“أي أوجاعٍ عندما تعتمر القلوب بالأسى والتقهقر والعقول بفقدان الصبر واللجوء الى الطاعة، اين سر الحياة في ضجيجها الذبابي وصراخها الفولاذي؟
ــــــ كيف تكون قمم التبصر فيما آلت اليه المأساة في شكلها البشري وظهرت الوجوه قرمزية الألوان؟”
المدخل الأول للولوج إلى فصول الرواية الرابعة المتكونة من ستة فصول وفروع ثانوية ترتبط مباشرة بالتسلسل التاريخي والمتقطع في زمن حدوث الوقائع، في المقدمة في الفصل الأول تبدأ المداخلة في سبر المشاعر المتناقضة في تداخلها الغريب ما بين الملموس وغير الملموس، بين الواقعية وما وراء الواقعية في إطار حوار متقطع تظهر مفاتيح من خلال البحث التنويري في مغاسل العلاقات البشرية لإيجاد قناعات بشرية بلا شكوك في قصة نجية ام سعاد التي وقعت ضحية السذاجة الفكرية وضبابية الوعي الاجتماعي فانحدرت الى مواقع الرذيلة القسرية تحت يافطات الارتباط الشرعي بواسطة التفاهم الأحادي الجانب ثم تنقلت ما بين الشك والتآمر للخروج من شرنقة القوادة الرسمية المبنية على خداع وعي الناس الى القناعة الشخصية بأحقيتها في ثمن الدعارة غير الناقص ووقوعها في ذلك الخرف الإنساني بما يسمى ” المستقبل المضمون” إلا أنه في هذه الحالة يتغير المثل الى ” القرش الأسود ينفع في اليوم الاغبر” محاولة ام سعاد وحنينها العودة لباكورة نشوئها الجنسي يظهر من محاولاتها اليائسة . الرواية جاءت على لسان الراوي مباشرة أو غير مباشرة وعبرت عن مفاصل أساسية سياسية واجتماعية من قواطع واسعة مملوءة بالحوادث وانعكاسات الوعي الاجتماعي على وعي شخوص الرواية ومدى التطورات التي ساهمت في الكشف عن الاسرار والخفايا النفسية والجسدية في هذه الشخوص للاستفسار” ــــــ كيف أنجز؟ وما هي مقومات الإنجاز جدلياً؟ ولماذا لم تنجز الأمنيات والبقاء في التمنيات؟ كنت وما زلت أفكر بعمق التجربة أو التجربة الملغية ـــــــ هل يعرف من يريد التعرف على ما أفكر به وانا صامت؟ هل يعرف من يريد التعرف على أفكار الناس الصامتين؟ ــــــــ هل ترى كيف بدأت وجوه مضغها الوسواس وكيف بقت وانتهت باقية! ” هذه الاستفسارات دائما التقصي في المكان والزمان وتحوير الوقت المزمن في التعقيد وعلاقات الموجودات باختلاف الزمان والمكان، أن ما يدور في كواليس الحياة التي ساهمت في التكوينات الاجتماعية أثرت في نسيج الرواية التي لم تتجاوز الواقع الموضوعي إلا بالتشكيل التجريدي للتمويه وبقت في إطاره تتفاعل وتبحث لإيجاد حلول بدلاً من السرد وطرح المواضيع بدون نظرة ثاقبة في مسببات النتائج وعدم الاعتماد على السرد الممل، الملل الظاهر واللامبالاة ظاهرة تجسدها نتائج شرب الكيف ” الحشيش ” إنها عالم سحري من الامتثال والامتثال من التقرب والابتعاد\، الانسان الذي يخلق ضائقة نفسية غير ظاهرة حتى تتبلور لتصبح هرماً من المعتقدات والأفكار، عالم الانسان البسيط والمعقد على هاجس الابتعاد عن النفس الإنسانية ليتقمص دوراً مسرحياً لا يليق بأدائه ولا مشروع للإعداد ليجسد الحقيقة على وضعها ويختفي في التخطيط المبهم لتنفيذ رغباته الحسية والجنسية أو يتطرف في تصرف بدائي وحشي برمته لا يمت لواقع شخصيته، حوادث لتكتلات بشرية تعيش ولا تعيش وهي تركض في فسحة من الوقت ومساحة من جغرافيا التطاحن من أجل تنفيذ الرغبات الدونية فحادثة الطابق الثاني في اللوندري عبارة عن متاهات مختفية خلف هالات من التسبيح الظاهري وضحاياها المرأة التي ترى في ظاهرة بيع الجسد جسراً للعبور لكنها تكره تاريخ قوم لوط إنه طابق المتاهات في وجود قلق عما يجري في حياة المخلوقات ، بينما نرى ما جرى في المقبرة الخارج عن نطاق المعرفة الإنسانية طريقاً لوحشية تتفوق على قوانين الغاب الجنسية، وتبقى سهام المثل الأعلى في قيام الدور النسائي لمشروعية التساوي لكنها تفقد موقعها الأثري بالتجاوز على حقها لأن تعيش كما تريد بدون خلط الحدود، أما الشخصيات الاجتماعية الأخرى فهي في دائرة مغلقة لها باب واحد مفتوح تحاول الهرب منه لكن هيهات، مجمل الرواية هي حكاية مروية بطريقة تراجيدية مركبة بكوميديا ذات طابع مأساوي له قيمة أدبية إنسانية بتوارد الأفكار والافعال لتكون طبيعية في مجتمع فيه من الطبيعي الشيء الكثير واللاطبيعي منظور، المهم في التصور الوحشي التجريدي نرى الانسان كما هو دون ظواهر انعكاسات التقليد، إنسان بإنسانية غير منظورة ولعب التطور العام الديالكتيك في توضيح مغلفات الميتافيزيق في العقل البشري. إن نشوء العلاقة بين الحوادث وواقعتيها تؤكدها الارتباطات العضوية ما بين الفصول الستة ، الفصل الثاني والثالث والرابع عبارة عن سفرات داخلية تكشف ما بين العلاقة العلنية ومحتوياتها الذاتية في قضايا يعيدها الفكر إلى الوراء للتذكر والارتباط ” فلاش باك ” خلال العمل البدني والعمل الفكري في قضية العلاقة مع الأرمني هبرسون ثم الهروب من ملاحقة طارق اليساري الذي أنقلب مرتداً الى الخلف وتطوع ” قضية التطوع ” هنا التطوع دليل على التشكيل النفسي في قضية الفكر الوصولي الانتهازي ثم قضية ام محمد المصلاوية وابنها ذلك الشرود من الضغط الاجتماعي والتشبث بالعلاقة الامومية ومقدار التضحية في العلاقة البنيوية والوصول لطريق العدم الأبدي عن طريق التضحية بالنفس، والانتقال الجديد والشخوص التي بدأت تتدحرج وتتفاعل فوق قواعد موجودة بينما تفرض الفروع بفعل النشاط البشري الإيجابي أو السلبي،
وتتابع الفصول الخامس والسادس إلى استكمال اللوحة في التسلسل التاريخي وتعرجاته في الصعود والنزول كأفعى تحاول الزحف والتسلق بغية التربص بالفريسة ” سهام ” بينما ام محمد تختار الطريق في الانتقال من الكبت والحرمان الجنسي الى حريته بواسطة النكاح الحلال حيث تستكمل تواجدها الروحي والجسدي وتتخلص من لصوصيتها النظرية وينتقل جواد إلى العالم الذي يؤمن به في حرية التحرك واستبدال المفاهيم التي تحدد حركته الفكرية بمفاهيم الثورة والتمرد ولكن بشكل باطني ويقوم الفصل السادس في وضع الصورة العامة في تكاملها الخاص الذي أوجد حدوداً فرضت بالإرهاب والقسوة وحجب الحريات العامة وعلى المستوى الشخصي وفيها انقاذ لميسلون وإبراهيم وعدنان وغيرهم ثم بروز الممكن من العقد الاجتماعية والعائلية وأهمية انقاذ ما يمكن إنقاذه بالسفر أو الاختفاء أو الهروب أو السقوط في براثن السلطة التي بدأت تتآكل بسبب تناقضاتها الداخلية والخارجية.. الرواية زاخرة بالعقدية التي تفرزها الاختلافات الفكرية لكنها تبرز حقيقة موضوعية عن الحياة التي كانت في تلك الفترات السياسية قد أسست لاحقاً جملة من القواعد الشاذة لكنها أصبحت عرفاً تقليدياً تخطت الأسس الدينية وكونت لها دين خاص بها، استحقاق الرواية ليس بضرورة قراءتها فحسب بل الغور في المفاهيم الإنسانية السائدة وتعرية الغث منها ومن هنا ستبدأ المعرفة زاهية غير ناقصة، بقى القول في النهاية الرواية امتدت على (457) صفحة من الحجم الوسط وبغلاف تعبيري أخاذ يدل على الجوهر في شكله التشكيلي وتجريد الوجوه المصابة بهلوسة تجاعيد الحياة وسرمدية العلاقات البشرية في القلق على المصير تحت طائلة الوسواس المتلبس بقواعد وفروع تكاد أن تكون مرتبطة بدون حواجز وقد طبعت الرواية / دار النخبة للنشر والطباعة والتوزيع في مصر، والرواية هي(4) في التسلسل الروائي إضافة إلى وجود ( 5 ) مجموعات قصص قصيرة و (15) مجموعة شعرية الجميع طبع في سوريا لبنان الأردن العراق النرويج مصر . وفي نهاية المطاف تنتهي ” ــــــ أواه من الوسواس الخيّال الذي يجوب بدون توقف العقول قبل الوجوه، أواه من سهولة وقساوة الحياة بين وجوه من الوسواس الباحث عن حبل النجاة وهيهات ان ينتهي فهو متواصل!”
رواية جديدة “وجوه الوسواس المبعثرة” صدرت عن دار النخبة المصرية في القاهرة / 2021 للشاعر والكاتب مصطفى محمد غريب
نضال صبيح مبارك