عاني نظام الرعاية الصحية في العراق من أزمة وصلت آثارها إلى مستشفى سرطان الأطفال في البصرة التي كانت تهدف إلى أن تصبح على أعلى مستوى عالمي منذ تأسيسه عام 2003، وبعدما أنفقت عليه الحكومة الأميركية أكثر من 100 مليون دولار من أجل استكماله.
لكن بعد 18 عاما، تقول صحيفة واشنطن بوست إن المستشفى “أصبح ضحية لنظام رعاية صحية مليء بالفساد والإهمال”.
وتقول الصحيفة، نقلا عن مسؤولين عراقيين سابقين وحاليين إنه “بعد عقود من الحروب والعقوبات الدولية التي ضربت القطاع الطبي، يقوم اليوم جيش من المحتالين بسرقة تطلعات العراقيين إلى حياة صحية”.
وتقول واشنطن بوست إن وزارة الصحة لا تعاني نقصا في المال. وبحسب ميزانية العراق لعام 2021، فقد تم تخصيص 1.3 مليار دولار على الأقل في السنوات الأخيرة لبناء المستشفيات.
ويقول مسؤولون عراقيون حاليون وسابقون، تحدثوا لواشنطن بوست، شريطة عدم الكشف عن هويتهم خوفا من الانتقام، إن الفساد مستشر وإن “الأموال المخصصة لكل شيء، بدءا من شراء الأدوية إلى بناء المستشفيات، يتم إهدارها من قبل مسؤولين ورجال أعمال، وأفراد من جماعات سياسية أخرى”.
وتعكس حالة حسين سامي (15 عاما) الوضع الذي عليه المستشفى، حيث قال طبيبه المعالج لوالد المراهق: “إنه لا يستجيب للعلاج. ولا أمل من بقاءه في العراق”.
قوض الفساد علاج حسين، ورغم ذلك تحملت أسرته فواتير طبية إلى حد جعلها تواجه خطر الإفلاس، بحسب واشنطن بوست.
يقول الأطباء إن الأجهزة الطبية التي يحتاجها حسين إما مفقودة أو خارج الخدمة. أما الوصفات الطبية فهي مليئة بالعقاقير غير المطلوبة وغير المعقولة. وأدوية السرطان من أندر الأدوية في العراق وأكثرها عرضة للتهريب لأسباب منها ارتفاع أثمانها.
وفي تقرير لرويترز في مارس 2020، قالت إن الصيدليات تمتلئ بالأدوية المهربة التي ربما تجاوز بعضها تاريخ الصلاحية أو أصبح استخدامه غير مأمون العواقب.
وتقدر قيمة سوق الأدوية في العراق بنحو 4 مليارات دولار في السنة. لكن حوالي ربع الأدوية فقط تدخل البلاد عبر القنوات القانونية، وفقا لما نقلته واشنطن بوست عن مسؤولي الصحة والمالية والجمارك.
وقال مسؤول يعمل في مجال الأدوية للصحيفة: “هذه التجارة لا تتم في الخفاء. بل بموافقة الأحزاب السياسية والميليشيات التي تعمل في المنطقة. الفساد ليس انحرافا، إنه النظام”.
وقال مسؤولون في الجمارك والصحة في بغداد، بحسب واشنطن بوست، إن غالبية الأدوية المهربة تدخل العراق عبر حدوده المليئة بالثغرات مع إيران. تعبر الشاحنات بإذن مسبق مقابل حوالي 30 ألف دولار لكل مركبة.
وأضافت الصحيفة “هذه التجارة غير المشروعة مربحة للغاية”.
ونقلت واشنطن بوست عن عاملين حاليين وسابقين في مستشفى سرطان الأطفال قولهم إن الفساد المالي يحول دون شراء أدوية السرطان وصيانة الأجهزة الطبية الحيوية.
وقال موظفو المستشفى السابقون إن بعضا من السياسيين “راقبوا عملية الشراء وسعوا لتأمين عقود لحلفائهم. وعندما حاول موظفو المستشفى خفض تكاليف العقد، تم الإبلاغ عن ذلك لممثلي الشخصيات السياسية القوية”.
وقال مسؤول سابق بالمستشفى: “شعرت أنني كنت بين نارين. كنت أرغب في خدمة هؤلاء الأطفال، ولكن من ناحية أخرى، كنت أحارب الأشخاص الفاسدين الذين يريدون سرقة أموالهم وحياتهم”.
وفي مواجهة سوء تجهيز المستشفيات ونقص الأدوية في البلاد ينفق كثيرون من مرضى السرطان في العراق آلاف الدولارات طلبا للعلاج في الخارج في لبنان والهند والأردن وإيران وتركيا.
وحسين، الذي تم تشخيص إصابته بالسرطان في سنه الثانية، كان من بين المرضى الأوائل في مستشفى الأطفال عندما تم افتتاحه عام 2011، متأخرا بست سنوات عن الموعد المحدد. وقد شعرت عائلة حسين حينذاك بالارتياح لوجود المستشفى.
فقد أنفقت العائلة آلاف الدولارات لنقل الطفل إلى الأردن لخضوعه لفحوصات التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني PET، والتي تعتبر حيوية للكشف عن الخلايا المريضة، والتي لم تتواجد في العراق قبل افتتاح المستشفى.
غير أنه حتى اليوم، لا يوجد في العراق سوى عدد قليل من آلات PET المتاحة للمرضى، ولا يوجد أي منها في مستشفى البصرة، حيت تطول قوائم الانتظار.
والبصرة، أكبر مدن الجنوب، هي العاصمة الاقتصادية للعراق وتصدر من النفط ما يوفر 90 في المئة من إيرادات الدولة.
وتعاني البصرة من نقص شديد في معدات طبية حيوية، حيث لا يوجد بها سوى ثلاثة أجهزة للأشعة المقطعية ووحدة واحدة للفحص بالرنين المغناطيسي لكل مليون نسمة وهي نسبة لا تذكر مقارنة مع المتوسط العام في الدول المتقدمة والذي يبلغ 26 جهازا للأشعة المقطعية و16 جهازا للرنين المغناطيسي، بحسب تقرير رويترز.
قال الطبيب إن فرصة حسين الوحيدة للبقاء على قيد الحياة هي زراعة نخاع العظم، الأمر غير المتاح الحصول عليه أو تنفيذه في العراق. وأشارت واشنطن بوست إلى وفاة حسين، في أكتوبر الماضي، بعد جولة كيماوي مرهقة.
وفي أواخر 2019، تفجرت احتجاجات شعبية في بغداد وفي مناطق كثيرة من جنوب العراق، بما فيها البصرة، وطالب فيها الآلاف بإصلاح النظام السياسي الذي يقولون إنه أهدر موارد الدولة، ودفع بالمواطنين العاديين إلى صفوف الفقراء.
وسوء الرعاية الصحية أحد المظالم الرئيسية، كما أن نقص فرص العلاج من السرطان قضية ساخنة. وتمتلئ البرامج الإخبارية على شاشات التلفزيون كل يوم تقريبا بقصص الآباء الملتاعين لأطفال مصابين بالسرطان.