توقفت ساعة الحياة فجأة قبل ثمانية أعوام، فلا تعليم ولا مؤسسات صحية ولا ترفيه، إذ دخلت مدينة الموصل في عزلة إجبارية، عادت بها في ثلاثة أعوام إلى قرون مضت، حتى أبيدت عائلات كاملة، وتعرضت ثقافة وتاريخ المدينة للدمار.
يسرد محمد يونس (37 عاما)، وهو أحد أهالي الموصل ذكرياته خلال سيطرة تنظيم داعش على المدينة قائلا خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الرعب دخل نفوس الأهالي، وكان الأمر مخيفا بشكل لا يصدق، إذ وجدنا أنفسنا فجأة تحت يد تنظيم إرهابي فرض سيطرته وأصبح حاكما للمدينة”.
“سقوط المدينة، من الذكريات الأليمة التي لا تمحى، مهما مر من زمن، فمدينة عمرها آلاف السنين تم تدميرها، وعائلات كاملة أبيدت، فالجثث ملأت الشوارع، وجعلت ما عشناه رعبا حقيقيا”، هكذا يكمل يونس حديثه.
ويستطرد “في كل شارع من المدينة توجد ذكرى أليمة، فلن ننسى عمليات الإعدام العلنية، ولن ننسى تفجير آثار المدينة وغيرها الكثير”، مضيفا “لغاية الآن ما زالت النسوة ترتدي السواد حزنا على أزواجهن أو أبنائهن، ولا زلنا ندفع ثمن ما جرى لغاية الآن”.
يشار إلى أنه في 10 حزيران يونيو 2014، وخلال ترؤس نوري المالكي للحكومة، اجتاح تنظيم داعش مدينة الموصل وفرض سيطرته عليها نتيجة لانسحاب أغلب القطعات الأمنية من الجيش والشرطة الموجودة فيها، ثم سيطر تباعا على كافة مناطق المحافظة، وصولا إلى تكريت وحدود بغداد، فيما أعلن عن تحرير المحافظة بالكامل في 10 تموز يوليو 2017، خلال ترؤس حيدر العبادي للحكومة.
وطالت الاتهامات قادة سياسيين وعسكريين، وظهرت أحاديث عن “مؤامرة”، وأخرى عن “انهيار عسكري”، وروايات عديدة ظهرت، بعد أكبر حدث شهده البلد، لكن الحقائق بقيت مجهولة، رغم أن لجنة التحقيق بسقوط الموصل، قدمت أسماء للقضاء العراقي، لكن لم تثبت مقصرية أي منهم، واستمر السياسيون والعسكريون الذين وردت أسماؤهم في التقرير بمناصبهم وعملهم، بل تم ترفيعهم أيضا، بعد عدم إدانتهم من قبل القضاء.
يذكر أنه في عام 2015، أنجز التقرير الخاص بسقوط الموصل، وتضمن أسماء ضباط كبار، لكن لم يفعل التقرير بشكل صحيح ولم يتخذ أي إجراء بحق المتسببين بسقوط المدينة، وفي عام 2018 صوت البرلمان على إحالة التقرير للقضاء.
ومرت ثلاث دورات انتخابية منذ العام 2014، دون أن يفتح الملف بشكل حقيقي داخل قبة البرلمان، وحول هذا الأمر، يقول عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية ياسر وتوت، في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “لجنة الأمن والدفاع ستفتح ملف سقوط الموصل في حال طلب نواب المحافظة ذلك، ولكن لحد الآن لم يصل هذا الطلب رسميا إلى اللجنة”.
ولا يستبعد وتوت، أن “يتسبب فتح الملف علنا، بإثارة كبيرة في العراق”، في إشارة إلى إمكانية إدانة مسؤولين وزعماء سياسيين.
اليوم، وبعد مضي ثماني سنوات على سقوط المدينة، التي سعى داعش لهدم معظم آثارها، بدءا من المتاحف، ووصولا إلى مئذنة جامع النوري الكبير وتفجير الجسور والكنائس فيها، حيث استمر التنظيم بتنفيذ عملياته في عدد من مناطق البلاد، فيما تستمر العمليات الأمنية لمطاردة خلاياه في المناطق الصحراوية والزراعية المنتشرة بأطراف المدن، وأبرزها كركوك ونينوى وديالى والأنبار.
وكان رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، وخلال زيارته الموصل سابقا، أكد أن الفساد وسوء الإدارة كانا سببا في حصول الكوارث السابقة، وشدد على عدم السماح بتكرار ما حصل، والقيام بعمليات عسكرية لدعم الأمن والاستقرار وملاحقة خلايا الإرهاب.
الى ذلك، يبين النائب عن محافظة نينوى، وعد القدو، في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ملف سقوط الموصل كانت فيه الكثير من المطالبات بفتحه من النواب السابقين، وبالتالي فإن هذا الملف حاضر غائب”.
ويشير القدو، إلى أن “لجنة الأمن والدفاع لم تحسم بعض الملفات الخاصة بالقادة الذين تسببوا في سقوط الموصل، ولو كان هنالك تواصل من القائم على هذه الملفات سابقا أو حاليا، فنحن مستعدون لفتح الملفات مرة أخرى والمضي بالتحقيق وتحويل القضايا إلى القضاء لياخذ مجراه”.
وبشأن الوضع الحالي للمدينة، يؤكد أن “الأمور كانت تتجه نحو الأفضل قبل فترة ليست بالقليلة، ولكن للأسف الشديد، ستؤثر المناكفات السياسية وعدم تشكيل الحكومة سلبا على الوضع في نينوى”، مبينا “نحتاج اليوم، إلى مراجعة ملف القوات الأمنية المتواجدة في نينوى وتقييمها، ويجب استبدال القيادات الأمنية التي مر عليها أكثر من خمسة أعوام، حيث تحول عملها من الجانب الأمني إلى الجانب الاقتصادي، ونفس هذه المؤشرات لاحظناها في عام 2009”.
ويتابع “أهالي نينوى أخذوا درسا قاسيا فيما يتعلق بدخول العصابات إلى المدينة، ولكن الإنسان قادر على نسيان مايحدث له وستستغل بعض الجهات الأجندات الخارجية والإرهابية الأجيال الجديدة لبناء مفهوم يختلف عن داعش، بهدف استغلال المحافظة مجددا نظرا لأهميتها على كافة الأصعدة”.
وكان العراق بدأ عام 2016 معارك التحرير ضد تنظيم داعش، بمشاركة كافة صنوفه الأمنية وبدعم من التحالف الدولي، وقد استمرت المعارك لنحو 10 أشهر، لتنتهي بطرد داعش في تموز يوليو 2017، حيث أعلن النصر الكامل.
من جانبه، يبين معاون محافظ نينوى رعد العباسي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الموصل، وبفضل تكاتف أبناء المحافظة مع القوات الأمنية تحررت بالكامل، وانطلقت فيها حملة إعمار حقيقية في الوقت الحالي”.
ويستطرد “نستطيع القول إن الأمن في المحافظة متميز بحسب تقرير وزارة الداخلية، وتعد من المدن الآمنة حاليا، وهذا تحقق بتعاون القوات الأمنية والمواطنين، خيث أصبح المواطن عين القوات الأمنية في الشارع والكثير من الخروق تكتشف من قبل المواطنين”.
ويؤكد أن “خططنا اليوم تتركز على دعم القطاع الصحي والأمن وبناء المدارس، وكل المشاريع تسير على قدم وساق والحملات مستمرة”.
وتعاني الموصل لغاية الآن، من ترد كبير في أغلب القطاعات، وخاصة الصحة، إذ دُمرت مستشفياتها وعددها 20 بالكامل، خلال سيطرة داعش، حيث كانت طاقتها الاستيعابية تبلغ أربعة آلاف سرير، وانخفضت الآن إلى 600 سرير فقط، بعد الاستعانة بمستشفيات كرفانية.
نينوى – العالم الجديد