كان العراق مضرب الامثال فيما يملكه من ثروات طبيعية من النفط والكبريت والزراعة ومياه حبست خارجياً وهدرت واهملت من قبل الحكومات العراقية بدون تخطيط وأصبح قاب قوسين من الجفاف مما أضر حتى البيئة بشكل عام، لقد لقب العراق منذ الأزل ببلاد ما بين النهرين “دجلة والفرات” إلا أن هذه البلاد الغنية بالأنهار والمياه منذ اقدم الأزمان تعيش الآن حدوث كارثة حيث حبست مياهها المخصصة دولياً وحقوقياً من قبل الجارتين المسلمتين إيران وتركيا وأصبح الجفاف الذي يضرب اطنابه في مواقع ومناطق كثيرة حالة لا يمكن التغاضي عنها أو السكوت على ما تقوم به ايران التي لها مصالحها الاقتصادية والتي تقدر بمليارات الدولارات وبدلاً من الضغط والرفض فإن الحكومات العراقية المتعاقبة وآخرها حكومة مصطفى الكاظمي تقدم هدية مجانية بدفع الفيزة لملايين الإيرانيين القادمين لزيارة كربلاء والنجف وغيرهما من الأماكن المقدسة، وبحكم التبعية الطائفية لبعض الكتل والأحزاب الشيعية لم ينبس بحرف واحد عما تقترفه بحق الشعب العراقي ، وتسكت هذه الحكومات على ما تقوم به تركيا من اعتداءات مسلحة وخرق المجال الجوي العراقي بطائرتها الحربية وكذلك تدخلها عسكريا في مناطق الإقليم وإقامة القواعد العسكرية الثابتة والمتنقلة، من جهة أخرى تصدر تركيا السلع والبضائع المختلفة التي يدفع العراق لها مليارات الدولارات للمساهمة في التخفيف عن أزماتها الاقتصادية والاجتماعية، وعلى ما يبدو أن اكتشاف النفط في العراق جعله في رتبة متقدمة مع الدول النفطية، لكنه يعتبر الآن من الدول التي تعاني من الفقر وضنك العيش ومن مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية لا تحصى، وهذا واقع أصبح معروفا بدون مجاملة او تستر أو تغطية.
لقد كنا ومازلنا نؤكد أن طريق المحاصصة الطائفية والتبعية طريق مملوء بالمخاطر ولا يمكن أن يؤدي إلى إعادة بناء البلاد وتطويرها بالخروج من الاقتصاد الريعي والاعتماد على النفط والاتجاه نحو القطاع الصناعي والزراعي الخاص وتطوير القضايا الأخرى التي تساهم في الاستقرار والتنمية وتطوير القطاعات الأخرى والتخلص من آفات اجتماعية وقضايا عقدية مثل الغلاء وارتفاع الأسعار والمساهمة في حل أزمة السكن والبطالة والفقر وتحت خط الفقر الذي انتشر كالنار في الهشيم وأصاب ملايين العراقيين في بلد يعتبر من البلدان الغنية في ثرواته الطبيعية، وبهذه المناسبة فقد ذكرت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أن الملايين من العراقيين يعيشون تحت خط الفقر وقد جاء على لسان اسيل حسن مسؤولة قسم الخدمة الاجتماعية في دائرة الحماية في الوزارة أنَّ “وزارة العمل تمثل خط الصد الأول للحد من الفقر ومحاربة تبعات وآثار الأزمات الاقتصادية على الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع”. ومن خلال متابعة الأسباب لآفة الفقر والبطالة فقد وجد الأمر عبارة تخبط في التخطيط وفي سياسة الحكومات العراقية المتعاقبة منذ ( 2005 ) في قضايا التنمية وإيجاد فرص عمل لاستيعاب الخريجين ثم المساهمة بالتخفيف عن الأعباء المعيشية الثقيلة للفئات الكادحة والفقيرة في مسالة البطالة والبطاقة التموينية التي أصبحت حلماً من الأحلام أمام هذه الكميات من المليارات المنهوبة ، واستطردت المسؤولة أسيل حسن مؤكدةً أنه “وبحسب آخر إحصائية رسمية لوزارة التخطيط فإنَّ ما يقارب ( 11 ) مليون عراقي يعيشون تحت خط الفقر، ولا يملكون مصدراً حقيقياً وثابتاً للدخل مما يجعلهم يتعرضون لضغوطات اقتصادية ومعاشية تنعكس على تنامي ظاهرة العنف الأسري في المجتمع” ولقد انتشرت حوادث العنف الأُسري مرتبطة بالفقر والبطالة والعوز على الرغم من الإجراءات التي قامت بها وزارة العمل وكذلك المعالجات الفوقية محاولة التخفيف وهي عملية صعبة ومعقدة لأن الوضع العام والمحاصصة وعدم وجود برامج عملية واضحة تنفذ على مراحل أنتجت الكثير من السلبيات في عمل المؤسسات التي تسعى في انجاز العمل في هذا الاتجاه ، وإنه خلال عامي( 2019 و 2020 ) أظهرت ارتفاعاً ملحوظا في عدد الاسر التي تعرضت للعنف الأُسري وبهذا ” سجّلت الوزارة ارتفاعاً كبيراً في عدد الأُسر المستفيدة والتي تعاني العنف الأسري بسبب تردي وضعها الاقتصادي والمعاشي والتي كانت قد شخصت بأنها تحت مستوى خط الفقر” إلا أن الحقيقة تبقى الملايين من الأُسر الفقيرة والكادحة وأصحاب الدخل الضعيف محتاجة لحلول جذرية وواقعية وليس ترقيعية تعالج جزءً وتبقى أجزاء كبيرة بدون حلول تنتظر الفرج والفرج بعيد نسبياً، ولهذا تبقى دون مستوى معالجة الوزارة أو المؤسسات التي تعمل في هذا المجال لأن العلة في التخطيط العلمي العام والذي أصيب بالتهميش والبعثرة بسبب الفساد المالي والإداري، الحديث عن الفقر ودون خط الفقر في العراق يحمل الكثير من الشجون كما هو الحال بالنسبة ” لدجلة والفرات “، والفقر الذي ابتلى العراق به بسبب حكوماته وحكامه والقادة السياسيين على امتداد قيام الدولة العراقية، وقد مرّ بمراحل تنوعت في الشكل والمضمون، ففي عراق الملايين السبعة وما دونها كان الفقر ظاهرة في صرائف خلف سدة ناظم باشا ” الميزرة” ثم في الكرخ ” الشاكرية ” وهما بسبب الهجرة من الريف إلى المدينة طلباً للرزق وبالأخص جنوب العراق الذي كان الاقطاع الرجعي يتحكم في مفاصلة ويتحكم بأرواح الفلاحين الفقراء بينما الحكومات الملكية بقت ساكتة ولم تحرك ساكنا وكأنها كانت تشجع هذه الهجرة وانفلات التضخم السكاني في العاصمة بواسطة عشوائيات رديئة السكن والعيش وبسبب هذه المشكلة قامت ثورة 14 تموز 1958 بمحاولة للتخلص من ظاهرة الصرائف في توزيع قطع الأراضي الزراعية في منطقة غربي بغداد واطلق عليها مدينة الثورة ثم مدينة الشعلة قرب الكاظمية وغيرهما وكان الاعتقاد السائد التخلص من الاحياء العشوائية لكن الطامة الكبرى أن ذلك التوزيع كان عشوائياً بدون تخطيط علمي في انشاء المدن وسوء في الخدمات من كهرباء وماء ومجاري للصرف الصحي فانتقلت هذه المناطق من الصرائف إلى عشوائيات على نمط جديد افتقر إلى التخطيط العلمي أول ما أصابها الفقر والبطالة ودون خط الفقر وغيرها من العاهات الاجتماعية، مثلما أصيبت العاصمة بغداد بهذا الداء خلال الزيادة المطردة في السكان فقد كان للمحافظات العراقية جميعها ولكن بنسب متفاوتة النصيب في التردي غير قليل من سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وارتفاع نسب البطالة والفقر وبخاصة اثناء وبعد تلك الحروب التي شنها النظام الدكتاتوري ولم يكن احتلال العراق واسقاط النظام مثلما أعتقده البعض من السائرين في ركاب مخطط الولايات المتحدة