الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024
Homeمقالاتانتظار العلاج الشافي لداء الانسداد السياسي في العراق : مصطفى محمد غريب

انتظار العلاج الشافي لداء الانسداد السياسي في العراق : مصطفى محمد غريب

 

الانسداد السياسي يعني لا مجال للتنفس السياسي إلا حسب عقليات وأفكار معينة يراد منها  تحقيق  الأسلوب المغاير للتطور والإصلاح والتجديد وهذا ما نراه ونلمسه في العراق وبخاصة بعد الانتخابات الأخيرة ونتائجها المنشورة ، من يتصور أن هذا الداء  داء وليد هذه الانتخابات فهو مخطئ ، وليتذكر جميع الذين تابعوا الأوضاع السياسية  بعد كل انتخابات تشريعية عراقية، سوف يتفق معنا ان هذا الانسداد الراهن ما هو إلا امتداد لتلك الانسدادات التي حدثت وفتحت ” ببوس اللحى والاتفاقيات غير المبدئية ”  لنتذكر ما حدث بعد اول انتخابات تشريعية وبخاصة فيما يخص تشكيل الحكومات والتي ولدت اكثريتها بعمليات قيصرية وبعد القيل والقال والتوافقات وتوزيع الحصص وسرقة أصوات الناخبين حسب  قانون الانتخابات غير العادل الذي هو أداة بيد القوى المتنفذة صاحبة القرار،  إضافة إلى ما وزع من رشاوي مادية وعينية وتدخلات طائفية ووعود بالجنة … الخ من الترهات والتجاوزات والتزوير التي باركتها المفوضية العليا للانتخابات التي هي حصيلة المحاصصة الطائفية والحزبية، وبقت البلاد تئن من الطائفية والتبعية مما أدى الى خروج الآلاف من المواطنين المحتجين والمتظاهرين على تردي الأوضاع بشكل عام، وتكللت تلك الاحتجاجات والمظاهرات بانتفاضة تشرين المجيدة التي قدمت أكثر من( 800 ) شهيد على مذبح المطالب الشعبية المشروعة وبالضد من المحاصصة والفساد، لكن الاغتيالات والتجاوزات والاعتقالات حاولت أن تنهي وتضعف هذه الانتفاضة، وتسنى للقائمين على نهج المحاصصة والتبعية التبشير بانتخابات في 10 / أكتوبر / 2022 وهي الانتخابات الخامسة في المسار الانتخابي الذي بدء في ( 2005)  واعتبرت استجابة للاحتجاجات والمظاهرات وبخاصة ( 2019 ) حيث طالبت هذه الانتفاضة التشرينية  باستقالة عادل عبد المهدي وإجراء انتخابات مبكرة رداً على الأحوال المعيشية السيئة وعلى الفساد والمحاصصة ، لم تكن الانتخابات المبكرة مثلما تصور البعض منقذة للبلاد من الازمة المستفحلة التي ضربت اطنابها كل مرافق الحياة السياسية والاقتصادية والمعيشية والأمنية…الخ  بل أصبحت وبالاً وطريقاً مسدوداً أمام تشكيل الحكومة الجديدة  حيث تصاعد الصراع بين الكتل الشيعية المتنفذة باتجاهين لتشكيل الحكومة، هذا الصراع الذي بعثر المطالب المشروعة للانتفاضة وأدى إلى انقسام واضح بين الأطراف الشيعية وتدخل ايران.

1 ــــ   تحالف انقاذ الوطن: حكومة اغلبية سياسية مع وجود معارضة في مجلس النواب وهذا الاتجاه يتكون من التيار الصدري، والحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحالف تقدم بقيادة محمد الحلبوسي هدفه مثلما ذكروا ضد الطائفية والفساد ومع التوجه الوطني.

2 ـــ الإطار التنسيقي: يعتمد في تشكيل الحكومة على الإرث القديم الذي يحاول أن يبقي الأوضاع على حالها مع تغيرات طفيفة وتتكون من دولة القانون نوري المالكي، تحالف الفتح بزعامة هادي العامري، الاتحاد الوطني الكردستاني وتحالف عمار الحكيم، وعصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي وغيرهم

لقد حصل التيار الصدري على أكثرية المقاعد بالنسبة لبقية الكتل السياسية الدينية وأعلن مقتدى الصدر أنه بصدد تشكيل حكومة الأغلبية السياسية وبخطاب سياسي جديد، الخروج من المحاصصة الطائفية والحزبية والسعي ضد الفساد، هذا التوجه أثار حفيظة نوري المالكي والمتحالفين معه وبخاصة القوى الشيعية فضلاً عن خلافات بين القوى الكردية حول تسمية رئيس الجمهورية الجديد ، إلا أن الخلاف بين القوى الشيعية لم يكن حول المناصب فحسب بل جوهره يكمن في الخوف من فقدان السلطة بالنسبة للشيعة ويعني فقدانهم للامتيازات والمنافع ، وهم متمسكون حتى اللعنة بمنصب رئيس الوزراء وبالمحاصصة كنهج للهيمنة والسيطرة التي هي مخالفة للدستور الذي شاركوا بشكل رئيسي في وضعه وسَنّه والتصويت عليه الذي ينص على تبادل السلطة سلمياً، لكنهم بدلوها بتبادل السلطة شيعياً!

