تحقيق نشرته المجلة الألمانية دير شبيغل، يوضح كيف تورط النظام السوري عبر وحدات عسكرية وعصابات مسلحة ومقربين من الرئيس، في تجارة مخدرات تجاوزت قيمتها في عام واحد 5.7 مليار دولار، وأضحت حاليا أهمّ ما يتم تصديره من سوريا.
بدأت القصة بشكوك وانتهت إلى اكتشاف إحدى أكبر شبكات تهريب المخدرات خلال السنوات الأخيرة. نظام الأسد في قلب ضجة كبرى بعد تحقيق لدير شبيغل بيّن أن سوريا أضحت مُنتجاً رئيسياً لحبوب الكبتاغون أو الكبتاجون، بتجارة تدر أرباحا خيالية وبإنتاج كبير لم يتأثر بعمليات المصادرة.
يشير التحقيق إلى أن قصة اكتشاف المخدرات بدأت في رومانيا، تحديدا في أبريل/نيسان 2020، عندما تم العثور على بضاعة معدات مثيرة للجدل، وبعد فتحها تبين وجود 2.1 مليون حبة كبتاغون أو كبتاجون (حبوب منشطة صنعت لعلاج فرط الحركة لدى الأطفال، لكنها مُنعت لاحقاً لكونها تسبب الإدمان والاكتئاب، وتصنف حالباً ضمن دائرة المخدرات، كما يرى فيها البعض بديلا رخيصا عن الكوكايين)، تحتوي على نسبة 11.5 من مكون الأمفيتامين، وبقيمة تصل إلى 43.5 مليون يورو.
وثائق البضاعة بيّنت أنها قادمة من سوريا، في اتجاه السعودية، مرورا برومانيا. وبعد تتبع المكالمات، تم الوصول إلى شخص باسم أبو فؤاد، وهو سوري اسمه الحقيقي إياد، من مدينة اللاذقية، كان يدير هناك شركة للاستيراد والتصدير، قبل إغلاق شركته من طرف الفرقة الرابعة التابعة لقوات الأسد، ومن هناك غادر إلى تركيا ثم لبنان، وهو حاليا في جنوب ألمانيا، حيث التحق بأسرته التي طلبت اللجوء عام 2015.
ليس إياد وحده، هناك سوريان آخران، وجزائري، كلهم يعيشون في ألمانيا، من المشتبه بهم في تجارة هذه الحبوب، وستبدأ محاكمتهم قريبا في مدينة إسن. مصادرة هذه الحبوب تكرر كثيرا في عدة دول خلال الأشهر الأخيرة، ومن ذلك 84 مليون حبة في ميناء ساليرنو الإيطالي بقيمة تتجاوز مليار يورو، كما صادرت السلطات المصرية كميات من الكبتاغون أو الكبتاجون والحشيش في حاويات تابعة لشركة السوري رامي مخلوف، ابن عم الرئيس السوري بشار الأسد، وقد نفى وقتها رامي أن تكون شركته متورطة.
“النظام هو الكارتل”
من خلال شحنات كثيرة، تبين أن سورياباتت مصدرا للمخدرات في المنطقة المتوسطية، وتحوّل تصدير الكبتاغون أو الكبتاجون إلى أهم بضاعة تصدر من هناك حسب ما يؤكده جول رايبورن، المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا: “أعتقد أن نظام الأسد لن يستطيع تحمل استمرار خسائر مصادرة شحنات الكبتاجون”. لكن الأمر لا يتعلق فقط بأن النظام يغض الطرف عن هذه التجارة، بل “هو الكارتل” حسب تصريحاته.
وتذكر المجلة أنه كان سابقا من المستحيل اكتشاف من يقفون وراء عمليات التسليم، لكن القضية المعروضة في إيسن يمكنها أن تغير ذلك، إذ يعتقد المحققون أن إياد هو قلب الكارتل في ألمانيا، وتمكنوا من ربط نشاطه مع أكثر من طن من الكبتاغون وأكثر من طن من الحشيش، بقيمة تبلغ حوالي 130 مليون أورو.
لكن ما علاقة نظام الأسد؟
تتحدث المجلة أن اثنين من الناشطين في التجارة كانا يشغلان سابقا مناصب مؤثرة في ميناء اللاذقية، كما أنه ورغم اعتراض الكثير من الشحنات، بقيت تصدر بشكل مستمر من هذا الميناء، ما يبين وجود إنتاج كبير، كما تم اعتراض مكالمة هاتفية يتحدث فيها مشتبه سوري في ألمانيا عن علاقاته الممتازة مع أفراد من عشيرة الأسد.
وجد المحققون كذلك أدلة على جني الفرقة الرابعة، التي يقودها ماهر الأسد، شقيق الرئيس بشار الأسد، أموالا من هذه الشحنات، ويعتقدون أنها تحصل على 300 ألف دولار عن كل حاوية تشحن من اللاذقية، مع 60 ألف دولار أخرى يُفترض أنها تُدفع للجنود حتى يغضوا الطرف، كما توضع هذه الشحنات داخل منتجات قانونية، زيادة عن أن ميناء اللاذقية هو تحت سيطرة عائلة الأسد منذ عقود.
يبرز التحقيق كذلك أن هناك عصابات مسلحة متورطة في الشحنات، منها “عصابة الحوت”، وهم أفراد مسيحيون حاربوا إلى جانب ميليشيات الأسد، وأعطيت لها امتيازات تجارة الكبتاغون. كما يظهر دور حزب الله اللبناني، المتحالف مع نظام الأسد، وقد استفاد من خبرته في تصدير الحشيش الذي يزرع في سهل البقاع، لأجل تصدير الكبتاغون، خصوصاً بعد سيطرته على مناطق في غرب سوريا.
كما يدير العديد من أبناء عمومة الأسد وأتباع النظام مجموعة من المصانع في القرداحة وأجزاء من حمص. وذكر رجل أعمال سوري فرّ من البلد للمجلة إنه زار أحد المصانع في اللاذقية وأكد أن هناك حراسا مسلحين يقومون بدوريات هناك، كما أكد محقق مخدرات سوري سابق للمجلة وجود هذه المصانع.
أرباح خيالية
وصلت قيمة شحنات المخدرات إلى 5.7 مليار دولار عام 2021 حسب بعض التقديرات، أي أعلى بكثير من قيمة شحنات المواد القانونية. وتوجه بشكل كبير إلى الخليج، خصوصا إلى دبي والسعودية، إذ يستهلك 40 من متعاطي المخدرات في السعودية هذه الحبوب، كما توجه كذلك إلى ليبيا.
عام 2020، بيّنت سجلات الأمم المتحدة أن سوريا استوردت 50 طناً بالكامل من مكون أساسي مهم لإنتاج الكبتاجون. تسمى هذه المادة الكيميائية السودوإيفيدرين، وتعد هذه الكمية أكبر بكثير مما تستورده سويسرا، إحدى كبار صناع الأدوية في أوروبا والعالم.
كما تبين الطريقة التي تخفى بها شحنات الكبتاغون وجود احترافية كبيرة لا يمكن القيام بها إلا في المصانع. يقول مسؤول إيطالي ممن اعترضوا شحنة الكبتاغون في ميناء ساليرنو: “”كانت لفافات الورق ضخمة للغاية لدرجة أننا لم نكن لنجد الحبوب بداخلها لو قمنا بتصويرها بالأشعة السينية”. ولم يتم اكتشاف الشحنات إلا بعد اتصال من مخبر بوجود كميات حشيش في شحنات متوقفة في الميناء بسبب فترة الإغلاق خلال ذروة فيروس كورونا.
ورغم كل هذه المصادرة، استمر إرسال الشحنات بكميات كبيرة، بل كانت توضع حتى داخل صابون الزيتون كما جرى في مصادرة الشحنات في رومانيا، وحاليا باتت أيّ شحنات قادمة من اللاذقية موضع شك كبير.
جدير بالذكر، أن النظام السوري سبق له أن أعلن مصادرة العديد من شحنات الكبتاغون، ومن ذلك شحنات متجهة إلى الأردن، كما أعلن لبنان عن إجراءات مماثلة، لكن التحقيق يشير إلى أن الشحنات المصادرة في أوروبا تبين أن حجم الإنتاج كبير جدا ومن الصعب للغاية أن يحدث دون تورط رسمي.
ع.ا (دير شبيغل)