هزم التنظيم عسكريا في العراق قبل نحو أربعة أعوام، لكنه “تعافى سريعا” وبدأ يشكل خطرا على كثير من مناطق البلاد، ويشن هجمات شبه أسبوعية هنا وهناك ما يستدعي تغيير “التكتيكات” التي تتبعها القوات العراقية لمحاربته، وفقا لخبراء.
تمر اليوم الذكرى الرابعة لإعلان الحكومة العراقية “النصر” على التنظيم المتطرف في التاسع من ديسمبر عام 2017، بينما تتصاعد حدة الهجمات التي ينفذها التنظيم في وسط البلاد وشمالها، وأحيانا في قلب العاصمة بغداد.
https://youtube.com/watch?v=NCYH9xCNl2Y%22+width%3D%221214%22+height%3D%22683%22+frameborder%3D%220%22+allowfullscreen%3D%22allowfullscreen%22%3E%3C
أعنف هذه الهجمات وقعت فجر يوم الجمعة الماضي في قضاء مخمور، جنوبي أربيل، وأسفرت عن مقتل 13 شخصا على الأقل، هم ثلاثة قرويين وعشرة جنود من قوات البيشمركة.
وفي يناير الماضي أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن هجوم فجر فيه انتحاريان نفسيهما، ما أسفر عن مقتل 32 على الأقل في سوق مكتظة بساحة الطيران وسط بغداد، في تفجير انتحاري هو الأول الذي يشهده العراق منذ ثلاث سنوات.
وبين هذين التاريخين شهدت صلاح الدين وكركوك وديالى والموصل وأطراف العاصمة بغداد هجمات متكررة استهدفت مدنيين وقوات أمن عراقية راح ضحيتها عشرات الضحايا، ونسبت للتنظيم المتطرف.
يقول الخبير في التنظيمات الإرهابية حسن أبو هنية إن “التنظيم ورغم دحره وقتل قياداته في 2017، سرعان ما تعافى وتحول إلى حالة منظمة وبدأ يشن حرب عصابات لا مركزية”.
ويضيف أبو هنية لموقع “الحرة” أن “القوات العراقية نفذت عشرات الحملات الأمنية والعسكرية ضد بقايا التنظيم خلال السنوات الماضية، مع ذلك ما زال عناصر التنظيم يشنون هجمات في مناطق مختلفة وحتى في بغداد”، مبينا أن “هذا يؤشر إلى أن العراقيين لا يزالون بحاجة لعمل كبير لاجتثاث التنظيم”.
يرى أبو هنية أن التحدي الأبرز يتمثل في حرب العصابات التي “تتطلب نمطا ومقاربة مختلفتين عن حرب المدن”.
يشرح الخبير الأردني الطرق الفعالة لمواجهة التنظيم ومنها ضرورة “الاعتماد على القوة الاستخبارية واستخدام وسائل خاصة مثل قوات محاربة الإرهاب بدلا من القوات العسكرية التقليدية”.
وإلى جانب، ذلك تحتاج السلطات العراقية لـ”وضع استراتيجية شاملة” لمواجهة الإرهاب” مع عدم الاعتماد فقط على القوة العسكرية، وفقا للخبير الأمني ماجد القيسي.
يقول القيسي، وهو لواء سابق في الجيش العراقي، لموقع “الحرة” “يجب أن تشمل هذه الاستراتيجية مقاربات ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية حتى نقضي على الفكر المتطرف”.
ويضيف أن “الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تسببت ببروز التنظيم في 2014، لا تزال موجودة في العراق، ومنها البطالة والفساد وانعدام الخدمات والفقر وغيرها”.
وفي يناير 2014، سيطر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) على الفلوجة وغير التنظيم اسمه لاحقا إلى الدولة الإسلامية. وفي بداية يونيو، استولى التنظيم المتطرف على الموصل وتوسع ليسيطر على ما يقرب من ثلث مساحة العراق.
وفي أغسطس من العام ذاته، تدخلت الولايات المتحدة بشكل مباشر لأول مرة منذ انسحاب قواتها من العراق في 2011، عبر قصف مواقع التنظيم المتشدد، لتتمكن القوات العراقية فيما بعد من شن هجوم مضاد بمساعدة تحالف دولي بقيادة واشنطن، انتهى بهزيمة التنظيم.
ويقر المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة في العراق، اللواء يحيى رسول بوجود تحديات في الحرب ضد تنظيم داعش.
وقال رسول في كلمة متلفزة نشرها على حسابه في تويتر، الخميس، إن التحدي الأبرز هو “ملاحقة ما تبقى من عناصر داعش وخاصة في المناطق الصعبة جغرافيا في سلسلة جبال حمرين وقره تشوغ”.
في الذكرى الرابعة لتحرير العراق من براثن عصابات #داعش، نؤكد إن القوات المسلحة العراقية البطلة ستواصل ملاحقة بقايا التنظيمات الارهابية الجبانة الى ان يتم استأصلها بشكل كامل من الاراضي العراقية:#يوم_النصر. pic.twitter.com/rUrGUz18Dl
— يحيى رسول | Yehia Rasool (@IraqiSpoxMOD) December 9, 2021
ويستغل تنظيم داعش، كذلك، التضاريس الوعرة لسلسلة تلال حمرين التي تمتد من شمال ديالى وحتى جنوبي الموصل، فضلا عن مناطق في قضاء قولهجو وناحية جلولاء في ديالى التي تمتاز بكثافة بساتينها وانتشار المسطحات المائية التي يستغلها عناصر التنظيم في التخفي.