منذ حوالي (8) أشهر والأكثرية من الكتل السياسية والدينية الطائفية  المتنفذة تتحدث عن ضرورة تشكيل الحكومة الجديدة وكأنهم ينتظرون قوة كونية من الكون الخارجي لكي تقوم بتشكيل الحكومة وإنجاز المهمات وفي المقدمة رئيس الجمهورية وتشخيص رئيس الوزراء شيعياً ، إلا أن هذا الأمر أصبح اضحوكة ومهزلة يتناقلها  البعيد قبل القريب، ودلالة على عدم وجود المسؤولية الوطنية تجاه ملايين المواطنين العراقيين المكتوين بالأوضاع المعيشية السيئة، والبلاد وظروفها الخطرة المحاطة بالإرهاب والميليشيات الطائفية المسلحة والتدخل الخارجي ، حتى الأمل بكتلة النهج الوطني المستقلة أن تقوم بدور فعال من أجل إنجاز هذه المهمة لم يتحقق جزء من ذلك الأمل  وقالها احمد الربيعي عضو النهج الوطني إن “وتيرة حراك النواب المستقلين متصاعدة وجيدة باتجاه التفاوض والتفاهم مع الأحزاب والجهات السياسية” لكنه كان مجرد كلام وبقى الحال يراوح في مكانه دون أن يتقدم خطوة، حتى أصبحت القضية كأنها قضية عادية ملازمة للروتين المبتلى به في الوضع السياسي  وحالها  حال أي قضية مهمة سخفوها وجعلوها اضحوكة  مررت على أذقان المواطنين مما  زاد عدم الثقة بكل ما تقوله وتتوعد به القوى المتنفذة ، في هذا الاتجاه اشار جاسم الغرابي وهو محلل سياسي أن “الوضع السياسي العراقي حرج جداً بسبب التقاطعات السياسية التي مرت على البلاد وعدم الانتظام والتمسك بالمواعيد الدستورية وفقدان الثقة وصراع الإرادات بين الكتل السياسية عمومًا” وبعد تحليل طويل توصل إلى تحليل كوميدي درامي فأشار ” كل المبادرات التي طرحت لا تسمن ولا تغني من جوع بدون موافقة التيار الصدري على ما يجري في الساحة” والتيار الصدري في نهاية المطاف يخرج من معادلة هذا الوضع المتردي بتوجيه مقتدى الصدر لنواب الكتلة الصدرية بكتابة استقالات نوابهم البالغ عددهم ( 73 ) نائباً من أصل ( 329 ) عضواً برلمانياً، وأكد حسن العذاري رئيس الكتلة الصدرية البرلمانية ونشر في  العديد من وسائل الإعلام،  انهُ والجماعة وضعوا استقالات الكتلة الصدرية أمام مقتدى الصدر وخاطبه ” سيدنا وقائدنا وأبن مرجعنا.. باسمي واسم جميع نواب الكتلة الصدرية أضع بين يديك استقالات جميع نواب الكتلة الصدرية بعد تسلمي لها ونحن طوع أمرك ورهن إشارتك”. وانشد النشيد كالمعتاد «معك، معك لا مع عدوك.. نعم نعم للعراق.. نعم نعم للإصلاح” وتكلل هذا الموضوع بدعوة زعيم التيار الصدري يوم الاحد المصادف 12 / 6 / 2022 بتقديم استقالاتهم من المجلس النيابي حيث طلب مقتدى الصدر من رئيس الكتلة الصدرية النيابية حسن العذارى  بتقديم استقالتهم مع فائق شكره لهم وبمواقفهم ” وما قدموه في هذه الفترة القصيرة فجزاهم الله خير الجزاء” شاكراً  حلفائه في تحالف انقاذ الوطن ومواقفهم الوطنية وهم الآن ” في حل منه جزاهم الله خير الجزاء” واختتم القول شاكراً ابن عمه جعفر الصدر وأعتبر هذه الخطوة “تضحية مني من أجل الوطن والشعب لتخليصهم من المصير المجهول كما ضحينا سابقا من أجل تحرير العراق وسيادته وأمنه وازدهاره واستقراره”. وعلى إثر ذلك علق مسعود البرزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني على قرار مقتدى الصدر والاستقالات ” نحترم قرار سماحة السيد مقتدى الصدر” وفي شكل دراماتيكي محزن!! صرح محمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب ( على مضضٍ ) أنه ” بذل جهداً مخلصاً وصادقاً لثني السيد الصدر عن هذه الخطوة، لكنه آثر أن يكون مضحياً وليس سبباً معطِّلاً من أجل الوطن والشعب، فرأى المضي بهذا القرار” أي التوقيع على الاستقالة الجماعية وهي ظاهرة لم تحدث على ما نعتقد في أي دولة أخرى ان قدم ( 73 ) نائبا استقالتهم لكنها حدثت في العراق الجديد!!

وهكذا ضاع الخيط والعصفور فلا تشكلت الحكومة ولا اتفقت الكتل الشيعية على حل واضعين البلاد في كف عفريت ، وظهر هؤلاء المعرقلين والطائفيين والتابعين وبعد حوالي( 20 ) عاماً على حكمهم وسيطرتهم ونهج سياستهم الطائفية، وكم هم في غنى عن الحرص على مستقبل البلاد والاهتمام بمصالح أكثرية الشعب العراقي، ولا نعرف كيف التوفيق بما صرح به مقتدى الصدر وبين البقاء في المعارضة بعدما تفكك أو سيتفكك تحالف ” إنقاذ الوطن “، وصرح ماجد شنكالي النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني ويبدو أنه على حق ” أن «العملية السياسية ضُربت في مقتل باستقالة الكتلة الصدرية”. ثم أضاف مؤكدا ” أن الكتل التي ستبقى في مجلس النواب ستعاني الأمرين أمام المعارضة الشعبية”. لا نعرف ماذا يعني بالمعارضة الشعبية لكننا ننصحه بتلافي الخلافات حول رئيس الجمهورية كخطوة صحيحة لخدمة الإقليم والعراق على حد سواء وأن تنجح اللقاءات بينهم في الوقت الراهن وليتعظوا أن الخلاف هو التدمير والفرقة، ،  إلا أن هناك مفاجأة ما زالت وليدة لكنها محببة لإنجاز مهمة التخلص من الآراء التي تطالب بالخلاص من الطائفية والفساد ومطالب الانتفاضة التشرينية، هذه المفاجأة ” الدعوة السياسية” لحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة ( يعني سنوات وسنوات بدون برلمان ولا حكومة ولا رئيس جمهورية والبقاء في تصريف الاعمال!!  وهي مسرحية غاب القط العب يا فأر “،

وكالعادة غردت سروة عبد الواحد القيادية الكردية في حراك الجيل الجديد إن ” الاستقالة من مجلس النواب الحالي قد تكون الحلَّ الأفضل في ظلِّ الخروقات الدستورية الحاصلة وعدم الالتزام بالتوقيتات”. ولقد أعلنت ترحيبها بخطوة مقتدى الصدر ودعت لحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة ” الله يعرف متى سيتحقق ذلك وهل هو الحل ؟! لهذا الانسداد السياسي الذي هُم، وهُم مسؤولون عنه، وما أدراك بعد الانتخابات المبكرة الجديدة أن تتكرر هذه الحالة؟، إلا اللهم أنهم قد يغيرون في التكتيك لتحقيق نسب جديدة في عضوية مجلس النواب لصالح من يريد البقاء طول العمر في السلطة والجاه والمنفعة الذاتية وليذهب ملايين العراقيين إلى الجحيم!

أن هذا الوضع المعقد المصنوع بيد القوى المتنفذة لا يمكن أن يحل بمسؤولية وضمير لأن الحل يعني التغيير والإصلاح التام وقد تدفع الأمور نحو التعقيد اكثر فأكثر مثلما أشار له نداء الحزب الشيوعي العراقي 2 – 3 / 6 / 2022 ” تدفع الأوضاع المتردية وتداعيات الأزمة السياسية وانسداد افق الحل على يد منظومة المحاصصة والفساد، بمجاميع واسعة وكتل بشرية كبيرة، خصوصاً من الشباب الباحث عن أبسط مقومات العيش الكريم، وعن الوطن الآمن المستقر، إلى رفض هذا الواقع بأشكال وطرق متعددة، وهذا بحد ذاته مؤشر هام على تحول ملحوظ في المزاج الشعبي والجماهيري” أنه انذار مبكر يجب الأخذ به لصالح البلاد والشعب العراقي، ومثلما أشير السعي لإيجاد مخارج ” دستورية وسلمية للأزمة ” وجرى التأكيد بشكل علمي وحريص ” فإن الانتخابات المبكرة يمكن أن تكون مخرجا ديمقراطيا دستوريا للازمة، يُجنّب البلاد حالة الفوضى والاحتمالات السيئة. وهذا يفترض أن تجري الانتخابات على وفق منظومة انتخابية عادلة، وبضمنها قانون منصف وديمقراطي حقا، وأن تكون مُعبرة عن إرادة الجماهير العراقية وتطلعها، إلى التغيير”

أن الذهاب إلى انتخابات مبكرة جديدة يعني حفر قبر للحياة البرلمانية وللحريات وللديمقراطية النسبية ولقضايا الإصلاح والتغيير ويعني  بصراحة المرحوم  أبو كاطع  ” جيب ليل وجر عتابة ” بس عتابة طويلة تحتاج إلى حفلة شواء ومنافع وأطنان من الدولارات والتدخلات وبيع البلاد بما فيها من نفط وماء وملح وطني كي “يغزر”  بهم؟!

 

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular