اتخذت القوات الأوكرانية خطوطاً دفاعية جديدة في الشرق، الإثنين 4 يوليو/تموز 2022؛ استعداداً لمرحلة جديدة صعبة في الحرب، وذلك بعد أن أعلن الرئيس فلاديمير بوتين انتصار روسيا في معركة لوغانسك التي استمرت لأشهر، في أهم إنجاز ميداني يحققه الروس بالمعركة مع كييف.
ووضع استيلاء روسيا على مدينة ليسيتشانسك، الأحد 3 يوليو/تموز، حداً لواحدة من أكبر المعارك في أوروبا منذ أجيال، والتي شهدت قيام موسكو بجلب قوتها البرية كاملة لتغير على جيب صغير على خط المواجهة لمدة شهرين.
وتكمل المعركة غزو روسيا لمقاطعة لوغانسك، وهي إحدى منطقتين تطالب موسكو بتنازل أوكرانيا عنهما للانفصاليين في منطقة دونباس.
أكبر انتصار لروسيا في أوكرانيا
خلال لقاء قصير بثه التلفزيون مع وزير الدفاع، هنأ بوتين القوات الروسية على “انتصاراتها في اتجاه لوغانسك”. وقال إن على من شاركوا في القتال أن “يرتاحوا تماماً، وأن يستعيدوا جاهزيتهم العسكرية”، بينما تواصل الوحدات الأخرى القتال في مناطق أخرى.
المعركة هي الأقرب إلى تحقيق موسكو أحد أهدافها المعلنة منذ هزيمة قواتها في محاولة الاستيلاء على كييف في مارس/آذار، وتمثل أكبر انتصار لروسيا منذ استيلائها على ميناء ماريوبول الجنوبي في أواخر مايو/أيار.
يذكر أن الجانبين تكبدا آلاف القتلى والجرحى، بينما يزعم كل منهما أنه ألحق خسائر أكبر بكثير بعدوه، على طول مجرى نهر سيفرسكي دونيتس الذي يمر عبر لوغانسك ودونيتسك.
مناطق أصبحت أراضي قاحلة!
ودُمرت ليسيتشانسك المجاورة لسيفيرودونيتسك والمدن المحيطة، والتي كانت العديد من مصانع الصناعات الثقيلة فيها بمثابة مخابئ محصنة للمدافعين، لتصبح أرضاً قاحلة بسبب القصف الروسي المستمر. وحاولت روسيا مراراً محاصرة الأوكرانيين، لكنها فشلت، فاختارت في النهاية تفجيرهم بالقوة الغاشمة لمدفعيتها.
يقول خبراء عسكريون إن المعركة قد تكون نقطة تحول في الحرب، ليس بسبب القيمة الاستراتيجية للمدن المدمرة نفسها، وهي محدودة، لكن بسبب تأثير الخسائر على قدرة الجانبين على القتال.
فقال نيل ملفين، من مركز (روسي) للأبحاث في لندن: “أعتقد أنه انتصار تكتيكي لروسيا، لكن بتكلفة باهظة”، مقارناً المعركة بالمعارك الضخمة على مكاسب إقليمية هزيلة، والتي تميزت بها الحرب العالمية الأولى، مضيفاً: “استغرق هذا 60 يوماً لإحراز تقدم بطيء للغاية. أعتقد أن الروس قد يعلنون نوعاً من النصر، لكن المعركة الحربية الرئيسية لم تأت بعد”.
الخطوة القادمة لموسكو
تأمل موسكو أن يمنح تراجع أوكرانيا القوات الروسية الزخم للتقدم غرباً إلى مقاطعة دونيتسك المجاورة، حيث لا تزال أوكرانيا تسيطر على مدن سلوفيانسك وكراماتورسك وباخموت.
وخلال لقاء مع وزير دفاعه سيرغي شويغو، قال بوتين إن القوات الروسية يجب أن تنفذ مهمتها وفقاً للخطط التي تمت الموافقة عليها، مانحاً لقب “بطل روسيا” لاثنين من جنرالاته هما ألكسندر لابين وأسد الله أباتشيف.
وقال الرئيس الروسي إن الجنرالين رفعا مباشرة إليه “تقريراً حول مجرى تنفيذ مهامهما واقتراحاتهما للمرحلة المقبلة من العمليات الهجومية”.
من جهته، قال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إن عمل القوات الروسية حالياً يركز على نزع الألغام من ليسيتشانسك وتقديم المساعدات للمواطنين، وفق تعبيره.
خسارة تؤلم كثيراً
تأمل أوكرانيا، التي كان بإمكانها الانسحاب من لوغانسك منذ أسابيع، لكن اختارت مواصلة القتال هناك من أجل استنزاف قوات الغزو، في أن يترك عنف المعركة الروس منهكين لدرجة فقد القدرة على الاحتفاظ بالمكاسب التي حققوها في أماكن أخرى.
واعترف سيرهي جايداي، الحاكم الأوكراني للوغانسك، بأن الإقليم بأكمله في أيدي الروس فعلياً الآن، لكنه قال لرويترز: “نحتاج إلى أن نكسب الحرب وليس معركة ليسيتشانسك… الأمر يؤلم كثيراً، لكنه لا يعني خسارة الحرب”.
جايداي قال إن القوات الأوكرانية التي تقهقرت من ليسيتشانسك ترابط الآن على الخط الواصل بين باخموت وسلوفيانسك وتستعد لصد أي تقدم روسي جديد.
يقول روب لي، من معهد أبحاث السياسية الخارجية في واشنطن، إن الخط الدفاعي الأوكراني الجديد يجب أن يكون بالنسبة لأوكرانيا أسهل في الدفاع عنه من الجيب الذي تخلت عنه في إقليم لوغانسك.
ومضى قائلاً: “إنه شيء يمكن أن يشير إليه بوتين باعتباره دليلاً على النجاح… لكن هذا في المجمل لا يعني أن أوكرانيا سيكون عليها التنازل أو الرضوخ في أي وقت قريباً”.
وقال دنيس شميجال، رئيس وزراء أوكرانيا، في مؤتمر بمدينة لوجانو السويسرية، إن تكلفة إعادة بناء أوكرانيا قد تصل إلى 750 مليار دولار، وإن على الأثرياء الروس المساعدة في دفع هذه الفاتورة.
وأضاف شميجال: “أطلقت السلطات الروسية العنان لهذه الحرب الدموية. تسببوا في هذا الدمار الهائل، ويجب محاسبتهم على ذلك”.
المعركة الحاسمة لأوكرانيا
قال ميلفن، الخبير في مركز الأبحاث (روسي)، إنه من المرجح أن تكون المعركة الحاسمة بالنسبة لأوكرانيا ليس في الشرق؛ حيث تشن روسيا هجومها الرئيسي، لكن في الجنوب؛ حيث بدأت أوكرانيا هجوماً مضاداً لاستعادة الأراضي.
وأضاف: “هذا هو المكان الذي نرى الأوكرانيين يحرزون تقدماً فيه حول خيرسون. توجد هجمات مضادة تبدأ هناك، وأعتقد أن الأكثر ترجيحاً أننا سنرى قوة الدفع تميل إلى جانب أوكرانيا في الوقت الذي ستحاول فيه شن هجوم مضاد واسع لدفع الروس إلى الوراء”.
آمال أوكرانيا في هجوم مضاد معلقة جزئياً على استلام أسلحة إضافية من الغرب، ومن بينها الصواريخ التي يمكنها إبطال فاعلية ميزة قوة نيران روسيا الهائلة، وذلك عن طريق الضرب في العمق وراء جبهة القتال.
وفي الأسبوع الماضي، حققت أوكرانيا نصراً كبيراً عندما طردت القوات الروسية من جزيرة الأفعى، وهي نتوء مهجور لكنه استراتيجي في البحر الأسود استولت عليه موسكو في اليوم الأول من الغزو، لكنها لم تعد قادرة على الدفاع عنه أمام الضربات الأوكرانية.
وقالت رئيسة الوزراء السويدية ماجدالينا آندرسون إن أفضل طريقة لإنهاء الحرب هي زيادة الدعم لأوكرانيا وتكثيف الضغط على روسيا.
وأضافت خلال مؤتمر صحفي، بينما يقف إلى جانبها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: “نحن منفتحون على فرض مزيد من العقوبات” على روسيا، مشيرة إلى أنه لا ينبغي السماح لموسكو بتحقيق مكاسب من غزوها لأوكرانيا.