ان التربية والتعليم يتراجع بشكل كبير بصورة سلبية بحيث تهدد المؤسسة التربوية والتعليمية برمتها في العراق الاتحادي, فلابد أن تدرك الدولة ومؤسساتها التربوية والتعليمية هذه الانتكاسات والتجاوزات التي تحدث في كل مفاصلها، وينبغي أن تبدأ بتوجيه وتصليح التربية والتعليم بعيداُ عن المحاصصة قبل كل شيء، لان التربية والتعليم هو لخدمة وبناء الانسان وتطوره نحو تقدم وبناء الأوطان.
حسب تقرير اليونسكو، فإن العراق في فترة ما قبل حرب الخليج عام 1991م كان يمتلك نظاما تعليميا يعتبر من أفضل أنظمة التعليم في منطقة الشرق الاوسط، وكانت نسبة الامية في فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي متدنية، لكن التربية والتعليم عانى الكثير بسبب ما تعرض له العراق من حروب وحصار واحتلال وحروب القاعدة و داعش والارهاب، حيث وصلت نسبة الأمية العلمية والثقافية حاليا إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ العراق الحديث، وتحاول الحكومة العراقية الحالية وحسب بياناتها جاهدةً لتدارك هذه الأزمة.
إن الجميع يتحدث عن الرفعة والمعرفة والشهادة، والغالبية الذين حصل عليها من دون ان يعرف شيئا ولو بسيطاً في إطار اختصاص تلك الشهادة سوى أنه اخذ الشهادة فقط, وبأي طريقة كانت شرعية أم غير شرعية, وهو لا يعرف شيئاً عن قيمتها العلمية، وانه يرى نفسه أصبح من أصحاب الاختصاص بإطار تلك الشهادة فقط، لقد تراجع مستوى التعليم في المؤسسات التربوية والتعليمية في العراق وفي الاقليم, ويعود الى أسباب عديدة تتعلق بجوانب كثيرة منها اقتصادية واجتماعية وسياسية وطائفية وعنصرية ودينية وأمنية سواء في إدارة هذه المؤسسات بسبب المحاصصة والمحسوبية, وعدم الدراية والفهم من قبل المسؤولين في الدولة وفي هرم المؤسسات التعليمية.
إن نسبة كبيرة من الهيئة التدريسية التي لا تؤدي عملها بشكل يرضي الضمير، نتيجة لعدم وجود دورات تقوية سنوية لهؤلاء، واللجوء الى الدروس الخصوصية، لقد انقلبت مهنة التدريس الى مهنة للتجارة المربحة ؟ أين الذمة والأخلاق، ولماذا لا يؤدي التربوي والتعليمي واجبه الوطني الملقاة عليه في تعليم وتدريس الطلاب أثناء الدوام الرسمي.؟
إن كثرة العطل والمناسبات الرسمية وغير الرسمية المبررة وغير المبررة, بحيث أصبح الطالب ينقطع عن الدوام بسببها, وقلة المدارس حتى أصبحت ثلاث مدارس يداومون في مدرسة واحدة, وتكدس الطلاب في الصف الواحد، جميع هذه العوامل ساعدت على التوجه الخاطئ للعملية التعليمة، وإن المدارس الأهلية أصبحت وللأسف وسيلة ربحية وليست غاية علمية ، تحدث فيها الكثير من التجاوزات سواء كان في المدارس أو المعاهد أو في الجامعات، حيث إن توزيع المناصب في هذه المؤسسات التربوية والتعليمية بحسب رغبة واستراتيجية الأحزاب في المحاصصة، وهناك جهات مشبوهة داخلية او خارجية تقوم بعرض خدماتها في بيع الشهادات الدراسية والتعليمية وبأسعار مغرية لجميع المراحل الدراسية وبشكل دعائي أشبه ما يكون بترويج سلعة او بضاعة .
عدم وجود استراتيجية تربوية وتدريسية وتعليمية محددة للدولة العراقية والإقليم في كيفية السيطرة على الأعداد الهائلة من الخريجين في كل سنة، هناك دول من الممكن ان تستنسخ تجربتها في كيفية رفع مستوى التعليم وكيفية السيطرة على الخريجين؟ وإلا لماذا يدرس الطالب ويتخرج.؟
نجد إن التعليم ضاع بين المصالح الضيقة للمحاصصة والأهداف الطائفية والسياسية والاجتماعية وحتى القومية، رغم ان الأفكار البسيطة لا تدوم لفترة طويلة, وترجع ايضاً لأمور وأساليب تتعلق بالتعليم نفسه حول كيفية منح الجامعات والمعاهد والمدارس للشهادات وخاصة الأهلية ؟ هل تمنح على أساس الاجتهاد والذكاء ؟ أم تمنح على أساس المحسوبية والمحاصصة وعلى القيمة المادية وطريقة شرائها ؟ أين المستوى العلمي للطلبة، وهل تقاس بنسبة النجاح بغض النظر عن طريقة النجاح؟ أم تقاس بنسبة الذكاء والكفاءة والاجتهاد.
هل تمنح الشهادة على أساس اجتهاد ونشاط الطالب؟ هل هناك مراعاة للعدالة في هذا الاتجاه ؟ هل يوجد تقييم للطالب المتفوق وكيف؟ كيف يمكن من رفع مستوى التربية والتعليم في العراق وفي كُردستان, وما هي الحواجز التي تعترضها وتمنع من تقدمها، حيث ان التقدم والتطور العلمي وتطبيق القانون وطريقة منح الشهادة والمساواة والمصداقية لا تأتي بهذه الطريقة، ولا يأتي في الخطب الرنانة دون تطبيقها.
وكأن الدولة ومؤسساتها على عدم اتفاق او عداوة مع الكفاءة العلمية والذكاء و الاجتهاد والخبرة والأمانة والمصداقية، والدور الاعظم تأتي هنا للدولة في طريقة إدارة نظام الحكم الاستقلالي والعلمي في مؤسساتها التعليمية دون تدخل المحاصصة اليها، سواء كان في الحكومة الاتحادية أو في حكومة الاقليم، حينها تعتبر المؤشر العام في توجيه وتطور المستوى العلمي والثقافي والتعليمي للمؤسسة التربوية والتعليمية، وإعداد منهاج خاص يدرس الثقافة الوطنية والإنسانية الى جانب العلوم الأخرى, واعتبار المؤسسات التربوية والتعليمة هي اعتبار للعلم والاجتهاد والذكاء والكفاءة للمتميزين وليس اعتباراً للأغنياء أو الحزبية أو القبلية او المحاصصة.
إن اعتماد وقبول الفكر العلمي والإنساني الوطني و وضع الاجتهاد والذكاء معياراً في المؤسسات التربوية والتعليمية والمهنية و الجامعية دون تدخل المحاصصة فيها، مع مراعاة الجانب الاجتماعي والوطني والاقتصادي والقانوني والأخلاقي والمساواة فيها في رفع المستوى العلمي للطلبة وللخرجين, حتى يتحقق اعداد جيل يتفهم ويتقبل المفاهيم العامة الوطنية والانسانية لخدمة وتقدم الشعب والوطن.
لذلك ينبغي أن تلتفت الدولة العراقية ومؤسساتها الى المشكلة التربوية والتعليمية والثقافية والمعوقات والمشاكل التي تواجه العملية التعليمية، والنظر الى الجانب العلمي والوطني والانساني وعدم ربطها بالمحاصصة الحزبية، والبحث عن معالجات جذرية وعميقة بعيدة المدى لتلك المعوقات والمشاكل التي تواجه المؤسسات التربوية والتعليمية .. في العراق الاتحادي.
قاسم مرزا الجندي
9 / 6 / 2022 الخميس