الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024
Homeاخبار عامة"مدينة الفقراء" صاحبة التمثيل البرلماني الأكبر .. خاصرة بغدادية تتقاذفها الأزمات ويبتلعها...

“مدينة الفقراء” صاحبة التمثيل البرلماني الأكبر .. خاصرة بغدادية تتقاذفها الأزمات ويبتلعها الانفلات

عشرون عاماً والموظف الحكومي في وزارة التربية العراقية “باقر الحلفي” يسكن مع عائلته المتكونة من ثمانية أشخاص في بيت قديم لا تزيد مساحته عن 80 مترا مربعا هو واحد من عشرات آلاف البيوت المتشابهة تصميماً وبناءً في مدينة الصدر التي حملت اسمها تخليدا لأحد أبرز الزعماء الدينيين الشيعة في العراق والذي يملك نجله مقتدى الصدر أكبر كتلة برلمانية وحظيت بعدة وزارات في الحكومات السابقة.
كل ما في بيت العائلة الواقع في قطاع (22)يشير إلى عسر الحال، غرفتان صغيرتان بآثاث بسيط تتوزع على جوانبها أفرشة الجلوس لتؤمن مكاناً لأفراد العائلة الذين حالت صعوبات معيشية وغلاء اسعار العقارات في العاصمة بغداد دون تحقيق حلمهم الأكبر في الحصول على مسكن مناسب.
غلاء المعيشة وتأمين بيت لأطفاله أبرز ما يقلق الحلفي خاصة مع ضعف مرتبه الشهري وعدم امتلاك بقية افراد العائلة لفرص عمل دائمة، وفي ظل تسارع ارتفاع اسعار العقارات حتى في منطقته التي تحولت منازلها إلى بيوتات صغيرة لا تتعدى مساحتها الـ100 متر تسكنها في الغالب أسرٌ كبيرة.
وتقع مدينة الصدر في شرقي العاصمة العراقية بغداد، يسكنها وفق تقديرات غير رسمية نحو 4 ملايين شخص على مساحة تشكل إدارياً ما نسبته 2% من مجمل مساحة العاصمة لكن بنسبة تبلغ 26% من سكان العاصمة.
“أحياء تغفو على الفقر والحرمان وسيل من الأزمات الاجتماعية، نتيجة تعدد الزيجات وكثرة الولادات وضعف الخدمات وقلة فرص العمل وضعف التعليم وندرة مشاريع التطوير والتنمية منذ تأسيسها قبل نصف قرن واستقطابها لمئات آلاف العوائل القادمة من جنوب البلاد حاملة معها تقاليدها العشائرية”، حسبما يقول عضو مجلس النواب السابق عن مدينة الصدر، علاء الربيعي.
ويضيف الربيعي “كان يفترض بأحياء المدينة أن تكون جزءاً طبيعياً ضمن مساق التغيير العمراني والتطوير الخدماتي الذي كان يفترض أن يجرى في مختلف محافظات البلاد، لكن بقيت آمال التطوير والتنمية وتحسين الخدمات معلقة بلائحة الوعود التي لم تجد طريقها للتنفيذ”.

يعود تاريخ إنشاء مدينة الصدر إلى ستينيات القرن الماضي، يوم قرر رئيس الحكومة العراقية آنذاك “عبد الكريم قاسم” انشاءها وتوطين الفلاحين والمزارعين من مختلف مدن الجنوب للعيش فيها، تخلصاً من نظام الإقطاع الذي كان سائداً حينها.
عرفت المدينة التي أشرفت على إنشائها وزيرة البلديات آنذاك “نزيهة الدليمي” باسم “الثورة” تيمنا بانطلاق ثورة 1958 التي أنهت النظام الملكي في العراق، وسرعان ما تغير اسمها الى “حي الرافدين” في عهد الرئيس عبد السلام عارف، ثم تحوّل اسمها إلى “مدينة صدام” في عهد الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، وبقيت كذلك حتى العام 2003، ليطلق عليها سكانها تسمية “مدينة الصدر” نسبة إلى المرجع الشيعي محمد صادق الصدر الذي اغتيل عام 1999 والذي يدين أغلب سكان أحياء المدينة بالولاء له ولنجله مقتدى الصدر في الوقت الحاضر.
وبعد الاجتياح الامريكي للعراق تحولت المدينة إلى معقل لميليشيا “جيش المهدي” الذراع العسكري لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ليخوض الكثير من شبانها صراعين في آن واحد، أحدهما مع القوات الأميركية وثانيهما في الحرب الطائفية التي اندلعت في العراق بعد تفجير ضريح الإمامين علي الهادي والحسن العسكري بمدينة سامراء في فبراير/شباط 2006، وعلى إثرها تعرضت المدينة إلى هجمات بسيارات مفخخة وأحزمة ناسفة، راح ضحيتها المئات من سكانها.

وعود كبيرة وخدمات بائسة
بعد نيسان 2003 استبشر أهالي مدينة الصدر بنظام الحكم الجديد وبالقادة والمسؤولين الجدد الذين عاشوا في مدينتهم او قضوا سنوات من عمرها فيها أو كان جل أتباعهم منها، لكن سنوات الصراع الطائفي وبعدها الحرب ضد داعش والتي حصدت آلافا من أبنائها، ومعها استشراء الفساد في النخبة الجديدة الحاكمة بددت أحلام اطلاق مشاريع الاعمار وتحسين الخدمات.
وذهبت أدراج الرياح وعود أمين العاصمة الأسبق صابر العيساوي، الذي كان قد أعلن في العام 2010 عن مشروع سكني عملاق بخدمات مميزة أسماه 10×10 قال عنه في حينها أنه سيبنى خارج حدود مدينة الصدر دون ازالة اي قطاع سكني من قطاعات المدينة المكتظة بالسكان.
كان المشروع يضم في مرحلته الاولى إنشاء(82)ألف وحدة سكنية على أرض مساحتها (14) كم2 شرق مدينة الصدر، بـ”أحدث المواصفات وأفضل البنى التحتية والخدمية لتسهم في تطوير مدينة بغداد نفسها وتحسين نسيجها الحضري الى جانب توفير سكن عصري لأبناء مدينة الصدر”، كما كان يُروج للمشروع، فضلاً عن أنه سيضم”مدينة طبية وجامعة ومدارس ورياض اطفال وملاعب ومنشآت رياضية ومراكز تجارية”.
تقول عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية السابقة، ندى شاكر، “بقي المشروع الذي عرض حينها اعلامياً لأبناء المدينة كمشروع خلاص لمشاكلهم، والذي نوقش في مئات الاجتماعات والندوات والحوارات حبراً على ورق ولم ينفذ منه أي شيء”.
وقالت بأن تخصيصات وضع التصاميم وجهود اللجان الفنية واجتماعاتها في الداخل والخارج “ذهبت أدراج الرياح، واكتشفنا أنه كان مجرد وهم وعلى أهالي المدينة القبول بواقع أن يعشيوا ويموتوا في كتل كونكريتية صغيرة محشورة ومتداخلة، بلا حدائق ولاجامعات ولا منشآت صحية وتعليمية حديثة ولامساحات ترفيه”.
وسط الاكتظاظ السكاني وسوء الخدمات ومعدلات البطالة المرتفعة تتربص بمدينة الصدر فوضى أمنية ومعارك عشائرية وتمرد دائم على دوائر القرار وسيل من المشاكل الاجتماعية لم تنجح كل محاولات الحكومات المتعاقبة في معالجتها.
يقول جليل عبدالحسن، وهو مهندس مدني تخرج في تسعينات القرن الماضي ويقيم في المدينة، ان “تعدد المشاكل وتراكمات القبلية كانت دائما أقوى من محاولات التغيير والتطوير، ومعها كبرت أزمات المدينة شيئا فشيئا وباتت عصية على الحل، وظل الطامحون بواقع أفضل فيها يمنون النفس بوعود الحكومات لكن سرعان ما تصطدم بواقع تراكم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والعشائرية”.
ويربط عبد الحسن فشل غالبية مشاريع التطوير الصغيرة، إلى جانب عدم انطلاق مشاريع الاعمار والتطوير الكبرى بـ”الفساد في عقودها الذي تسبب بهدر نسبة كبيرة من التخصيصات، مع عجز الدولة عن المحاسبة والسيطرة على التجاوزات، فظلت معادلة تطوير المدينة بعيدة المنال”.
بطالة وفقر وسلاح وأزمات
تكاد تنعدم المساحات الخضراء والمتنزهات الترفيهية في مدينة الصدر رغم الزحام الكبير وصغر مساحة المساكن فيها، كما يقول توفيق الفرطوسي أحد سكانها “معدل مساحات المنازل في الغالب صغير ودون الـ100 متر مربع لذا تجد البناء العمودي مع انعدام مساحات التشجير، ولا توجد متنزهات ومساحات خضراء عامة تعوض ذلك النقص”.
في جولة ميدانية لمعد التقرير، يظهر أن المتنفس الوحيد لشباب المدينة هي ملاعب كرة القدم الصغيرة المعروفة باسم ملاعب الخماسي، الى جانب المقاهي الشعبية التي تنتشر بنحو كبير في الأسواق وداخل بعض الأحياء.
القليلون من مدينة الصدر، يمتهنون أعمالاً حرة أو يعملون في الدوائر الحكومية، لأن نسبة كبيرة سكانها لم يحصلوا على تعليم عال نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشونها، وفقا للخبير الاقتصادي صفوان قصي.
ويعتقد قصي بأن الحكومة العراقية فشلت في توفير الحلول لمعالجة مشكلتي الفقر والبطالة في مدينة الصدر بنحو خاص، كما في غالبية مدن جنوبي البلاد بسبب “مافيات الفساد والسلاح المنفلت التي تحول دون استقطاب الشركات الاستثمارية لإنشاء مشاريع تمتص بعضاً من البطالة المتفشية أو اعادة تشغيل المعامل والمصانع المعطلة”.
وعن مخاطر ذلك يقول إن “البطالة والفقر يؤديان الى تزايد معدلات الجريمة وارتفاع حالات التفكك الأسري وتفشي تعاطي الحبوب المخدرة بما تحمله من مشاكل وتداعيات”.
ويشير العديد من السكان الى مشكلة انتشار السلاح في المدينة واللجوء اليه في الكثير من الحالات لتصفية الخلافات بين الأهالي بدل اللجوء الى القانون، وهو ما يوقع اشتباكات شبه يومية.
يقول شناوة العكيلي أحد شيوخ العشائر في مدينة الصدر، أن المدينة “تشهد انفلاتاً أمنياً نتيجة انتشار الأسلحة وتعدد مصادرها مع تنوع الولاءات الحزبية لدى ساكنيها، حتى أن دوائر الدولة تعجز أحيانا عن تنفيذ خططها في تنفيذ مشاريع أو تقديم خدمات بسبب الخوف من سطوة السلاح”.
ويوضح العكيلي، الذي سكنت عائلته مدينة الصدر قادمةً من أهوار الناصرية في ثمانينيات القرن المنصرم، بأن المدينة تعاني من البطالة والفقر وأن “انتشار المخدرات مؤخرا وتوسع تعاطيها بين الشباب أدى الى تزايد جرائم القتل العمد وسرقة الدور السكنية والمحال التجارية”.
ونبه إلى أن انتشار سلاح المليشيات والعشائر بنحو لافت يجعل الدولة عاجزة عن فرض سيطرتها وضبط الواقع الأمني ومواجهة الجرائم والأزمات.
يؤكد ذات الكلام واحدٌ آخر من سكان المدينة، وهو علي الحجامي(37 سنة)بقوله “لا يكاد يمر أسبوع دون أن نسمع عن حوادث اطلاق نار، عن تهديد أو محاولات قتل أو حتى استعراض بالسلاح، الأمر بات عاديا ولم يعد أحد يستطيع السيطرة على الفوضى والتجاوزات”.

سيل الأزمات تكشفه وسائل التواصل الإجتماعي
للوصول الى تصور تقريبي وجردة بأبرز المشاكل التي تواجه مدينة الصدر، رصد معد التقرير للفترة بين 1 أيار/مايو 2022 حتى 20 من ذات الشهر، المشكلات الأبرز التي تعاني منها المدينة من خلال متابعة حساب معروف على موقع التواصل الاجتماعي( فيسبوك) يدعى ” قناص المدينة” يتابعه أكثر من 245 الف شخص ويأخذ على عاتقه توثيق كل ما يحصل داخل مدينة الصدر.
خلال فترة الرصد هذه، تطرق الحساب إلى 162 مشكلة مرتبطة بتوفير الخدمات في المدينة وجميعها وثقت بمقاطع فيدوية وتعلقت بتفشي ظاهرة تربية المواشي داخل الأزقة والأحياء، والتجاوز على الأرصفة والطرقات، وطفح المياه الآسنة، والشوارع غير المعبدة، وانعدام البنى التحتية الخاصة بشبكات الصرف الصحي.
كما تم رصد 117 مشكلة أمنية تنوعت بين تفشي ظاهرة تجارة المخدرات عبر عصابات تمارس عملها بنحو علني داخل المدينة، وتصاعد الجريمة المنظمة والنزاعات المسلحة بين العشائر، على الرغم من مضي ثلاث سنوات على قرار القضاء باعتبار ما يعرف بـ” الدكات العشائرية” وهي إحدى وسائل التهديد المتبعة من قبل الكثير من العشائر باستخدام الاسلحة النارية، فعلاً إرهابيا بموجب قانون مكافحة الإرهاب.
و”الدكة” عمل يتلخص بقيام أفراد من عشيرة معينة على تهديد مواطن من عشيرة أخرى، من خلال إطلاقات نارية على منزله، كتحذير شديد لدفعه الى الجلوس والتفاوض لتسوية الخلاف. وفي حال عدم موافقة الطرف المستهدف، تتطور الأمور الى اشتباكات تؤدي إلى وقوع ضحايا من الطرفين.
كما عرضت صفحة “قناص المدينة” عشرات المشاكل الاجتماعية بينها 43 مقطعاً فيديوياً عن بعض تلك المشاكل كالطلاق والصراعات العائلية والإلحاد. كما وثق محرر الصفحة تداعيات قضايا سياسية ووجه دعوات لنواب التيار الصدري عن المدينة الى التحرك ومتابعة ملف اعمارها وتوفير الخدمات فيها.
أمام ذلك الواقع يصف بعض أبناء المدينة من النخب المثقفة حال مدينتهم بـأنها “مقبرة للأحياء”. يقول كامل المياحي، وهو أستاذ جامعي يقطن المدينة، إن “كل ما يتم تداوله من فوضى أمنية وانعدام في الخدمات ومشاكل اجتماعية، هو واقعي، ولا يمكن نكرانه بأي شكل من الأشكال”.

ويرجع ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي الى ولادة جيل جديد من الشباب سئم من واقعه المزري، وبدأ ينتفض عليه عبر كشف المشكلات ومواضع الخلل والفساد الذي ينقض على الأموال التي تخصص للتطوير والإعمار، وفقاً لما ذكر.
ولا ينكر المسؤولون المحليون أزمات مدينة الصدر، بل أن رئيس المجلس البلدي السابق في مدينة الصدر كامل خنجر، يبدي مخاوفه من اندلاع احتجاجات شعبية لا تستطيع حتى الحكومة احتوائها، منتقدا ما يصفه بالوضع الكارثي الذي تعانيه المدينة “نتيجة لإنعدام البنى التحتية والخدمات”.
ويطالب خنجر الحكومة بالاستجابة العاجلة وتخصيص مبالغ كافية للشروع بحملة خدمات كبرى لإعمار المدينة و”تعزيز الأمن فيها والسيطرة على النزاعات العشائرية المتكررة التي تسبب تعطيل بعض المشاريع الخدماتية”.
مدينة الصدر خزان انتخابي
يصف البعض، مدينة الصدر بملايينها الأربعة، أنها خزانٌ انتخابيٌ للقوى الشيعية، خاصة التيار الصدري الذي يستحوذ مرشحوه عادة على مقاعدها بنحو شبه كامل.
لكن في مؤشر ربما على يأس سكان المدينة وعدم ثقتهم بحصول تغيير في واقع مدينتهم رغم الوعود الكبيرة، تراجع عدد الناخبين المصوتين في منطقة الرصافة التي تضم مدينة الصدر، في آخر انتخابات جرت (تشرين الاول 2021) الى أقل من 30% مقارنة بنسبة من صوتوا في انتخابات العام 2018 والتي بلغت 33%.
ولم يؤثر تراجع التصويت على حصة التيار الصدري من مقاعد المدينة وتمثيله القوي لها، فمن نحو نصف المقاعد المخصصة للعاصمة بغداد (69 مقعدا) التي حصدها التيار جاءت الغالبية من مدينة الصدر (21 مقعدا في الرصافة. بينما حصل على 6 في الكرخ) في وقت فاز الائتلاف في كل مناطق البلاد بـ73 مقعدا، قبل ان يقدم نواب تلك الكتلة الكبيرة التي معظم أعضائها يمثلون المدينة استقالاتهم في 12 حزيران نزولا عند قرار السيد مقتدى الصدر بالانسحاب من العمل السياسي “لأنه لا يريد المشاركة في حكومة وبرلمان يمثل فيه الفاسدون” وبعد فشل التيار في تشكيل “حكومة اغلبية تقدم الخدمات وتحقق الاصلاح” كما وعد جمهوره.
العدد الكبير من المقاعد التي اعتاد ان يفوز بها التيار في مدينة الصدر، وحتى مشاركتهم القوية في الحكومات الثلاث الاخيرة عبر وزارات خدمية، لم تنعكس على تطوير واقعها الخدمي والاقتصادي والاجتماعي.
وينحدر من مدينة الصدر، النائب الأول لرئيس مجلس النواب حاكم الزاملي (قدم استقالته)، بالإضافة إلى رئيس اللجنة المالية النيابية حسن الكعبي (قدم استقالته) المعنية بتوزيع التخصيصات المالية، وهما كانا من أبرز المسؤولين في البرلمان ويُرسمان فعليا توجهاته.
وتقول ندى شاكر عضو لجنة الاقتصاد السابقة، إن “واقع مدينة الصدر يشابه واقع المدن الجنوية التي تعاني من أعلى معدلات الفقر والبطالة.. علينا أن لا ننسى بأن هذه المدن الغارقة في الأزمات يصعب التكهن بحركة الناس فيها، فأبناؤها كانوا وراء اطلاق احتجاجات 2019 التي اسقطت حكومة عادل عبد المهدي وطالبت بتغيير كل الطبقة السياسية”.

