الثلاثاء, ديسمبر 24, 2024
Homeاراءمحطات من أنفال به هدينان- المحطة الثالثة : ناظم ختاري

محطات من أنفال به هدينان- المحطة الثالثة : ناظم ختاري

 

بمناسبة حلول الذكرى الثالثة والثلاثون لجريمة العصر( المرحلة الأخيرة من الأنفال ) التي ارتكبها النظام الدكتاتوري البائد في به هدينان ومحاصرة قواته لعدد كبير من الأهالي والأنصار والبيشمه ركه في جبل كارة Gara) ) وأسرعدد من أنصارنا والعديد من عوائل رفاقنا أثر عفو عام أصدره النظام والتي لازالت مجهولة المصير وذلك في 1988، أعيد نشر الحلقات التي كتبتها أثناء محاكمة الدكتاتور صدام وأعضاء قيادة نظامه حول الوضع العسكري السائد أنذاك وتقدم الجيش العراقي والمرتزقة الجحوش إلى مناطق به هدينان في كوردستان والحصار والتصدي له من قبل الأنصار ورحلة عدد منهم إلى سوريا عبر سنجار وسط مخاطر كثيرة .
تابعوها على صفحات موقع ينابيع العراق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إذن قوام لجنة غير مكتمل من الأنصار البيشمه ركه تشكلت منذ أيام معدودات يتواجدون في مقر (بير موس) والمنطقة كلها لوحدهم يراقبون أو ينتظرون تطورات الوضع وما ستؤول إليه الأحداث وينتظرون كذلك قرارا يصدر من اللجنة القيادية لمحلية نينوى يقرر مصيرهم أما البقاء لخوض معركة غير متكافئة مع قوات النظام التي يكفي قوامها لخوض معركة مع جيوش دولة أخرى بكامل عديدها وعدتها ، وبهذا تكون أخطأت التقدير ، أو الانسحاب إلى الخطوط الخلفية ، وعندها يتقرر مصيرهم مع مصير بقية القوات المتواجدة في (مه رانى) وهذا ما كنا ننتظره في ظل وضع معقد وصعب جدا من الناحية العسكرية والسياسية أصبح كل شئ فيه لصالح قوات النظام ، إن لم تفاجأهم هذه القوات المتقدمة في استغلال الفرصة وتوجيه ضربة كيماوية مميتة تبيدهم عن بكرة أبيهم قبل الانسحاب أو الدخول في أية معركة .

ورغم ذلك انشغل الرفاق في حياتهم الأنصارية اليومية ولكنه بحذر شديد وأضيفت إليها مهام أخرى ، ومع ذلك لم تغادرهم الشجاعة والعزم فيما لو قررت اللجنة القيادية الدخول في المعركة والتصدي كما في باقي المعارك ضد قوات النظام رغم الإدراك التام وكما قلت من أن هذه المعركة ستكون نهاية هذه المجموعة من الأنصار فيما لو دخلتها .. فكنت تجد من ينظف بندقيته أو من يحصن موقعه للقتال أو من يقرأ لعبد الرحمن منيف روايته مدن الملح أو غيرها من الروايات والأشعار لكتاب معروفين استزاد الأنصار منهم حبا لوطنهم وشجاعة للدفاع عن قضيتهم أمثال لوركا و همنفغواي وطاهر الوطار وماركيز وتشيخوف والعشرات غيرهم من عمالقة الأدب العالمي ، وانشغل بعضنا أيضا في إخفاء بعض الأشياء التي كان ينبغي إخفاءها ، وآخرون في البحث وتقصي الأخبار ومعرفة ما كان يدورفي هذه القرى القريبة من المقر إذ تيقنا بشكل قطعي إنها أصبحت فارغة تماما وتوجه سكانها صوب الحدود التركية أو الإيرانية وتيقنا إننا فعلا بقينا وحدنا هنا ، لا نجد بشرا غيرنا إلا نادرا عندما يمر شخصا عبر هذه القرى متخلفا عن أهله وهو يسرع اللحاق بهم وآخر يبحث عن وجهة أخرى تنقذه من مصير مجهول ، وعادة ما كانوا مرتبكين مذعورين ويؤكدون أن حملة إبادة فعلية بدأت في كوردستان وينقلون لنا أخبارا غير مترابطة حول قتال دار هنا أو هناك أو في كذا منطقة أو المنطقة الفلانية تعرضت لضربة أو غارة بالأسلحة الكيماوية وما إلى ذلك .

و كانت تتخلل جميع أوقاتنا الكثير من النقاش وحول مختلف المواضيع ، فوجد بعض الأنصارعدم وجود أية حاجة لمثل هذه الاستعدادات ، وعلق أحدهم قائلا ونحن نخبئ هذه الحاجيات سنعود بعد فترة قصيرة فلماذا هذا الإخفاء المحكم لهذه الأشياء التي سنحتاجها بعد أن تتقهقر هذه القوات وتعود إلى مواقعها ثانية ، وآخرون تنبؤا وعبروا بوضوح عن قناعتهم بعدم وجود أية إمكانية للعودة إلى بيرموس ثانية وممارسة الحرب البارتيزانية والعمل الحزبي في عمق الأراضي العراقية بما فيها بغداد التي كان يتحرك إليها رفاقنا من بيرموس لإعادة بناء منظمات الحزب المدمرة أثناء الحملة التي قامت بها اجهزة القمع التابعة للنظام في سنة 1978. فتحققت نبوءة الطرف الثاني عندما قتل الفاشيست كل أنواع الحياة في ريف كوردستان مما حال دون القدرة على خوض مثل هذا الأسلوب النضالي إلا في مناطق محدودة منها وبصعوبة بالغة جدا ، و في نفس الوقت تحقق حلم الرفيق بالعودة إلى هذا المكان بعد أيام من مغادرته له ولكنه (حلمه) كان هذه المرة محفوفا بمخاطر جمة أقلها خطورة هو خوض معركة خاسرة ومواجهة الموت المحقق وجها لوجه ، و كانت هذه العودة في هذه المرة لأجل التسلل و اختراق مواقع العدو و تحصيناته ومدن العراق لإيجاد منافذا للعبور إلى سوريا ، فلم يتسن له أو لغيره من الأنصار البحث عن الأشياء التي جرى ضمها وإخفاءها بل حتى البقاء في هذا المكان لأكثر من نصف ساعة من الوقت وذلك للتزود بالماء أو عدة ثمرات من الطماطم والباذنجان والشجر أو غير ذلك من ثمار مزرعتهم التي حرثوها بآلات يدوية بدائية وزرعوها ببذور خضروات مختلفة لكي تساهم في أغناء وجباتهم الغذائية وهم يؤدون مهامهم الحزبية والعسكرية . وذلك لأن وحدات الجيش العراقي التي انتشرت بكثافة في عموم المنطقة كثيرا ما كانت تتردد إلى هذا المقر لغرض تفجير كل ما له علاقة بالبيشمه ركه. وتدمر حاجياتهم كالأرزاق و الأفرشة إضافة إلى الأسلحة و الأعتدة في حالة العثور عليها في مخابئها .

خلال هذه الأيام وفي ظل هذه الأوضاع المعقدة كان لنا رفاق آخرون يتواجدون في قرى وقصبات المنطقة كالشيخان وألقوش و(دوغات)* وبعشيقة وبحزانى وغيرها ، كان بعضهم مرتبطا بمواعيد العودة إلى المقر وكنا ننتظر عودتهم متمنين أن تكون مواعيد عودتهم متقدمة وأما الآخرون فلم تكن لديهم أية مواعيد للعودة وتوقعنا أن تدفع بهم تطورات الأوضاع والأحداث المتسارعة للمجيء والالتحاق بنا لأن بقاءهم في قرى وقصبات تخضع للتواجد و للمراقبة الشديدة من قبل أجهزة السلطة القمعية أمر محفوف بالمخاطر ويعرض الركائز الحزبية إلى الكشف وهذا يشكل كارثة كبيرة لأنه في مثل هذه الحالات لا تتوانى السلطة في استخدام أقسى وأبشع الوسائل ضدهم .

في صبيحة يوم الرابع والعشرون من آب أغسطس 1988 استلمنا برقية قصيرة من اللجنة المحلية ، جاء فيها ( تقرر انسحابكم فورا ) إذن كان هذا هو القرار الصحيح رغم تأخره بعض الشئ ولكنه أنقذنا من مصاعب و إرباكات جمة إن لم يكن سببا لخلاصنا من الموت المحقق ، وهكذا بدأنا نستعد للانسحاب رغم وجود رأي آخر هناك مفاده تأجيل الانسحاب إلى وقت مبكر من فجر اليوم التالي ولكن هذا الرأي لم يؤخذ به بسبب إدراك الغالبية أن الوقت أصبح متأخرا جدا، وفي الوقت نفسه واجهتنا مشكلة أخرى في هذه المرة وهي موعد عودة الرفيق مخلص ككي من ألقوش ، ففي حالة ترك المقر والانسحاب قبل وصوله سيصبح وضعه حرجا عندما لا يجدنا هناك . ومع هذا عملنا كل جهدنا من أجل أن نكون على أتم الاستعداد بعد الظهر من نفس اليوم لتنفيذ الانسحاب منتظرين على أحر من الجمر وعلى أمل أن يصل رفيقنا مخلص ومنشغلين ثانية بإخفاء ما لا نستطيع أخذه معنا بما فيه الأعتدة الزائدة وخصوصا كانت لدينا دابة واحدة نحمل على ظهرها كل ما نحتاجه أو ما تستطيع حمله .

كان كل شئ كان يسير بسرعة ، فمع استعداداتنا للانسحاب أكمل الرفيق أبو فلاح ( حسن نمر ) من قرية سريجكة أحد الكوادر التنظيمية استعداده للذهاب إلى الده شت ( السهل ) والبقاء هناك وجرى الاتفاق بيننا على كلمة سر في حالة الاتصال به عند الحاجة وجرى تسمية الأماكن التي ينبغي أن يتواجد فيها وكذلك الأشخاص الوسطاء بيننا . وجرى الاتفاق أيضا على ضرورة الاتصال بالرفيق أبو ليلى (بيبو رشو – طالب ) احد الكوادر التنظيمية الذي كان يتواجد في قرية (دوغات) بشكل سري وكان برفقته الرفيق سامي ( شمدين عيسا) وضرورة التنسيق معا في الحالات الطارئة وجرى تكليف الرفيق (حميد سور) لمرافقة أبو فلاح وعاش حميد بعدها قصة مثيرة استمرت لعدة أيام بعدما أضطر للتوجه إلى جبل (خورزان وكرسافا)* بعد أن تركه أبو فلاح مستسلما للسلطات عبر وساطات من وجهاء المنطقة مقابل الحفاظ على حياته .

وضعنا خطة الانسحاب من بيرموس إلى مقر مرانى ، وأسرع عدد من الأنصار لإعداد وجبة غداء وكمية من الخبز للإستفادة منها في الطريق ، وتقرر ضمن الخطة أن ننقسم إلى مجموعتين ، تتحرك الأولى في تمام الساعة الثانية بعد الظهر وهي مجموعة صغيرة تتكون من 7 أو 8 أنصار كنت أنا من بينهم وكان من مهام هذه المجموعة استطلاع الطريق والتأكد من سلامتها وكان على المجموعة الثانية و التي تتكون من مجموع الرفاق الباقيين وهم ملاك لجنة تلكيف الذين التحقوا بها قبل أن تكتمل بشكل نهائي ، أن تتحرك بعدها بعدة ساعات ، على أن تنتظرهم المجموعة الأولى في مكان استراحة متفق عليه .

بينما كانت كل الاستعدادات تتم بشكل منتظم وصل النصير مخلص قادما من ألقوش ، وبهذا فأن مشكلته لم تعد تواجهنا ، ودون أن يكون له موعدا وفي آخر ساعة وصل الرفيق كسر (الدكتور ألياس مراد ) أحد الكوادر العاملين في تنظيمات قضاء الشيخان إلى المقر منظما إلينا يحمل معه الكثير من الأنباء عن التحشدات العسكرية في شيخان وأتروش .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

– (دوغات – Dogat ) قرية تابعة إداريا لناحية ألقوش – قضاء تلكيف . سكانها أيزيديون ، انخرط العديد من أبناءها في صفوف الحزب الشيوعي منذ عقود طويلة ، والتحق العديد منهم بصفوف قوات الأنصار ، وقدمت القرية العديد من الشهداء الأبطال وراحت العديد من عوائلها ضمن حملة الأنفال التي نتحدث عنها عبر هذه المحطات وسيجري الحديث عن الكثير من ذلك بمزيد من التفاصيل . ومن الجدير بالذكر أن الغالبية العظمى من جماهير هذه القرية لازالت تلتف حول منظمة الحزب الشيوعي الكوردستاني العاملة هناك .
– (خورزان وكرسافا ´- Khorezan & Karsafa)* قريتان تابعتان أيضا لناحية ألقوش يفصلهما واد صغير . في عام 1987 جرى ترحيل سكانها بشكل قسري إلى مجمعات شيخكة ونسيرية بعد ما جرى تسويتها إلى جانب قرى طفطيان وكابارا وملاجه برا مع الأرض . وذلك بسبب تعاون سكان هذه القرى مع الحركة المسلحة في كوردستان من الأنصار والبيشمه ركه ومساهمتهم فيها بشكل مباشر وقدمت هذه القرى بدورها العديد من الشهداء بينهم عدة عوائل من رفاقنا ومن حدك ضمن حملة الأنفال كنت على معرفة مباشرة بهم مع وجود علاقات عائلية وثيقة بيننا ، وقبلها تعرضت هذه القرى في العديد من المرات إلى التدمير والغارات المتكررة لقوات النظام البائد .
لازلنا في بداية الأحداث أنتظروا المزيد

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular