موضوع تناولته قبل سنوات آملا في نشره لما وجدت فيه من أهمية، ليس كرد على “كتبة التقارير” وإنما كنصيحة وضرورة لمن يهتم بتقاريرهم، للاستفادة منه وعدم الوقوع وتكرار أخطاء مدمرة سبق ووقع بها كثيرون. ولكن لا أدري أي خطأ ارتكبته أثناء مراجعتي له فاختفى من شاشة التلفون، ولم أعرف كيف أستعيده حينها، وتكاسلت في إعادة كتابته.
لا يخفى على العراقيين دور وحقارة كتبة التقارير وخاصة في أيام حكم البعث. ففي العهود التي سبقت البعث، نادراً ما نجد مخبر سري وكاتب تقارير متطوع! لأن المجتمع يحتقر هذه المهنة (الشرطي السري) او (شرطي الأمن)، فهذه المهنة كانت منبوذة اجتماعياً، فمن يمتهنها بالعادة أفرادا يعانون من نقص ومثلبة تمس وضعهم العائلي او الشخصي، أو أنهم يعانون من فشل ما وشعور بالنقص في حياتهم … طبعا لا يعني هذا أن الحاجة أحيانا تدفع بعض ضعاف النفوس الى سلوك هذا الطريق. ولكن على العموم لو تذكرنا شخصيات أفراد (الأمن السري) في مدننا فإننا لم نجد فيهم من هو من أصول عائلية محترمة، أو انه هو شخصيا محترم اجتماعيا ولا توجد أي مثلبة في أخلاقه. وهذا سيلاحظه كل من عاش في سنوات الحكم التي سبقت تسلط البعث عام 1968.
ولكن في زمن البعث، وخاصة بعد قرارات التبعيث في معظم مؤسسات الدولة، ثم ووصول المقبور الى قيادة السلطة، اصبح كل بعثي ونصير للبعث مخبرا سريا ، وكذلك كل منافق ومتملق وانتهازي، وكل من ضعفت قدرته على الصمود امام الارهاب المخابراتي وعجزه عن المناورة فاستسهل الانحطاط الى مستنقع النذالة والخسة لإنقاذ نفسه.
استغل النظام البعثي ذلك لتجنيد الكثير ممن ضعفت قدراتهم على الصمود مستفيدا من سرية عمل اجهزته المخابراتية وإرهابه الذي سيطر على الجميع بما فيهم أعضاء حزب البعث. هؤلاء معظمهم اصبحوا مخبرين سريين. وكان من الواجب عليهم ان يكتبوا تقاريرهم حتى على افراد عائلاتهم ، والهدف هو اذلالهم وإشعارهم بمدى انحطاطهم وتفاهتهم! هكذا كان يريدهم القائد الضرورة. ونجح البعث بتجنيد هؤلاء لاختراق احزاب المعارضة في الخارج بالرغم من التجارب المعتبرة والطويلة لبعضها في العمل السري والصيانة. وبالاستفادة من المخبر السري نجحت أجهزة البعث الأمنية من تشخيص كوادر مهمة للمعارضة في الداخل وتصفيتهم …. والأمثلة كثيرة، منها واخص ضحايا الحزب الشيوعي، الطريقة والأسباب التي أدت الى اعتقال وتصفية الشهيدين صفاء الحافظ وصباح الدرة وغيرهم، كانت نتاج لدور المخبر السري وضعف الصيانة والاختراقات … ثم دور ام عرفان وزوجها ومستوى الاندساس! من منا لم يسمع في الخارج بهذه الفضيحة المقرفة، وما رافقها من تداعيات وانفضاح اخرين لهم علاقة بهذا الخلل والاستهتار بأهمية الصيانة، كل ذلك يدل على السذاجة وعدم الحرص وضعف بالوعي والحذر وتدهور الانضباط الحديدي والتسيب! ومسألة الموقف من المناضل الراحل ثابت حبيب العاني ألم يكن سببه مخبر، لكنه من نوع آخر لا يخلو من خبث، وفشل الحزب لسنوات من التحقق عن مدى صحته (وهنا أتساءل أيهما كان يستحق “التجميد” الراحل ثابت العاني أم رفاق أم عرفان وزوجها!؟)، ووضع الراحل خليل الجزائري -وغيره- وما دار حوله من شبهات وبقى وضعه لم يحسم بوضوح … وهناك مواقف وأشخاص كثيرون من أنصارنا في كردستان، بعضهم اصبح ضحية مخبر سري وتمت تصفيته كخائن من قبل رفاقه الأنصار في كردستان، مع العلم كان من بين رفاقه في حينها من لم يقتنع بقرار الإعدام، ليكتشفوا رفاقه بعد سنوات انهم أخطئوا بحقه وانه رفيقا نظيفا كان ضحية خيانة واندساس بين صفوفهم!؟؟ ومسألة قديمة سبق لي ان طلبت من الحزب دراستها في مؤتمره الرابع، وهي كيف نجحت أجهزة البعث من الحصول على جميع اسماء اعضاء المؤتمر الثالث، وبعض الأسرار الحزبية التي طرحها المدعو سمير عبد الكريم!؟هل توقفت قيادة الحزب ودرست ذلك بجدية، واكتشفت مصدر التسيب والضعف في صيانة اسرار الحزب؟ مع العلم أن مندوبي المؤتمر كانوا يحملون ثلاثة أسماء-الاسم الحقيقي، والحزبي، واسم متداول بين الاخرين- وأن جميع هوياتهم المتعلقة بالمؤتمر سلمت الى عضو ل.م لإتلافها، وللأسف مرت كل هذه الاحداث والخروقات التي سببها المخبر السري دون ان يتم أي توقف مسؤول وواعي وملحوظ لمعالجة هذا التسيب والضعف التنظيمي، للاستفادة منه وعدم تكرره مستقبلا، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الخروقات والاندساسات!
قد يرد البعض ويقول: إنها قضايا قديمة، لماذا اثارتها اليوم؟ نعم انها قديمة ولكن عدم معالجتها ودراستها بجدية ومسؤولية يعني أن المنظمات وأعضائها ستستمر بالوقوع في نفس الاخطاء، كما أن القدم لا يعني يجب السكوت عنها فمعالجتها متأخرا خير من تركها تفعل فعلها السلبي المتواصل. وما سأكتبه في السطور أدناه عن (المخبر السري) هو مثال على الاستمرارية في الخطأ، وفي اعتقادي أمثاله كثيرون.
نعم الضعف في الصيانة وانتشار التسيب للأسف أصبحت ظاهرة منذ هجرة الحزب للخارج، بحكم ظروف الهجرة والتجمعات والعمل على تجميع اعضاء الحزب وتنظيمهم، ولكن كل هذا كان من المفروض أن يتم مع التشديد بمبدأ الصيانة والحذر، ولا أريد أن اعمم هذه السلبية ولكن حدثت الكثير من الخروقات، وقد أشرت الى بعضها مما عشته في مذكراتي (ذكريات الزمن القاسي)، وأجد ضرورة للتذكير بها مجدداً، منها قضية محمد الرهك الذي أرسل الى مدينتي (سعيدة) مع توصية بالاهتمام به وبعائلته وتقديم المساعدة له، وعاش هو وزوجته لأشهر بيننا كصديق وزوجته كرفيقة!، وبعد أشهر تحذرنا المنظمة وتطلب منا تسفيره والتخلي عن مساعدته لأنه مندس!؟ ويظهر مسألة اندساسه صحيحة لأنه تمت تصفيته في لبنان بظروف غامضة! وعن عملي في بولونيا، تحدثت أيضا في (غربة في مهب الريح) كيف أن سكرتير المنظمة يتصل مع أحد الرفاق -لا يرتبط به بأية صلة تنظيمية- في جلسة خاصة وأثناء تناول الكحول يحاول استدراج هذا الرفيق ليتحدث عن عمل هيئته الحزبية ودور الرفيق المسؤول عنها، والهدف محاولة خبيثة منه لعله يمسك أي مثلبة على مسؤول الهيئة وهو رفيقه في نفس اللجنة القيادية! هذين مثالين عن التسيب وعدم الانضباط الحزبي، وعندما تم طرحهما على الهيئات العليا القائدة وخاصة في بولونيا، كان رد “لتخ” أن لا تعقدوا الأمور وإن تناول قضايا تنظيمية كما فعل السكرتير بجلسة شرب يمكن أن تحدث، ولم يتخذ اي إجراء ولا حتى نقد لهذا السلوك. فالخلل هو في إدارة العمل الحزبي في القيادات، فالقواعد كانت أكثر التزاما بالضوابط.
مع موجة الهجرة بعد التسعينات وصل للدول الاوربية الكثير ممن كان يمارس كتابة التقارير والتملق وأصبحوا يجيدون الفبركة …. وهؤلاء وبسبب الشعور بالنقص وخيبة الضمير واحتقار الذات لممارساتهم السابقة في كتابة التقارير، وخاصة ممن كان في ايام الخير يجاهر بأفكاره اليسارية وربما حتى الشيوعية، تطوعوا في كتابة التقارير هنا لأحزاب المعارضة ومنها الحزب الشيوعي، وذلك اعتقادا منهم أنهم بهذه الطريقة -اي بكتابة التقارير- يمكنهم دفع الشبهات عن ماضيهم وسلوكهم ودورهم المنحط ايام البعث، وإن هذه التقارير تزكيهم أمام الاخرين! وأحد هؤلاء المخبرين متواجد هنا بيننا، معروف بتملقه المبتذل وما يسببه للآخرين من منغصات في مشاركته لهم بجلساتهم، فوجد أن افضل طريقة للتقرب من البعض هي النميمة، أما للتقرب من تنظيم حزبي او اجتماعي فعليه العودة لممارساته القديمة في كتابة التقارير. هكذا اتهمه احد اصدقائه في ساعة خلاف وغضب وأمام الجالسين معهم، حيث ذكّره كيف استفاد من التسفيرات وحصل على محل احد المسفرين لثقة الجهات الامنية به ومكافأة له!
هذا المخبر حاول الإساءة لي بأسلوب جدا مبتذل -لا يمارسه إلا أبناء الشوارع- هو أحد هؤلاء الذين قدموا في التسعينات! انا لا اريد ان اوجه كلامي له فهو منبوذ هنا ومكشوف بتملقه حد الغثيان ولا يستحق اي رد، ولكن عتبي لمن يستمع ويهتم بتقاريره، بينما هناك قضايا اكثر اهمية تستحق الاهتمام لا اجد من يهتم بها …. الاهتمام بتقارير وفبركات امثال هذا المنبوذ من قبل البعض (افراد او منظمات) هو دليل ضعف وفشل في فهم ما يدور في منطقته، ودليل فراغ فكري، كما انه دليل عجز في الابداع في العمل الجماهيري وفقدان لأي برنامج للعمل وتطويره! حينها عندما تم اخباري بتقرير هذا المنبوذ، توقعت ان “الجهة المعنية” سترده ردا تربويا، لكنه تمادى … فاضطررت كتابة رسالة (من وجهة نظري كانت رسالة نصيحة وتوعية للجهة المعنية في كيفة التعامل مع مثل هذه التقارير) مازلت احتفظ بنسخة منها وسلمتها للجهة المعنية….. وللأسف لم اشعر بأي اهتمام ولم أستلم أي رد!!؟ عدم استلامي اي رد او تعليق ولو رد روتيني وبسيط بحيث يشعرني ان هناك من اهتم برسالتي وأفكارها مثلما اهتموا بفبركات هذا المخبر المتملق، كل هذا يسبب الاحباط والعزوف. وهذا الاهمال يعكس مدى ضعف الاهتمام بآراء الاخرين والاستهانة بهم .…. احدهم عندما سمع عتبي رد مبررا بان هذا المتملق متبرع ويشتري مجلة الحزب!؟ حينها تذكرت ذلك التاجر العراقي الذي نجح في الاندساس والاتصال بقيادي -في سوريا- مستغلا امكانياته المادية ليوقعه في شركه!
دعوتي وخاصة في ظروف اليوم، أوجهها للداخل: أولاً الحذر الحذر ، ثانياً لا تتهاونوا مع التسيبات وعدم الانضباط، ثالثاً اهتموا بتاريخ سيرة رفاقكم. بالمناسبة حول سيرة الرفاق، وجدت احيانا في لجنة محلية واحدة رفاقا احدهما يشير للآخر ويتهمه بأنه من كاتبي التقارير، والاثنان في لجنة واحدة، فتصور كيف يكون عمل وإبداع مثل هذه اللجنة وبغض النظر عن الاتهامات وصحتها!! لذلك لا استغرب عندما اسمع من صديق يحدثني كيف ان احدى الرفيقات صرخت مرعوبة لأنها وجدت كاتب تقارير اصبح رفيقا مسؤولا بجانبها! كتبت هذه السطور لاني قررت ان لا اسكت على من يتجاوز ويتمادى بالفبركات والنفاق.
رسالتي هذه موجهة الى من يهمه الأمر! ولا أرى فيها أية إساءة، فهي كما أرى نواقص وأخطاء، ربما يعرفها الكثيرون، أدعو الى تلافيها لتقويم الذات، ليصبح الحزب أقوى واصلب عودا، وهي نتاج حرص وليس نتاج تملق ونفاق كما يفعل كتبة التقارير!
محمد علي الشبيبي
السويد/كربلاء في 30/06/2022