تستعد السلطات المحلية وبالتعاون مع اطراف دولية فتح مقبرة “علو عنتر”، في قضاء تلعفر، وصرّح قائممقام القضاء قاسم محمد شريف، أنه تباحث في ديوان القائممقامية مع وفد دائرة شؤون وحماية المقابر الجماعية برئاسة مديرها العام ضياء كريم طعمة، حول المباشرة بفتحها.
وأوضح شريف في تصريح لـ(كركوك ناو) أن “السلطات المحلية ستبذل قصارى جهدها للتعاون مع الفريق المكلف بالكشف عن هوية الجثث ورفعها، بعد أن قامت احدى المنظمات الدولية بتنظيفها في وقتٍ سابقٍ”.
وناقش الجانبان -بحسب القائممقام- البيانات والمعلومات المتوفرة عن المقبرة الجماعية، مؤكداً أن “الزيارة جاءت تلبية لمناشدات السلطات المحلية بضرورة فتح المقبرة من قِبل الجهات المختصة”.
ويقع تلعفرعلى بُعد 69 كم شمال غرب الموصل، وجميع سكان مركزها من القومية التركمانية، فيما ينتشر العرب والكورد في بعض النواحي والقرى التابعة له، مثل ربيعة، وزمار، والعياضية.
و “بئر علو عنتر” من بين 95 مقبرة جماعية في محافظة نينوى، من أصل 202 مقبرة في محافظات الانبار وصلاح الدين وكركوك، دفنَ فيها داعش ضحاياه بين عامي 2014 و2017، وفق تقرير مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، وبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي).
وأفاد بيان لدائرة شؤون وحماية المقابر الجماعية في العراق، أن مديرها العام زار مقبرة علو عنتر الجماعية تمهيداً لفتحها بناءً على توجيهات رئيس مؤسسة الشهداء.
وأشار إلى أن مقبرة علو عنتر من المقابر التي تضم عدد كبير من الضحايا المدنيين والعسكريين، ممن اعدمتهم عصابات داعش.
وذكر البيان أن مؤسسة الشهداء وبالتعاون مع دائرة الطب العدلي والشركاء الدوليين الممثلين بـ UNITAD وICMP وضعت خطط عمل لفتح المقبرة، إلى جانب البدء بالمرحلة الأولى من عمليات التنقيب وتنظيم حملة لجمع المعلومات وعينات الدم من عوائل الضحايا.
الفريق زار رئاسة جامعة الموصل برفقة المنظمة الدولية لشؤون المفقودين ICMP وطالبَ بتزويده بأية معلومات تساعده في انجاز مهامه عن طريق الدراسات الجيولوجية أو الآثارية، فيما تعهدت رئاسة الجامعة بتخصيص لجنة بحثية لدراسة الموقع، تتألف من كليات الحقوق والاثار وأقسام الإحصاء والجغرافية وعلم الاجتماع، كما اتفق الطرفان على تنظيم ورش عمل تخص هذا الملف.
وقتل تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام “داعش”، الآلاف من المواطنين العراقيين، ودفنهم في مقابر جماعية، لاسيما عمليات الإبادة بحق أبناء المكونين التركماني والإيزيدي، بعد اقتياد الفتيات، والنساء، سبايا إثر سيطرته على محافظة نينوى، في حزيران 2014.
وفقد 1300 مواطناً تركمانياً، من كلا الجنسين، خلال سيطرة التنظيم على المحافظة، وفُقد أغلبهم في النصف الثاني من عام 2014، في تلعفر وسنجار، إلى جانب آخرين فقدوا خلال السنوات من 2014-2017.
منظمات دولية تحدثت عن نحو ألف جثة تحويها المقبرة، الا أن دائرة شؤون وحماية المقابر الجماعية أكدت أنها لا يمكن الإفصاح عن عدد الجثث بشكل دقيق، وأن التنظيم الذي ارتكب الجريمة هو الوحيد القادر على معرفة عدد ضحاياه، فأعمال التنقيب والتحقيقات هي التي ستكشف الحقائق والأرقام.
