح الحدود الفاصلة بين مناطق الإدارة الذاتية وقوات حكومة دمشق وميليشياتها في الجهة الشرقية والغربية لدير الزور والمعابر غير الشرعية على طول سرير نهر الفرات الشرقي والغربي بين الطرفين الفرصة لوصول الخلايا إلى مناطق شمال وشرق سوريا ونشاطها بشكل متصاعد.
وكانت قد أشارت عضوة القيادة العامة في قوات سوريا الديمقراطية، نوروز أحمد، في تصريح سابق لوكالتنا، إلى وجود ثغرات أمنية على حدود مناطقهم، وأن قواتهم تعمل على تمكين الحدود المشتركة مع الأطراف المجاورة، في مقدمتها العراق، والمناطق الفاصلة بين مناطقهم ومناطق قوات حكومة دمشق، ومناطقهم والمناطق التي احتلها جيش الاحتلال التركي.
وأما العاملان الآخران فهما: أولًا، الأوضاع المعيشية الصعبة لقاطني تلك المناطق التي تسهّل عملية تجنيد الخلايا للقاطنين فيها، وثانيًا، وجود حاضنة شعبية لفكر تلك الخلايا وسياساتها، سواء فكر داعش المتطرف أو من يسعى إلى تحقيق اهداف أخرى في مقدمتها “تركيا وحكومة دمشق وميليشياتها”.
وعلى سبيل المثال، فداعش أعلن عن نفسه عام 2014 متسترًا بعباءة الإسلام، ليتسنى له سرعة السيطرة على المنطقة في سوريا والعراق، التي يقطنها الغالبية المسلمة، وعلى الرغم من بعده كل البعد عن الإسلام الحقيقي استطاع السيطرة على مناطق شاسعة في البلدين خلال فترة زمنية قصيرة جدًّا، واستقطب عشرات الآلاف من الشباب إلى مناطق سيطرته.
ويشكل عدم توفر تكنولوجية عسكرية متطورة لدى الجهات الأمنية في شمال وشرق سوريا، وفي مقدمتها قوات سوريا الديمقراطية، أحد أكبر العوامل التي تصعّب من مهامها في الحد من تصاعد تحركات تلك الخلايا.
على الرغم من أنها تلقت دعما جزئيا من التحالف الدولي في محاربة داعش إلا أن قوات سوريا الديمقراطية والقوات الأمنية في المنطقة تقاتل بشكل فعال بوسائلها وإمكاناتها الخاصة. ومع ذلك، فإن حقيقة أن داعش منظمة إرهابية دولية وأن روابطها الخارجية متعددة الأوجه، يجعل القتال ضد العصابة الدموية هذا معقدا، يتطلب أيضا نضالا دوليا.