الامريكية إلا وبالاً ألحق ليس بالوضع السياسي والأمني فحسب بل بالمرافق الحياتية جميعها وبخاصة الأوضاع المعيشية والاجتماعية والاقتصادية والبطالة والفقر وسوء الخدمات الاجتماعية وجراء ذلك تقاسمت المحافظات قضايا الفقر والبطالة والغلاء وسوء الخدمات وأشارت الوكالة الصحافية الفرنسية مثلاً ” أن نسبة البطالة في محافظة نينوى ثاني اكبر مدينة عراقية بلغت حوالي 40% ” وأكد التقرير الفرنسي بالنسبة للمحافظات الأخرى أن “معدل البطالة مرتفع بالمثل في أماكن أخرى من البلاد” وأوضحت أن أحد الأسباب هي الحرب واستمرار الفساد والمحسوبية ومشاكل اقتصادية كثيرة كانت من الأسباب لتصاعد نسب البطالة والفقر، وعانت محافظات الجنوب والوسط من هذه العلة المزمنة الأمرين فهناك وفقاً للتقارير الرسمية ارتفاعاً في نسبة الفقر فمثلاً في محافظة ميسان 45% ومحافظة المثنى 52% والديوانية 48% وذي قار الناصرية 44% والبصرة وغيرها تتراوح النسب ما بين 45% و35% وهي نسب ازدادت بشكل مطرد خلال عامي ( 2021 وعام 2022 )، أما إقليم كردستان فقد أشار رئيس فرع أربيل لاتحاد عمال كردستان «أن معدل البطالة في إقليم كردستان تجاوز30% “.
الفقر متعدد الأسباب فإن النتائج تعتبر حالة طبيعية في قضية المعالجة الإيجابية في التخفيف منه وهذه المعالجة يجب أن تكون وفق منظور علمي ولها أسس منهجية للحد من انتشاره ومن اوليات هذه العملية التوجه لدعم القطاع الخاص والمختلط لإيجاد فرص عمل وفق تطوير التوجه الاقتصاد الجاد لتنوعه والاهتمام بالصناعة وإعادة تشغيل المصانع والمعامل بتقديم الدعم الحكومي لاستيعاب عاطلين عن العمل وعدم الاعتماد الكلي على الاقتصاد الريعي واعتبار النفط العامود الفقري فذلك يجعل الاقتصاد على ساقٍ واحدة ينتج عنه التعطيل لمناحي عدة في اقتصاد البلاد مما يزيد في الأزمات التي تنشأ جراء هذا الاعتماد وبالتالي لن يكون مساعداً لتحسين مستوى الفرد والبقاء على أوضاع العشوائيات المنتشرة في العديد من مناطق البلاد وبدون معالجات لحالات ارتفاع الإيجارات ناهيك عن تردي الخدمات وشظف عيش المواطنين الفقراء ،وحسب البعض من الاحصائيات حول السكن فالبلاد بحاجة ماسة إلى ( ثلاثة ملايين وحدة سكنية ) والذي يدقق في هذا الرقم سيجد مدى تخلف العراق عن البلدان الأخرى وكم هي المأساة كبيرة مؤلمة وتأثيرها على مستويات الفقر ودون خط الفقر وأصحاب الدخل الضعيف.
أن الفقر جريمة، ولكن دون خط الفقر جريمة أفظع يجب التدقيق في أسبابها ومحاسبة المسؤولين عنها قانونياً ومن هنا سوف نضع اليد على الفساد وسرقة المال العام والتلاعب بقوت الشعب، فلا يمكن أن نهمل الفساد المالي والإداري الذي لعب دوراً غير شريف في انتاج اسباب سرقة المال العام ونهب الموازنات والاستيلاء على قوت ملايين الفقراء وأصحاب الدخل المحدود وجر البلاد إلى التبعية الخارجية وخير مثال ما نراه في البرلمان الجديد بعد استقالة التيار الصدري ” حسب اطلاع وسائل الاعلام المحايدة أغلبية النواب الجدد البدلاء ينتمون إلى الأحزاب والكتل الشيعية التابعة لإيران “، وتبقى الأمور في حالة ركود وتراجع اذا لم يكن هناك حسم في تطبيق القانون، وإلا ما قيمة القرارات الحكومية ويد الفساد مازالت طليقة في الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية .