هموم باسي ليست لها نهاية، نجت من أسر داعش فوقعت وسط مستنقع آخر من المشاكل، بحيث بات الحصول على سكن في المخيمات أمراً مستعصياً عليها.
باسي دربو حسين (31 سنة)، امرأة نحيلة يعلو وجهها حزن عميق، تبدو عليها ملامح التعب والارهاق، وكما تقول فإنها لم تعرف معنى الراحة طوال سبع سنوات.
اقتلعها تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) من ديارها، وبعد قضائها عدة سنوات في الأسر التمّ شملها بعائلتها، لكنها لم تقدر على العودة الى سنجار بسبب الدمار الذي خلفته الحرب فقررت العيش مؤقتاً في خيمة.
الحياة في تلك الخيمة، التي كانت من المفروض أن تكون مؤقتة، قاربت ثلاثة أعوام. تقع الخيمة في منطقة غير مبلطة و مهمَلة بالقرب من مخيم خانكي للنازحين في قضاء سيميل بمحافظة دهوك.
الخيمة التي تعيش فيها عائلة باسي أصبحت مهترئة، تقع الخيمة بجوار مجموعة أخر من الخيم وهي مسيّجة بألواح الصفيح.
كل هم هذه العائلة الآن هو الحصول على خيمة جديدة داخل مخيم خانكي، لكن من سوء حظها فإن المخيم مكتظ بالعوائل النازحة، لذا يجب أن ينتظروا أن تغادر عائلة ما وتخلي خيمتها.
معظم النازحين ذاقوا هذه المعاناة، لكن الناجين من قبضة داعش يذوقون ضعفها بسبب الظروف النفسية الصعبة التي يعيشون فيها”، حسبما تقول باسي دربو التي نجت من قبضة مسلحي داعش في عام 2019 وتعيش الآن مع زوجها وأطفالها في دهوك.
زوج وأطفال تلك الامرأة لم يعيشوا في المخيمات منذ عام 2014 بسبب ظروفهم غير المستقرة وبحثهم عن مفقوديهم.
“ما الذنب الذي اقترفناه لكي نُحرم من السكن في المخيم، ندرك بأن الحياة داخل المخيم لا تختلف كثيراً، لكن الفرق هو أن سكان المخيم يتسلمون مساعدات شهرية”، كما أوضحت باسي.
تخصص الحكومة العراقية وحكومة اقليم كوردستان وأغلب المنظمات الانسانية مساعداتها لسكان المخيمات بالدرجة الأولى و قلما تلتفت للنازحين المقيمين خارج المخيمات.
اسكندر محمد أمين، مدير دائرة الهجرة والمهجرين العراقية ي محافظة دهوك، قال لـ(كركوك ناو)، “يوجد هذا الاختلاف في توزيع المساعدات الشهرية، النازحون المقيمون داخل المخيمات يتسلمون بعض المساعدات والمستلزمات شهرياً، لكن الذين يعيشون خارج المخيمات تصلهم مساعدات كل ثلاثة اشهر أو أكثر.”
تشمل المساعدات مواد غذائية، احتياجات منزلية، خيم، ملابس وأحياناً مساعدات نقدية.
يقول مدير دائرة الهجرة والمهجرين بأنهم يفتقرون للعدد الكافي من الموظفين والمركبات، الأمر الذي يحول دون تمكنهم من إيصال المساعدات الى جميع النازحين خارج المخيمات.
طالبنا بأن تشملنا المساعدات الشهرية، لكن إدارة المخيم لم تقبل
وفقاً لإحصائيات مركز التنسيق المشترك للأزمات، تعيش أكثر من 81 ألف عائلة نازحة خارج المخيمات، فيما تتوزع أكثر من 34 ألف عائلة نازحة على 26 مخيماً في اقليم كوردستان.
ما يشغل بال باسي دربو أكثر هو أطفالها، حيث أنها غير قادرة على شراء الملابس والمستلزمات المدرسية لهم نظراً لأن زوجها عامل أجير بالكاد يستطيع تأمين احتياجات البيت اليومية في ظل غياب المساعدات الحكومية.
تقول باسي، “سجل زوجي أسمائنا منذ شهرين من أجل استلام خيمة في مخيم خانكي، تقول ادارة المخيم بأنه لا يتوفر مكان حالياً ويجب أن ننتظر.”
واضافت، “أصبحنا لا نعرف علام نقلق، إنقاذ مختطفينا أم فتح مقابرنا الجماعية أم تأمين لقمة العيش”، اختطف تنظيم داعش 150 شخصاً من أقرباء باسي وسكان قريتها في آب 2014.
حسب احصائيات مكتب انقاذ المختطفين الايزيديين التابع لحكومة اقليم كوردستان اختطف مسلحو تنظيم داعش ستة آلاف و 417 ايزيدي، لا يزال مصير ألفين و 700 منهم مجهولاً.
يتواجد أكثر من 664 ألف نازح في اقليم كوردستان، يشكل الايزيديون نسبة 30 بالمائة منهم.
“نبعد 25 الى 50 متر عن المخيم، طالبنا بأن تشملنا المساعدات الشهرية، لكن إدارة المخيم لم تقبل، ولا يوجد مكان لنا داخل المخيم”، هذا ما قاله خيرو بيسو، نازح من سنجار يعيش في أطراف مخيم خانكي.
خيرو اب لست بنات و ثلاثة ابناء، وقعت اثنتان من بناته في قبضة داعش ولا يزال مصيرهما مجهولاً، لذا يرى أنه يستحق الحصول على المساعدات الشهرية على الأقل لكي تخفف قليلاً من معاناتهم.
وقال خيرو، “في بداية نزوحنا استقرينا في منزل غير مكتمل البناء في قضاء سيميل، بع ذلك طردنا أصحاب المنزل وأعطتنا احدى المنظمات خيمة بالقرب من مخيم خانكي لا زلنا نعيش فيها.”
يأوي مخيم خانكي ألفين و 690 عائلة مؤلفة من 14 ألف شخص.
بير علو كجل، مدير مخيم خانكي، قال لـ(كركوك ناو) “يشترط على أي عائلة ترغب في الاقامة داخل المخيم أن تسجل اسمها، اذا توفر مكان شاغر نتصل بها، قبل اسبوعين استقبلنا عائلة جديدة في المخيم بهذه الآلية، لكن حالياً لا يتوفر أي مكان شاغر، متى ما توفر مكان ستكون الأولوية للناجين من قبضة داعش.”
متى ما توفر مكان ستكون الأولوية للناجين من قبضة داعش
حسب متابعات (كركوك ناو)، هذه المشكلة موجودة في أغلب المخيمات الأخرى في محافظة دهوك.
درويش جوكي جردو، مدير منظمة تولا الخاصة بشؤون الناجين من قبضة داعش، قال لـ(كركوك ناو)، “تعيش ما بين 10 الى 15 عائلة ناجية من اسر داعش في أطراف كل مخيم بدهوك، يصل مجموعها الى 100 عائلة أسماؤها مسجلة عند تلك المخيمات من أجل توفير مكان لهم، حيث أن تلك العوائل محرومة من المساعدات.”
“تتعرض تلك العوائل للظلم مرتين، إحداها لأنها عوائل نازحة والثانية لأنها عوائل ناجية من قبضة داعش.”
يقول جردو بأن إدارة المخيم حاولت حل مشكلة تلك العوائل، لكن تبين بأنه لا تتوفر أمكان لإقامتهم داخل المخيم وأن المخيمات لا تكفي لإيواء جميع النازحين، لذا فإنهم بانتظار المنظمات الدولية والخيرين لتقديم يد العون للنازحين المقيمين خارج المخيمات.
يوجد في محافظة دهوك لوحدها 16 مخيماً للنازحين تقطنها أغلبية من محافظة نينوى.
يقول مدير دائرة الهجرة والمهجرين العراقية في دهوك اسكندر محمد أمين بأن قسماً من النازحين يرفضون العيش داخل المخيمات، “توجد أماكن شاغرة في معظم المخيمات لكن الإقامة داخل المخيم ليست إجبارية، لذا فإن بعض العوائل لا ترغب في العيش داخل المخيمات وقد اختاروا نصب خيم على أراض أخرى”.
عمار عزيز – دهوك