لاحظ عزيزي القارئ أعلاه – في الحلقة السابقة- كلمة “نَي- نەی= Nai” التي جاءت كسابقة لاسم نَيدابا- نَيسابا المقطعي؟. يقول المؤرخ الجويبراوي: “وإذا ما رأى الكاتب السومري أن عبارة صعبة جميلة خرجت من طرف قصبته حمد (نيدابا) عليها”. السؤال هنا، إذا لم تكن (نيدابا) آلهة القصب لماذا يشكرها الكاتب السومري الذي يكتب بالقصب الكلمات المؤثرة عن بدائع الآلهة؟. لاحظ عزيزي المتابع، بسبب موقع نبتة القصب في حضارة سومر من خلال صفات الآلهة أن بعضهن أو بعضهم حملن أو حملوا صفة “نَي” كسابقة قبل اسمهن أو اسمهم وذلك تيمناً باسم “القصب= نَي”، مثل اسم نينورتا الذي كان إله الزراعة والصيد والقانون؟، وكان مركز عبادته مدينة نيپور = مدينة القصب؟. هناك آلهة أخرى تحمل اسم “كي نينهورساج” التي كانت سيدة التلال وتحمل الخصب للحقول؟. يذكر اسمها هكذا “كي نينهورساج” أو “كي نينهورساغ” أن هذه الـ”كي” التي تسبق اسمها هي تلك الـ”كي “الكوردية التي تحدثنا عنها كصفة وتعني الملك، الكبير، العظيم إلخ. لكن هناك من يقول أن “كي” تعني الأرض؟! أي هي آلهة الأرض؟، تجسيد للأرض؟. هذه هي الـ”كي” وصفتها كآلهة عظيمة،آلهة كبيرة؟ ونحن بينا معنى الـ”كي” عند الكورد قديما. حتى لا يختلط الأمر بين “نَي” و”نَن” هناك آلهة كثيرة في سومر أسماءهن تبدأ بصفة نَن؟ كترخيم وتخفيف لصفة”نەنە- Nana” التي هي الأخرى موجودة إلى اليوم في اللغة الكوردية وتقال للجدة والدة الأب أو الأم أو احتراماً وتقديراً تقال للمرأة المسنة، الكبيرة. مثال (ننتي) آلهة الشهور وراعية الزمن، و(ننسگلا) آلهة دلمون، و(ننكاسي) آلهة الخمرة، و(ننكورا) آلهة الأصباغ، و(ننكيزي اوتو) آلهة نباتية، و(ننسار) سيدة الخضار والنباتات التي تؤكل، و(ننمو) سيدة النباتات ذات الألياف، و(ننسون.نن- سون) أم دموزي، و(ننليل) زوجة انليل، و(ننسينا) آلهة الشفاء، و(ننمار) آلهة الطيور، والآلهة (ننتو) سيدة الولادة، والآلهة و(ننماخ) السيدة الكبيرة. أرجو أن لا يقول أحد لنا أن لا فرق بين “نَي” و”نَن” وإلا لماذا دونتا بصيغتين مختلفتين؟. لاحظ عزيزي القارئ، حتى الصابئة المندائيين الذين نزحوا في عصور غابرة من أورشليم، من إسرائيل إلى جنوب وادي الرافدين وجدوا عند العقائد التي سبقت مجيئهم إلى جنوب وادي الرافدين أن نبتة القصب هناك مشهورة بين الناس فلذا صارت جزءً من معتقدهم الديني حيث أن الصابئي- المندائي إلى يومنا هذا حين يتزوج يقيمون له كوخاً من القصب ويتزوج فيه؟؟؟ ليس هذا فقط، بل بسبب وجود الكورد قبل الإسلام والغزو العربي لجنوب وادي الرافدين اقتبست الديانة المندائية- الصابئة بعض الكلمات من لغتهم وصارت هذه الكلمات جزءً لا يتجزأ من معتقدهم الديني، مثل كلمة بنجه- پەنجە- Panja أي خمسة في أداء الطقوس، وهكذا شعار دينهم المندائي الذي هو الآخر كوردي، تلك الراية التي يضعونها فوق معابدهم يسمى عندهم درفش – دەرفەش- Darfash وهي كلمة كوردية، فارسية مشتركة، لقد ذكر عند الكورد على مر التاريخ: درفش كاوياني- دەرەفش کاویانی، أي راية كاوه الحداد، تلك الراية الكوردية التي استولى عليها العرب إبان غزوهم للمدائن (طاق كسرى) عاصمة الدولة الساسانية وقسموا المجوهرات التي كانت حول الراية فيما بينهم، كذلك استولوا على سجادة “نوبهار” التي قطعوها إلى أجزاء وقسموها فيما بينهم وكل منهم أخذ قطعة منها. بعد عام 2003 الصابئة المندائيون كالآخرين الذي تعرضوا للقتل وهدم وحرق معابدهم تركوا جنوب العراق وبغداد ولجئوا إلى كوردستان، التي كالعادة فتحت لهم حضنها ووفرت لهم كل وسائل الأمن والأمان، والآن لديهم في أربيل العاصمة معبد باسم “مەندی سابئەی مەندائیین= مندى الصابئة المندائيين. عودة إلى موضوعنا في هذه الجزئية إلا وهو الـ”نَي”.وجدت إنها كنبتة مقدسة عند المسيحيين الأقباط يتناولونها في عيد الغطاس؟. طبعاً لهم تفسيرات دينية كثيرة عن استقامة القصب وحلاء السائل التي تحملها في داخلها إلخ. وهكذا الآلة الموسيقية التي تحمل اسم الـ”نَي” هي آلة الناي المصنوعة منها؟ وقبل ابتكار القلم بشكله الحالي استخدم القصب كقلم للكتابة المسمارية وما تلاها؟. على أية حال. وهكذا الجرم السماوي،شهاب، الذي ينزل من السماء نحو الأرض وعند دخوله في الغلاف الجوي يحترق ألا وهو الـ” نَيزك – نەیزەک- Naizak” كالعادة اقتبسته العرب ويسموه نَيزك. لأنه ينزل نحو الأرض كهيئة النَي= القصب، كهيئة القصب فلذا سموه الكورد والفرس بالنيزك. وفي اللغة البهلوية (پەهلەویە) نَيزك. وهكذا الرمح يسموه نَيزه- Naiza لأنه استخدم كرمح في قديم الزمان؟ واسمه مكون من “نَي” أي القصب، و”زه” للتصغير. وذكر “نَيزه” في كتاب النبي زرادشت المقدس (ع). لاحظ أدناه مقاتلون سومريون يحملون النَيزه- الرمح إبان القتال مع العدو:
للعلم، أن زراعة القصب كموروث من الماضي السحيق كانت باقية في بيوت الكورد في مندلي إلى أيامنا هذه، أتذكر نحن في مدينة مندلي في جنوب كوردستان زرعنا القصب في بيتنا، وهكذا كانت جارتنا (مرواري) أم محمد، هي الأخرى كانت لها بُسَيتينة خلف دارها كلها مزروعة بالقصب. وفي شرق كوردستان تجد غالبية مصانع السكر الإيرانية هناك لأن مزارعها هناك وتسمى نەیشەکەر= قصب السكر وأكبر هذه المصانع في منطقة هَفت تَپة- هەفت تەپە (أي الربوات السبعة). بما أن الشيء بالشيء يذكر، حين أراد ملك أوروك وبطلها الأوحد كەڵگامش- گَلگامش – Gilgamesh عبور مياه الموت ليجلب نبتة الحياة إلى أوروك ويزرعها كي يتناولها الجميع وبها يخلدوا أبد الدهر، لكن الحظ لم يحالفه وفقد النبتة التي تناولتها الأفعى فلذا تغيير جلدها وتجدد حياتها أو شبابها. للعلم، أن الأفعى منذ ذلك التاريخ أو حتى قبله موجودة في اللغة الكوردية، إذا سألت أحدهم عن صحته وهو مريض يقول لك: بێمارم- بيمارم- Bimarm. إن الترجمة الحرفية لها تكون هكذا بيي – بي- Bi أداة نفي، ومار- mar أفعى، ومزجهما معاً على الطريقة السومرية – الكوردية تصبح الكلمة بالترجمة الحرفية: بدون أفعى. لكن في الترجمة الاحترافية، المعنوية الصحيحة تعني: مريض، عليل، سقيم. هناك عدة ترجمات لملحمة گلگامش لكن أفضلها ما ترجمها العلامة العربي المختص بالسومريات ابن مدينة الحلة (طه باقر) الذي يقول في ترجمته: عندما أراد گلگامش عبور مياه الموت كي يحصل على نبتة الحياة قيل له حذار أن تلمس يداك مياه الموت لأن ملامستها يعني الموت المحتم. تقول الملحمة: ذهب گلگامش إلى الغابة واقتطع مائة وعشرون “مردياً” وطلاها بالقير (گیر) وغلف أعقابها (بالازجاج) ” الازجاج جمع “زج” وهي الحديدة التي في أسفل الرمح” في كل مرة يدفع قاربه في مياه الموت يستعمل مردياً يرميه ويأخذ الأخرى كي لا تلمس يداه مياه الموت. للعلم، لا يزال يستعمل المردي في الأهوار لدفع السفن النهرية. لكن عَصاة المردي التي استعملها گلگامش إبان دفع قاربه في مياه الموت لها علاقة مباشرة بالموت من خلال تلك المياه. إن الموت باللغة الكوردية يسمى مرد ، ومردي؟. من الموروثات الباقية في جنوب العراقي إذا أراد أحدهم أن يبعد أحد عن نفسه يقول له: دفعة مردي وعصاة كُردي. عزيزي القارئ الكريم، قف قليلاً على هذا المثل الشعبي وتمعن في مضمونه لماذا المردي ارتبط في هذا المثل بعصاة الكوردي؟. بالمناسبة، أن كلمة مرد أو مردي هي كلمة آرية خالصة موجودة في لغة الكورد وفي لغات أوروبية شقيقة لها، على سبيل المثال وليس الحصر، في الإنجليزية،والدانمركية،والآيسل
يتبع..
2022-6-6