اين ذهبت التخصيصات؟
في العام 2021 خصص مجلس النواب 25 مليار دينار (17 مليون دولار) من موازنة محافظة بغداد، عدا تخصيصات الوزارات وتنمية الأقاليم، في قانون الموازنة الاتحادية، لإعمار مدينة الصدر.
لكن المواطن لم يشعر بتغير ملموس في واقع الحال وسط اتهامات بأن “حلقات الفساد المتعلقة بالإحالات وسوء التنفيذ تبتلع التخصيصات” يقول كاظم حسين وهو صاحب محل تجاري في وسط المدينة. ويضيف ” ذكر لي إبني الذي يعمل موظفا في دائرة خدمية بأن الصفقات أكبر من كل رقابة”.
وغالبا ما يتحول ملف إعمار المدينة إلى مادة للخلاف السياسي والإداري، ففي الوقت الذي وعد فيه أمين بغداد السابق علاء معن (أقيل في أيار/مايو 2022) بتنفيذ 60 مشروعاً لتطوير المدينة ضمن مشروع “نهضة بغداد” بعد وصول التخصيصات المالية اللازمة لها ضمن موازنة تنمية الاقاليم. وأعلن عن قرب تطوير أكثر من 50 قطاعاً وعدد من الشوارع الرئيسة بالاعتماد على الايرادات الذاتية لأمانة بغداد، ذكر عادل الساعدي مدير بلدية الصدر الأولى بأن مبالغ حملة الاعمار التي أوعز رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، دعم بلدية مدينة الصدر الأولى والثانية بها لم تصل منها في العام 2021 سوى 40%.
وأوضح الساعدي بأن الحملة العمرانية كانت تتضمن “اعمار الأرصفة وزراعة أشجار واعمار 22 قطاعا من قطاعات المدينة واستحداث خطوط جديدة للمجاري وتطوير الشوارع الرئيسة”.
حال المدينة العمراني وفشل تنفيذ المشاريع، دفع بالنائب الأول لرئيس البرلمان حاكم الزاملي لمطالبة رئيس الحكومة، بسحب يد أمين بغداد (تم ذلك) لعدم تنفيذه ما طلب منه فيما يخص مشروع اعمار مدينة الصدر. كما طالب أمانة بغداد بتقديم الكشوفات والبيانات المالية والتعاقدية لمجلس النواب لتدقيقها، وبطرح رؤية خدماتية شاملة للنهوض بواقع مدينة الصدر وتأطيرها بجدول زمني محدد، مهدداً باستجواب المعنيين في الأمانة تحت قبة البرلمان.

لا يمكن السكوت طويلا
ينبه باحثون الى أن استمرار فشل مشاريع تطوير مدينة الصدر وتعمق أزماتها الاقتصادية والاجتماعية، سيدفع بشبابها الى ميادين الاحتجاج.
ويلفت الباحث عبد الرضا الساعدي، الى أن مدينة الصدر بهيكلية بنائها وتصميمها الحالي وطبيعة شبكات خدماتها لا تنتمي الى العالم الحديث، ويقول بأن سكانها في بعض الأحيان يفشلون في انقاذ مرضاهم داخل المشافي بسبب انقطاع الكهرباء أو ضعف المستلزمات.
وبنبرة يغلب عليها الانكسار يتابع الساعدي: “استغلت احزاب السلطة بشعاراتها وخطاباتها مشاعر الفقراء طوال نحو عقدين من الزمن وحققت بواسطتهم طموحاتها السياسية، وتركتهم أسرى ذات الواقع المؤلم الذي تعهدوا طويلا بتغييره”.
في حزيران يونيو 2021، أعلن مكتب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي عن الاتفاق مع أعضاء لجنة الأمر الديواني (57) على المضي “بتنفيذ مشروع إعمار مدينة الصدر، وتوفير فرص عمل وخدمات اجتماعية وبنى تحتية مستدامة بعيداً عن الحسابات السياسية الضيقة”.
“المشروع الجديد” لإنقاذ مدينة الصدر من أزماتها السكانية والخدمية والصحية والاجتماعية، والذي تقدر قيمته بأكثر من 7 مليارات دولار ويفترض تنفيذه عبر الاتفاقية الصينية(إتفاق تعون مشترك بين العراق والصين)، يتضمن بناء 92 ألف وحدة سكنية مع منشآت خدمية حديثة.
لكن الخبير الاقتصادي قصي صفوان يشكك بإمكانية انجاز شيء على الأرض في ظل الفساد والبيروقراطية وشركات الاحزاب غير المؤهلة التي يقول بأنها تستحوذ على المشاريع وتتلكأ في انجازها أو تتركها بعد أن تحصل على تخصيصاتها الكبيرة.
ويتساءل عما تم تنفيذه في المشروع الجديد منذ اعلانه قبل أكثر من عام؟ مؤكداً أنه مازال حبراً على ورق.
يخشى الموظف الصغير باقر الحلفي، مثل الكثيرين من أبناء المدينة البسطاء، أن يكون مصير المشروع الجديد كسابقه (10 في 10) الذي أعلن مجلس الوزراء في 2014 عن الغائه ومناقلة المبالغ المالية المخصصة له والمقدرة بأربعة تريليونات و765 مليار دينار، إلى مشروع بناء دور سكنية للفقراء المشمولين بتوزيع قطع الأراضي السكنية.
يقول الحلفي “شهدنا ثلاث حكومات كلها تحدثت عن مشاريع كبرى لتغيير حياتنا نحو الأفضل، لكن لم يتحقق شيء على الأرض… كل ما أحلم به هو بيت أو شقة صغيرة تخرج عائلتي من دوامة أزمات هذه المدينة وبنيتها الخدمية التي لا تصلح للعيش”.

*انجز التقرير بدعم من شبكة نيريج للصحافة الاستقصائية ونشر على موقع درج

حسن الناصري

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular