الجمعة, ديسمبر 27, 2024
Homeاراءمنفصلات عن داود حمو المتعدد وغيابه:ابراهيم سمو

منفصلات عن داود حمو المتعدد وغيابه:ابراهيم سمو

1
داود ..
خفّفَ يوم الدفن عني ،أن يوشوشني أحد الأصدقاء : انظر… هذا مارتن !.
ـ مارتن …! من مارتن ؟.
ـ ابن الفقيد .دققت خلسة في الفتى ،وأبهج قلبي الحزين ،أن أرى “اليافع”الجميل مستقيما،في المقدمة كالسنديان يتقبل المواساة .
2
داود…
أيها الحاضر الذي غاب، ستشهد ميادين عديدة ،أنك كنت جذوتها
،ستشتاق السوح كلها إلى ابتسامتك ..إلى تحفيزك ..إلى اخلاصك ..إلى كفاءاتك المفيدة وخبراتك المتعددة و.. إلى روحك الوضاءة النبيلة.
3
داود؛ يا ابن قرية “برزان”أقصد الزيدية.
هل تذكر أين أول مرة التقينا ثم متى و كيف ؟.
لتشتعل ذاكرتك إذن ،ب فضاءات “إعدادية صفيا”
كأني بك حين تُستحضَر”اعدادية صفيا”،تتوهج:
هل تذكر إذن سطوة الأستاذ حميدي؛”مدرب الفتوة”الذي تعددت مواهبه ،فتحول يدرّس من غزارته ،” اللغة العربية”،و”الرياضة” ،و”الدين ،و”القومية”،ثم ترقى بغتة،يزكيه صوته الجهوري،إلى قيّم على “الإذاعة المدرسية “،وتذكر…المدير” أحمد الحويجة “الذي لم نكن نلمحه،إلا عند “تحية العلم “الصباحية، و… “هلوسات” الأستاذ “أسامة”،وعبقرياته في الأدب واللغة ،ثم بمَ تخطرنا عن الصبي “حسان”،الذي أفزع يومذاك ليس بجسارته، أو فتوته إنما ببشرته “الزنجية”،المدرسة وكوادرها؟.أعرف.. كان ديدنك، أن تواظب على مدرسيتك ،لكن هذه كذلك “حلبات”كلها مدرسيّة،و يُستحسَن ألّا تُنسى ،ثم ذاكرتك أعرفها لا تفرط في شيء مما كنزته.
4
داود ..
كنت تسبقني بصف أو صفين ،آآه …الذاكرة ،لم تعد تسعفني،لكن “صفيا”؛خصوصا باحة المدرسة ،تشهد على تخالطنا في عمر يكاد لا يكون سوى لفرخ الأوّز،أو أكبر بقليل .
صحيح…
لم نتواصل في ذلك العهد بما فيه الكفاية، لكن فضاءات “الفرصة “،بانت مثل قفير نحل حيوية .
والأستاذ حميدي كان يمتشق عصاه ،مثل “بدري أبو كلبجة”، بمواجهة كل فوضى ،بل شوهد يقهر من وحي دوره ،المخالفين بالزحف على “الأكواع والركب “،أو ينفجر ببهدلة، أو تقريعة ،أو “فركة إذن” “وإن على الماشي”،على كل من لا ينضبط .
لكن وفي خضم كل ذلك “المعمعان المدرسي”،لفتني صبي نحيل مالت ،يا داود ،بشرته إلى لون حنطة ذهبية،وتزاحمت على تعابيره أناقة وهدوء و”وعي”ثم بهرتني مقولات فلسفية “أطلقها فلم أتمالك ؛همست لأذن أحد أقراني،عن اسمه سرا فجاهر: داووود يدعى داود .
5
“فرص الباحة”،تكشفت قاصرة عن أن تقربنا إلى بعض ،وأشرقت ياداود فرصة أخرى …
أعراف قرانا درجت،أن يلتقي التلامذة والطلاب خارج المدرسة والعائلة ،وأبيح لكل”مدرسجي”أن يحمل كتابه ،إلى نواح مستقرة من قريته مبعبعا بالدروس .
برزان أي الزيدية؛ قريتك، وطولكو ،قريتي ؛مهد الرجلة ،طفحتا متاخمتين ،وسُنح لنا ان نلتقي في “مشاوير القراءة”.
محطات المشاوير،تراوحت بين ضفاف “نهر الإعيوج “،ومسيل “الهارب”،وجبل “الحَمّة”،و”قناة الري الرئيسية”.
سأشهد،يا داووود ،كنت تفيض ،مذ ذاك، بأفكار مبتكرة لم تكن معهودة لأعمارنا ،غيرالخبيرة.
وحين تعمقنا يا صديقي تواصلا…غادرنا “الطويلب”النجيب؛ داود ،توطن الحسكة كي يتشرب من علوم “الثانوية”،وتقلصت “مشاوير القراءة”؛حكرت على نهاية الأسبوع ،وصرنا نخوض حصرا، يتبع أحدنا والكتاب بيده الآخر،أيام الجُمع ،مشاويرنا.
6
وقيض ل”رحالي المدرسية”،حين أنهيت الإعدادية ،أن تحط على “ثانوية أبي ذر”،بينما كان الحال استقر قبلا يا دواد بك في “ثانوية البحتري”،لم نلتق في المرحلة الثانوية إلا بضع مرات.هل كان ذلك قرب مَسيل “الهارب” أم على سفح “الحمة ” ؟.
الذاكرة أعذرني مثقلة الآن بإرهاصات غيابك ،لكن لايغيب رغم ذلك عني ،حديثك ،ونحن في الثانوية العامة ،عن المانيا.
اعتبرت من جهتي الكلام آنها أضغاث أحلام .
ثم …
تواريت كليا عن “مشاوير القراءة”، وعمّ إنك تحصلت “الثانوية” .خبر نجاحك أسعدني ،وشاع يا صديقي في قريتينا كما النار في الهشيم ، بل ألتهبت كذلك قرى أخرى بقصص ،توزعت بين “داود و”كلية الحقوق “.
دمشق الكبيرة ياداوود تأبطتك ،فخلنا إنه البهرج، واشتاقتك “مشاوير القراءة” وداعبك أحد الأصدقاء ،ونحن نتحلق ذات مرة حولك: “الشام” انتزعتك .عارضتَ بهدوئك وابتسامتك المعهودتين :لا بل دراستي .وانخرطتَ تحدثنا عن المحاضرات المكثفة ،عن مقررات كلية الحقوق ،انشرحتَ وخلناك تفضفض عن “قصة عشق” ،لا عن تعقيدات دراسية.
ثم …
غبت كليا عن برزان،وطولكو ،و”المشاوير” .
ـ أين اختفى داود ؟. سألت أخاك وصديقي بدران فجاوب : داود، ياصاحبي، طار.
ـ طار ؟.
ـ إلى ألمانيا !.
*** *** *** ****
من كان يصدق ونحن تلاميذ،أن ننقذف هكذا إلى المانيا…أن يعسف هنا في المغترب بك الغياب .
و من يصدق ،أن يتمادى “مُؤدلَجون”،على نعشك ب”راية” لم تكن حال حياتك تستلطفها ؟.
7
ليس لأحد ؛لا بدران ولا سواه هذه المرة، ان يطمئنني.
لكن مارتن.. فقط مارتن ،الذي ارتفع وسط المعزين كنخلة ،فعلها .
بث مارتن ونحن نودعك ، أنفاسك في الأجواء ،ولقّنني بجسارة من التي كنتَ عليها ،نظرية “اللي خلف ما مات “.
داود…
ابقَ يا صديقي بخير .. مارتن ونحن كلنا بخير .

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular