لم تعش بلادنا الثرية حياة مستقرة كبقية دول العالم منذ زمن الطاغية الأرعن و حروبه المجنونة، و حروبه ضد الدول و القوى العالمية بسبب عناده و تعنّته (كما يجري) و تصوراته بكونها لا تختلف عن نزاعات و كونات (*) القرى و الحواري الشعبية و شقاواتها، من اجل الهيمنة و توسيع الغلّة الفردية الأنانية، مستخدماً و موظّفاً كل شعارات المراحل القومية و الآيديولوجية و الدينية القومية حتى شعار (العربية لغة اهل الجنّة)، التي حكم فيها الشعب بالحديد و النار . . حتى صارت الناس تتمنى ايّ بديل يخلّصها من كابوسه المخيف حتى لو كان (شارون)؟؟، بتعبير اوساط شعبية واسعة ضاعت عندها القِيْم و المُثُل بسبب الظلم الخانق و الإرهاب، و من اجل كسرة خبز حلال و نسمة حرية . .
و بعد عدة انتفاضات بطولية أُجهضت من قبل الدكتاتورية و دول و قوى المنطقة و العالم، التي نَتَفَتْ ما سعت له من ثروات العراق سرّاً وقّعها لهم القائد الضرورة بإسم (العرب و قضاياهم العظمى في تحرير القدس) . . حتى فرض عليه المحور الأميركي بسبب عنفه الهائل و الإبادة و القتل اللامحدود على المعارضة آنذاك، التنازل عن السيادة على مراحل، بدأً بتحريم اجواء العراق عليه في كردستان العراق ثم في جنوبه . . اللتين شكّلتا بؤرتي الإنتفاضات من اجل الحرية، و اللتين جعلت انظمة المنطقة الحاكمة تتراجف منها حتى الآن . .
و وسط انواع الشعارات و الاكاذيب و النفاق و خروقات الأنظمة الدولية . . احتلت جيوش الولايات المتحدة و حلفائها العراق و اسقطت الدكتاتورية و سلّمت الحكم للقوى الإسلاموية (الشيعية) كممثل للمكوّن الأكبر لعرب العراق، وفق (اعراف) و دستور كُتب على عجل و على اساس المحاصصة و التوافق، و الأهم وفق عقود و اتفاقات و توزيع كعكات لم يُعلن عنها الى الآن . .
و جعلت قوى بارزة ناضلت ضد الدكتاتورية ببطولة مقدمة آيات التضحيات التي جرت التعمية عليها، حيث جعلتها جزءاً من ديكور لبديلها موظفة لذلك تغييرات عهد انقلابات عالمية كبرى في العلوم و الفكر و المفاهيم، انقلابات لم يألفها او يتمثّلها المواطن العراقي بسبب تكبيله و عزله و تضييعه المبرمج بانواع الممنوعات، وفق قوانين و دساتير القائد الضرورة القراقوزية المميتة التي سكتت عنها الولايات المتحدة و الغرب و الشرق حينها، مادامت لاتخدش نهبها و مصالحها دون النظر الى حقيقة معاناة الشعب العراقي بكل مكوّناته . .
و يشير برلمانيون و كتّاب و محللون الى انه، تم استلام السلطة ممن ادّعوا تمثيل الشيعة، بافراد بلا جهود بمستواها، بل بوساطات اميركية ـ ايرانية منذ فتوى المرشد الإيراني خامنئي اواسط التسعينات بحلال التحالف مع الشيطان الاكبر لإسقاط الدكتاتورية . . في زمن كلنتون و اصداره (قانون تحرير العراق)، في تناغم حمل الكثير من الأسرار و المعاني التي افتضح قسم منها . .
حتى صار التوافق و التحاصص ستاراً لخلق طبقة حاكمة من افراد و عوائل اثرت ثراءً فاحشاً (اوليغارشية) على حساب حياة و قوت و جهود جماهير الشعب العراقي بمكوّناته و خاصة الأكثر فقراً منها، بحجج تافهة جرى صياغتها بـ (قوانين) يسهل تحريف تفاسيرها . .
طبقة حاكمة اعتمدت اساليب تكميم الأفواه و قتلها، و قتل و تعويق المئات و عشرات الآلاف من شابات و شباب التظاهرات السلمية التي شكّلت تشرين قمّتها البارزة الى الآن، المطالبة بالحقوق الطبيعية للحياة الإنسانية التي نصّ الدستور على ضمان افضل منها، بل و صارت تلك الاساليب و كأنها سلوكاً (مقدّساً) للطبقة الحاكمة من اقصى البلاد الى اقصاها، بعناوين (القرآن و الحفاظ على الحق و العِرضْ) التي داسوها هم باقدامهم، و بتداخل المصالح الأنانية لأطراف من تلك الطبقة الحاكمة بمصالح دول اقليمية و كبرى، صارت تلك الأطراف و كأنها تعود لتلك الدول و لمصالحها . . بوصف ممثلين لأكثر من كتلة حاكمة في مقابلات على الهواء.
و بسبب عدم آهلية عدد كبير ممن جعلتهم الكتل الحاكمة في مواقع المسؤولية، و اهتمامهم بالمنافع المالية الضيّقة لكتلهم و بمنافعهم الأنانية الذاتية، و بمواجهة المعارضين بأنواع العنف و القسر و الإغراء مقابل السكوت . . ازداد الفساد الإداري حتى صار سرطاناً ينخر في مفاصل الدولة، و ادىّ ضمن التوجهات الطائفية الى اضعاف الدولة و تغييبها عن اداء دورها الطبيعي . .
و يرى متابعون بأنه و وفق ماتقدّم و في اجواء الإرهاب و الخوف و الكذب و النفاق و خدمة المصالح الأنانية و اللاأبالية و اهمال الشعب بمكوناته الكادحة و همومه، انتشر تعاطي المخدرات انتشاراً مخيفاً بفعل ضعف الحدود، انتشاراً ادىّ الى ان تكون البلاد عقدة من عقد مصادر المخدرات في المنطقة، وفق اخصائيين . .
و وصلت البلاد الثرية و شعبها بأطيافه في الدرك الاسفل بين دول العالم، في الفساد الإداري و الأخلاقي، الفقر و البطالة، المخدرات، ازمات الغذاء، ازمات الطاقة في بلاد الطاقة، غياب الدولة، السير على المحاصصة الطائفية و تكريس الطائفية، و سوء استخدام التوافق الذي صار (غطيّلي و اغطيّلك) بتعبير احد ابرز قادة الكتل الحاكمة، و الشعب يزداد فقراً و آلاماً.
لقد تدهورت بلاد النهرين و سومر و بابل و الكوفة و بغداد و الف ليلة و صارت محطّاً للطامعين . . و حتى صار الصراع فيها ليس من اجل الرقيّ و الحضارة و العلوم و الثقافة، بل من اجل الحياة و الخبز . . بين الشعب بطبقاته الكادحة و بين سرّاق قوته و حقوقه بإسم الدين و المذهب الذين اساءوا للدين و للمذهب و لقادته الغرّ الميامين . .
و حكّام الكتل، غافلين عن الصراع التاريخي الفاعل فعله بين الطبقات الفقيرة و بين الطبقات الحاكمة العائلية الغنية (الاوليغارشية)، الذي صار يهدد بإنفجار شعبي واسع اعنف من تشرين السلمية، في وقت لم تعد فيه الوعود فاعلة مهما كانت، و الكتل الحاكمة بعيدة عن الشعب، مشغولة بمكاسبها و عدد ممثليها . . و في وقت ترتفع و تزداد فيه مطالبات عاجلة، بتكوين حكومة انقاذ او طوارئ انتقالية بصلاحيات لاتخلّ بحرية التعبير و التظاهر . . تباشر بتشغيل المعامل المتوقفة لتوفير فرص عمل، دورات تأهيل براتب، التحرك العملي لتوفير المياه و دعم الزراعة، تحسين العملة، تحسين البطاقة التموينية، منع السلاح المنفلت و حصره بالدولة فعلاً بقوانين رادعة في محاسبة الخروقات . .
28 /6 / 2022 ، مهند البراك
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) من كاون يكاون، مكاونات ريفية بدائية ان صحّ التعبير.