ويشن تنظيم الدولة الإسلامية هجمات منتظمة على قوات الأمن والمدنيين في المنطقة بين الحين والآخر.
وفي وقت سابق أكد الأمين العام لقوات البيشمركة الكردية جبار ياور لموقع “الحرة” أن “داعش استغل هذه المناطق كملاذات آمنة للتدريب وتخزين السلاح والعتاد والانطلاق منها لشن هجمات ضد البيشمركة والقوات العراقية على حد سواء”.
وقال عنصر في قوة مكافحة الإرهاب العراقية لصحيفة “واشنطن بوست” الشهر الماضي إن “داعش لا يستخدم السيارات المفخخة هناك الآن”، متحدثا بشرط عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتحدث مع وسائل الإعلام.
ويضيف “بدلا من ذلك، هم لديهم قناصة ونظارات للرؤية الليلية”.
وكذلك يستخدم عناصر داعش أحيانا العبوات الناسفة والهجمات المباغتة ضد القرى النائية الخالية من قوات الأمن.
ويُعتقد أن آلاف المتشددين ما زالوا نشطين، يختبئ معظمهم في مناطق نائية مثل الصحارى والجبال في شمال العراق. وينفذون هجمات متفرقة على قوات الأمن، لكنهم لم يسيطروا على أي منطقة كبيرة مثل البلدات أو المدن منذ 2017.
وأشار تقرير للأمم المتحدة نشر في فبراير الماضي إلى أن “تنظيم الدولة الاسلامية يحافظ على وجود سري كبير في العراق وسوريا، ويشن تمردا مستمرا على جانبي الحدود بين البلدين مع امتداده على الأراضي التي كان يسيطر عليها سابقا”.
وقدّر التقرير بأن “تنظيم الدولة الإسلامية لا يزال يحتفظ بما مجموعه 10 آلاف مقاتل “نشط” في العراق وسوريا.
يشير أبو هنية إلى أن تقديرات التقارير الدولية تتحدث عن وجود أكثر من خمسة آلاف عنصر نشط في العراق، مضيفا أن “بعض التقارير تفرق بين العناصر الفاعلة والنشطة”.
وفقا لابو هنية، فإن “أبحاثا وتقارير تقدر عدد عناصر الخلايا النائمة بأكثر من 15 ألف عنصرا، فضلا عن امتلاك التنظيم لأموال تقدر بنحو 300 مليون دولار”.
ومع ذلك يرى ماجد القيسي أن “الجسد العسكري لتنظيم داعش دمر خلال معارك تحرير المدن العراقية مما افقده الكثير من قدراته”.
ويشير القيسي إلى أن “أكثر من 80 قائدا ميدانيا بارزا تابعا للتنظيم قتل، ونحو 40 من قادة التنظيم في الصف الأول قتلوا بضمنهم قائد التنظيم”.
ويتابع القيسي أن “التنظيم فقط الكثير من عناصر التمويل خلال تلك الفترة”، مبينا أنه “كان يعد من أغنى التنظيمات في السابق لكنه اليوم تراجع كثيرا”.
أدت هذه العوامل، بحسب القيسي، الى اعتماد التنظيم على “أسلوب المفارز الخفيفة واستراتيجية حرب العصابات”.
ويؤكد القيسي أن “هذا التكتيك يحتاج لفترة طويلة من القوات العراقية من أجل القضاء عليه بشكل نهائي أو على الأقل إضعافه بشكل كبير”.
ويوضح أن “القوات العراقية لديها القدرة على ذلك، لأنها فهمت طبيعة التنظيم وتكتيكاته، لكنها بحاجة إلى دعم التحالف الدولي واستخدام أساليب متطورة، مثل الكاميرات الحرارية ومناطيد المراقبة والطائرات المسيرة لرصد تحركاتهم واستهدافهم”.
ويؤكد ابو هنية أن “إنهاء المهام القتالية للقوات الأميركية في العراق سيضعف من القدرة على التصدي لهجمات التنظيم” في المستقبل.
وأعلن البنتاغون، الخميس، أنه لم يعد هناك وجود لقوات أميركية قتالية في العراق، بالتزامن مع تأكيد قوات التحالف الدولي نهاية مهامها القتالية وتحولها إلى مهمات التدريب وتقديم الاستشارة.
وقالت المتحدثة باسم البنتاغون جيسيكا ماكنولتي في تصريح للحرة إن “القوات الأميركية المتبقية في العراق ستكون مهمتها تقديم المشورة والمساعدة وتمكين القوات العراقية من هزيمة داعش اعتبارا من التاسع من ديسمبر”.
وأضافت ماكنولتي أن “التقدم الهائل” الذي حققته قوات الأمن العراقية، بما في ذلك البيشمركة الكردية، “ساعد على تسريع إنهاء المهام القتالية للتحالف”.
في المقابل، أعلنت قوات التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، الخميس، نهاية مهامها القتالية في العراق، وتحولها إلى مهمة تقديم الاستشارة، والمساعدة والتمكين، وذلك قبل الموعد المتفق عليه في الحادي و الثلاثين من ديسمبر.
وتشكل التحالف الدولي بقيادة واشنطن، والذي يضم أكثر من 80 دولة، بما في ذلك فرنسا وبريطانيا والعديد من الدول العربية، في عام 2014 لدعم الهجمات في العراق وسوريا ضد تنظيم الدولة الإسلامية.