السبت, نوفمبر 16, 2024
Homeمقالاتمحنة الانسان والوجود في رواية ( المعلون المقدس ) للكاتب محمد إقبال...

محنة الانسان والوجود في رواية ( المعلون المقدس ) للكاتب محمد إقبال حرب : جمعة عبدالله

 
النص الروائي يشكل مغامرة غير مألوفة في المتن الروائي , في منظومته الشاسعة الأبعاد في الرؤية الفكرية والفلسفية  المطروحة في التناول النص  , و المصاغة في إيقاظ مشاعر  الذهن بالتفكير  والتأمل في طرح الاسئلة الملتهبة , التي   تناقش وتحاجج وتجادل  وتحاكم قضايا ملحة احتلت عناوين الوجود وأعمدته  القائمة في عناوينها البارزة وهي :   الأسطورة الدينية ومنطلقاتها , ومدى قابليتها  للواقع والعقل والمنطق , يضعها على مشرحة المحاججة والجدل .  مسائل الخير والشر والصراع الجدلي القائم بينهما , و حين يتغلب الشر على الخير ويصرعه . أو أنهما في ميزان الواقع اللامعقول بالفانتازيا , ان يتساويان في المعايير والقيم والاخلاق , يناقش مسألة الحكمة والسلطة والعدالة , التي هي من صنع البشر  , وحين يكون  هذا الثالوث في قبضة المقدس المدنس والملعون , ومسألة ارتباطهم مع الرعية  الخاضعة لسلطتهم , لا تملك الحول والقوة سوى الخنوع  والخضوع , حين تفسد المبادئ ولاخلاق والشرف والضمير في المجتمع , من أطراف عمدة الحكم والنفوذ الرئيسية . وهي :  الحاكم ورجال السياسة ورجال الدين يغلفهم ثوب الفساد , حين يطفو على السطح بقذارتهم  الساقطة  والمنحطة , في  الصراع القائم . فاذا فسدت الارض واهلها , فأن السماء لم تفسد عدالتها يوم الحساب الآتي , في  يوم البعث في الحساب  و العقاب  والقصاص , يوم الرحمة والقسوة ما اقترفت الذات وما جنت . واذا كان  ناموس الارض وشريعته عمياء  ,  أو انحرفت  الى اللامعقول والفنتازيا  الغرائبية , فأن يوم الحساب يكون  بالمرصاد . اذا كانوا اهل الارض يعانون المحنة الوجودية في عالم غرائبي في فانتازيا ,  بتلوث العقل بالشوائب والخطايا والذنوب , إذا كان الوجود متلوثاً بالاخلاق والمفاسد المنحطة , فإن الامور لا تغيب عن عدالة السماء ويوم الحساب . تطرح هذه القضايا الملتهبة في المتن الروائي ,  في اطار الفنتازية التي تجمع الواقع والخيال في لغة السرد  . طالما ان سمة الواقع والوجود مغلف بالفنتازيا الغرائبية واللامعقول . ان ما يطرحه  النص الروائي من رؤية فكرية وفلسفية تناقش وتحاجج وتحاكم منصات اللامعقولة التي جرفت الواقع والوجود إليها  . تطرح  مسألة الصراع وجدلية المفاهيم , التي تحتل العقل وتقوده الى المتاهات والضبابية , في تلمس ماهية الملعون حين يتلبس القدسية. وتختلط الأمور والمعايير  بين الملعون والمقدس  ,وان شخصية ( عرقول ) الحاج الكريم الذي يحرص على أداء فرائض الحج والدين  . يمثل شخصية في أطار  المقدس المدنس في سيرته الحياتية والذاتية  , الملطخة بالكذب والنفاق والزيف والأخلاق المنحطة في سلوكها الشائن , , التي أصبحت الفحشاء والزنا المحرم واللواط  والاجرام من   سجاياها ,  بالضمير والشرف والعفة  في السلوك والتصرف  ,  ايضاً أن شخصية ( عرقول ) هي صورة مصغرة لصورة مكبرة  , لكل حاكم ورجال السياسة والدين الفاسدين  . يأخذنا الحدث السردي الى يوم الحساب والبعث , ويقف ( عرقول ) في قفص الإتهام  ليعترف بسيرته الذاتية المنحطة   . فنعرف التفاصيل الدقيقة لهذه الشخصية بما اقترفت  من أقواله  عن نفسه ( لا أدري كم الاطفال من بنات وصبيان الذين كنت اعتدي عليهم , هل هو من أولئك الأطفال ؟ ) ص25 ويضيف في افادته ( لابد ان الله يعاقبني على شيء فعلته ؟ وهل هناك شيء لم أفعله ؟ بدأت حياتي بعقوق والدي , وسرقة أموال زوجتي , نعم زوجتي , انها زوجة  الناشز بلا شك , لابد أنها استأجرت هذا المعتوه لتنتقم مني , فهي تعلم بأنني خنتها مع صديقاتها وسامحتني عدة مرات حتى ضبطتني مع أختها , فآثرت السكوت على الفضيحة وهربت مع عشيقها دون أن تأخذ مني قرشاً ) ص25 . هذه الشريحة التي تربت على مستنقعات الضحلة  بالأخلاق القذرة , لا تعرف معنى العفة والضمير والشرف . نتعرف على الحاج الكريم ( عرقول ) من خلال اعترافاته يوم الحساب والقصاص , بأنه هاجر من بلاده ثلاثين عاماً وعاد صفر اليدين . نعرف بأنه اصبح من اصحاب المال والغنى , لكنه وقع في مكيدة خبيثة  من صديقه ( سمير ) دفعه الى الافلاس  وهرب مع زوجته , واصبح مديوناً بالمال لكل من يعرفه  , فهو السكير المدمن الذي لا يشبع , والزوج الذي لا ينفع . فزوجته هربت مع عشيقها ( سمير ) , فأصبح الكذب والنفاق والتحايل والفساد خصال سمات  اخلاقه ,  ليعوض نقصه الداخلي . هذه الشخصية  هي نتاج الواقع اللامعقول , فقد أغتصب ابنته , ومارس  اللواط منذ الطفولة حين فضوا مؤخرته مقابل الحلوى , فتربى على الرذيلة والفحشاء والمحارم الزنى والاجرام , تعلم كيف يصطاد الغلمان من الجنسين ليماس الفحشاء والمنكر معهم  . اغتصب شقيقته العذراء  ( زينب ) وهي اقل من ستة عشر عاماً  ( أتذكر يوم اغتصبتها على سرير والديك . أفتضيت بكارتها وأخبرتها بأنك ستفضحها لو أخبرت أحداً , ألم تقل لها أنك ستقول لجميع أصحابك عن سر جاذبيتها , وأنك تتحدى أياً منهم أن يرى ثدييها ولا يغتصبها ) ص49 , ( عرقول ) الحاج الكريم القاتل ,   الذي قتل من اغتصبه ليرد الثأر  لشرفة المنخور . هذا المتلبس بالدين يحمل روحية الراهب والشيطان معاً , ولكن هذا الاخير يتغلب على الاول ويصرعه , لتبقى روحه ملكاً للشيطان وحده لا شريكاً له  . وما شخصيته المنخورة في شرفها وأخلاقها وسلوكها . تعيش في دوامة الكذب والدجل ( أيها الكاذب أنا لم أجبرك , أنت اخترت , أنت تغتصب أي أنثى بل أن تنكح أية مؤخرة حتى لو كانت لخنزيرة , لماذا لم ترفض ؟ أنت الانسان القذر الذي يفعل أي شيء من أجل أنانيته , لم تكن لتنظر في صون عرض الناس , لم تكن لتكبت جماح غزيرتك حتى في أرذل عمرك وخلال مصيبتك هذه ,  لقد آليت أن تهدر شرف وكبرياء اي فتاة , بل ان تفقد عذريتها لتفوز بحياتك النتنة دون ان تذكر بأن لك عرضاً تريد من الناس صونه , ها قد فزت وهذا الباب يفتح لتخرج مع أبنتك الى ظلام الدنيا مطأطئاً رأسك أمام ابنتك لم تنتهِ عن الموبقات التي مارستها مع بقرة سعيد يوم كنت تنكحها في الزريبة ) ص50 . فقد هدم حياة شقيقته ( زينب ) أغتصبها على فراش والديه , وجعل حياتها تعيش في الجحيم حتى انتحرت خوفاً من كشف  الفضيحة والعار  , اغتصبها بضمير ميت بمحارم الزنى  وكما فعل مع أبنته  (  هل سمعت عن أب يعتدي على شرف أبنته , ثم يتوب ثم يعاود الكرة دون معيار أخلاقي ؟ ) ص52 . ولكن يبرر افعاله المنحطة دون اخلاق وشرف , بأنه شيء صغير لا يقاس بالمقارنة  بفداحة الافعال الشنيعة والأخلاق المنحطة لكل حاكم فاسد , ولكل سياسي يتاجر بالعهرالسياسي  , ولكل رجل دين امتلكه الشيطان  من ( رجال السياسة والأعمال في ابراجهم , عن رجال الدين في صوامعهم , عن رذائل الأزواج والزوجات والعهر المتشفي , صدقني مع كل مساوئي أنا ملاك مقارنة بهم  , على الأقل ضحاياي  قلة وضحاياهم مجتمع , سرقت بعض المال , سرقوا شعوباً كاملة ) ص75 . .  ومن البديهي في المجتمع الديستوبيا  أن الخير والشر في معيار واحد متساوياً  , ربما على الأرجح أن الشر يحطم  الخير ويصرعه , وما ( عرقول ) إلا من هذه الحفنة الرذيلة التي تنخر المجتمع باخلاق الفساد والمحارم . لأنه يحمل في عقليته الحقد والكراهية والعدوانية , والأخلاق المنحطة التي تربى عليها منذ الطفولة . ولكن كيف تقبل الالهة لهؤلاء ان يكونوا على رأس  هرم الواقع والوجود ؟ , وما هم إلا لوثة قذرة بالدنس في فساد المجتمع وتخريبه ,   حتى لو كانوا يحملون راية   المقدس  ؟ ,  ولكن السؤال الكبير : هل هذه نهاية المطاف للواقع والوجود . ألم توجد قيم ومبادئ وأخلاق حسنة ؟ , ألم توجد عقليات غير ملوثة بالدنس والمحارم ؟ . نعم توجد افكار وعقليات نيرة تسمو بصفات الحميدة وترشد الناس الى الطريق الصواب  ( بالمعنى المجازي نعم . هناك آلاف الافكار التي تسمو بالبشر نحو الطريق الصواب , لكن أحداً منكم لا يرى أحداً ) ص151 .
× الكتاب : رواية الملعون المقدس
× الكاتب : محمد إقبال حرب
 × سنة الاصدار : عام 2021
× عدد الصفحات : 177 صفحة
× اصدار : دار النهضة العربية بيروت / لبنان

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular