قلل سياسيون ومحللون، من أهمية تخصيص مجلس الوزراء مبلغ 1.5 مليار دينار (نحو مليون دولار) لتعزيز الأمن في سنجار، مؤكدين أن القضاء بحاجة إلى فرض سلطة الدولة، وإنهاء وجود السلاح المنفلت فيه، وسط شكوك حول آلية صرف المبلغ.
ويقول قائممقام قضاء سنجار السابق والنائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، محما خليل خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “مشكلة فرض الأمن في سنجار لا تحتاج إلى تخصيصات مالية، بل الأمر يحتاج إلى فرض سلطة الدولة والقانون على جميع المظاهر المسلحة في القضاء، وإعادة النازحين إلى مناطقهم“.
وكان مجلس الوزراء خول في جلسته الاعتيادية يوم أمس، وزارة المالية تخصيص مبلغ 1.5 مليار دينار إلى قيادة العمليات المشتركة لتعزيز الأمن في سنجار.
ويضيف خليل، أن “التخصيصات المالية قد تنفع بإعادة بناء وتأهيل البنى التحتية في قضاء سنجار، لكن فرض الأمن يحتاج إلى فرض سلطة الدولة في القضاء، وإنهاء وجود السلاح المنفلت خارج سيطرة الدولة لدى أكثر من طرف“.
ويرى أن “حل أزمات قضاء سنجار الأمنية والسياسية والاجتماعية، وحتى الاقتصادية، يكون من خلال تطبيق الاتفاق الأخير بين بغداد وأربيل بخصوص القضاء، لكن هذا الاتفاق لم يطبق حتى الآن وأغلب فقراته ما زالت حبرا على ورق بسبب التدخلات السياسية والضغوطات من قبل بعض الأطراف المتنفذة السياسية والمسلحة“.
ويشهد قضاء سنجار بين مدة وأخرى، توترا بين القوات الإيزيدية والجيش، وكان آخرها في الشهر الماضي، حيث جرت اشتباكات بين الجيش وقوات إيزيدية لها ارتباط بحزب العمال الكردستاني، فيما أكدت قيادة العمليات المشتركة عدم وجود مظاهر مسلحة داخل قضاء سنجار باستثناء الجيش والشرطة، وأن أهالي القضاء كان لهم دور مهم في دعم القوات الأمنية بفرض السيطرة والأمان في سنجار.
وكان قضاء سنجار هو الهدف التركي المعلن، حيث يعتبر معقلا لعناصر حزب العمال الكردستاني، وهو ما دفع بالفصائل المسلحة العراقية لإرسال ألوية عسكرية إلى القضاء، وتمركزت فيه لصد أي عملية تركية محتملة داخل القضاء الذي يقع جنوب غربي نينوى، ويعد موطنا لتواجد أبناء المكون الإيزيدي في العراق.
وقد وقعت بغداد وأربيل في 9 تشرين الأول أكتوبر 2020، اتفاقا سمي بـ”التاريخي”، يقضي بحفظ الأمن في قضاء سنجار من قبل قوات الأمن الاتحادية، بالتنسيق مع قوات البيشمركة المرتبطة بإقليم كردستان، وإخراج كل الفصائل المسلحة وإنهاء وجود عناصر العمال الكردستاني “PKK”.
وكشفت “العالم الجديد”، في تقرير سابق، أن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي أبلغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال لقائهما في أنقرة في 17 كانون الأول ديسمبر الماضي، بعجزه عن تنفيذ اتفاق بغداد-أربيل للسيطرة على سنجار وطرد عناصر حزب العمال الكردستاني منها، ومنح الضوء الأخضر لأردوغان بالدخول إلى سنجار، تحت مظلة تحالف الناتو، تحسبا لردود أفعال سلبية من قبل الفصائل المسلحة، في حال دخول تركيا بمفردها لسنجار، وذلك بحسب مصادر دبلوماسية كانت حاضرة في اللقاء الذي جرى في أنقرة، وتخللته مأدبة فاخرة على أنغام الطرب العراقي التراثي.
إلى ذلك، يبين المحلل السياسي والأمني شاهو القره داغي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “قضية سنجار قضية مهمة، وأصبحت محل اهتمام محلي وإقليمي ودولي، ولاسيما أن القضاء يمثل منطقة الألم للمكون الإيزيدي، الذي يطمح للعودة إليها والعيش في سلام واستقرار بعد مرحلة تنظيم داعش الإرهابي“.
ويؤكد القره داغي، أن “تخصيص هكذا مبالغ مالية لدعم الأمن في قضاء سنجار أمر مهم وضروري، لكن هذا يدل على أن رؤية الحكومة قاصرة وتنظر إلى النتائج من دون معالجة الأسباب الجوهرية، فلا يمكن لهكذا تخصيصات مالية أن تحقق الأهداف التي تريدها الحكومة فيما يخص الأمن والاستقرار“.
ويتابع أن “اتفاق بغداد وأربيل بخصوص قضاء سنجار حتى الآن لم يطبق على أرض الواقع، وهذا مؤشر واضح على غياب سلطة الدولة في القضاء، كما أن الحكومة العراقية تدرك جيدا أن هناك فاعلين محليين وإقليميين ودوليين وسلاحا منفلتا، وهذه كلها أمور تسيطر على وضع سنجار، فإعادة الأمن والاستقرار يكون من خلال إعادة فرض سلطة الدولة والقانون قبل أي تخصيصات مالية وغيرها من خطوات أخرى“.
ويردف “لو تم صرف هذا المبلغ وأضعافه من دون فرض سلطة الدولة والقانون، فهذا لن يؤدي إلى شيء، وإمكانية إعادة الصراع مجددا في قضاء سنجار ستكون واردة بأي لحظة، فهذه المبالغ لا يمكن لها أن تعالج وجود السلاح المنفلت خارج إطار الدولة، واستخدام هذه المنطقة للتهديدات الداخلية ضد إقليم كردستان أو بغداد أو حتى التهديدات الخارجية ضد تركيا“.
يذكر أن “العالم الجديد”، كشفت في تقرير سابق، أن قوات “اليبشة” الموجودة في سنجار، تضم عناصر من حزب العمال الكردستاني، إضافة إلى وجودهم في الجبل ومحيطه ومنطقة خاصور في سنجار، وأن تنقلهم وتحركاتهم تحدث بغطاء تلك القوات.
ويشكل قضاء سنجار، الموطن الأصلي للمكون الإيزيدي في العراق، نقطة خلاف كبيرة، بل ونقطة صراع داخلي ودولي، بداية من صراع إقليم كردستان والحكومة الاتحادية عليه عقب تحريره من سيطرة تنظيم داعش، إلى اتخاذه مقرا من قبل حزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا، فضلا عن انتشار عدد من الفصائل المسلحة فيه، كما أن سماءه ليست له، إذ باتت ملكا للطائرات الحربية التركية التي تنفذ طلعات مستمرة.
بالمقابل، يقول محافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “بلا شك أن التخصيصات المالية من قبل مجلس الوزراء لدعم أمن قضاء سنجار، أمر ضروري جدا لتنفيذ أي إجراء حكومي، لكن المهم هو تحديد الأبواب التي سيتم فيها إنفاق هذه التخصيصات المالية“.
ويؤكد أن “قضاء سنجار بحاجة إلى إثبات وجود الإدارة (الدولة وسلطتها) فيه، فمنذ تحرير القضاء من تنظيم داعش الإرهابي والإدارة الحكومية وسلطة الدولة فيه غائبة تماما، مع وجود السلاح خارج سلطة الدولة وتحكم جهات متنفذة في قرارات القضاء على مختلف الأصعدة الأمنية والسياسية والاقتصادية“.
ويشير إلى أن “قضاء سنجار يحتاج إلى جهود سياسية وليس مالية فقط لدعم الأمن والاستقرار فيه، كما يجب تطبيق اتفاق سنجار بين بغداد وأربيل، الذي ما زال حبرا على ورق، وعدم تطبيق هذا الاتفاق يدل على غياب الدولة، ويثير مخاوف من أن الأموال المخصصة من قبل مجلس الوزراء ستذهب إلى الهدر أو الفساد“.
ومنذ مطلع العالم الماضي، صعدت تركيا من عملياتها في العراق بشكل كبير، ونفذت العديد من عمليات الإنزال الجوي، فضلا عن إنشاء نقاط أمنية بعد دخول قواتها البرية لمناطق مختلفة من دهوك ونينوى، إضافة إلى إعلان إنشاء قاعدة عسكرية جديدة في الأراضي العراقية، وذلك بهدف ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، وخاصة في قضاء سنجار بنينوى.
بغداد – العالم الجديد