لا يمكن التكهن بالفترة الزمنية التي تستغرقها إجراءات الفتح ودفن الجثث، حيث أن الدائرة -حسب مديرها العام- فتحت عشرات المقابر الجماعية الا أنها لم تصادف مقبرة بحجم علو عنتر، لذا فإن العمل سيكون على عدة مراحل ونتوقع مواجهة صعوبات وتحديات خلاله. فيما سيكون للجهد الهندسي في وزارة الدفاع والدفاع المدني دور كبير في عمليات التنقيب لوجود مخلفات حربية في المقبرة.
مقبرة علو عنتر فيها الكثير من الدلالات، فهي دليل حاضر على حجم الجرائم التي قامت بها المجاميع الإرهابية سواءً القاعدة أو داعش
وبحسب ناشطين تركمان فإن المقبرة التي تقع على بُعد 6 كيلومترات شمال تلعفر، يُقدر قطرها بنحو 50 متراً وعمقها بنحو 90 متر تحت الأرض، إلا أن عمقها قد تقلص كثيراً إثر رمي الجثث وردمها بالتراب من أطرافها، حيث أن داعش استخدمه كموقعٍ للإعدامات ولطم جثث ضحاياه.
ويكشف الناشطون أن عشرات الجثث المتفسخة ظاهرة في الحفرة، بينها جثث لنساء وأطفال، وجثث تؤكد ملابسهم أنهم من أبناء الديانة الايزيدية إلى جانب التركمان، كما أن آثار الدماء وعبوات الرصاص الفارغة ما تزال شاهدة على الجريمة.
وتسمى هذه الحفرة ببئر الحمائم حيث أن سرب الحمام يعلوه عادةً، ويسميها تركمان تلعفر بـ(علو عنتر)، وهي حفرة بفعل الطبيعة، لم يتدخل الإنسان في حفرها، بل يروي سكان تلعفر أن نيزكاً ضخماً في القديم سقط فيها وأحدث هذه الحفرة، قبل مئات السنين.
وأوضح عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، الدكتور علي البياتي، أن “مقبرة علو عنتر فيها الكثير من الدلالات، فهي دليل حاضر على حجم الجرائم التي قامت بها المجاميع الإرهابية سواءً القاعدة أو داعش، كما أنها دليل على استهداف التركمان أسوةً بالمكونات الأخرى التي استهدفها التنظيم في مجمل استهدافه للإنسان، متدرجاً من مجتمع إلى أخر”.
يتوقع أنها تضم نحو ألف جثة، لمواطنين تركمان وايزيديين، رغم أن البثّ بالعدد الدقيق يكون بعد فتحها
وأشار البياتي في حديث سابق لـ(كركوك ناو)، أن “الأدلة مهيأة لتقوم الجهات المعنية، حكوميةً كانت أو دوليةً، بواجباتها، في توثيق هذه الجرائم والتحقيق فيها، ثم محاكمة ومحاسبة المجرمين والمقصرين، لتكون وسيلة لإنصاف الضحايا، بانتشال جثثهم والتعرّف عليها وجبر ضرر ذويهم وإعلامهم بهوية تلك الجثث لدفنها بطريقة تليق بهم وتحفظ كرامتهم”.
وكشف عن أنه “يتوقع أنها تضم نحو ألف جثة، لمواطنين تركمان وايزيديين، رغم أن البثّ بالعدد الدقيق يكون بعد فتحها”.
وبعد تحرير تلعفر من سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام “داعش”، في أب 2017، عاد نحو 60% من النازحين التركمان إلى مدينتهم بينما ينتشر الاخرون، الذين فضّلوا عدم العودة، في عددٍ من المحافظات الجنوبية والوسطى، لا سيما النجف وكربلاء وبابل، إلى جانب إقليم كوردستان، وكركوك وتركيا. وتسعى الادارة المحلية في تلعفر بالتعاون مع المنظمات الدولية العاملة في القضاء إلى اعادة اعمار البنى التحتية وتقديم الدعم اللازم للسكان بغية تشجيع النازحين للعودة إلى منازلهم.
كركوك ناو