لا نتوقف عن سماع فوائد شرب المياه والقراءة عنها في كل مكان، على الشبكات الاجتماعية وفي الصالات الرياضية ومن أطباء التغذية وحتى على زجاجات المياه التي يكتب عليها شعارات مثل “Keep drinking – استمر في شرب المياه”، لكن ما مقدار المياه الذي نحتاجه؟ وهل شرب المياه بكثرة مفيد فعلاً في تحسين الصحة النفسية والذاكرة ونضارة البشرة والترطيب وغيرها من الفوائد التي ينسب الفضل فيها إلى المياه؟
فوائد شرب المياه.. ما مقدار المياه الذي نحتاجه فعلياً؟
تقول تمارا هيو باتلر، عالمة التمارين والرياضة في جامعة واين ستيت الأمريكية، إن ما يروج عن حاجة الجميع إلى لترين من الماء يومياً ليس سوى خرافة، إذ قالت لصحيفة The New York Times الأمريكية إن هناك عوامل فردية تجعل كمية المياه تختلف من شخص لآخر، مثل وزن الجسم ودرجة حرارة الجو ومدى صعوبة التنفس والتعرق.
فمن البديهي أن الشخص الذي يبلغ وزنه 90 كيلوغراماً وسار مسافة كيلومتر في درجة حرارة عالية سيحتاج إلى شرب كمية مياه تفوق التي يحتاجها مدير مكتب يزن 54 كيلوغراماً وقضى يومه في مبنى مكيف.
كما تعتمد كمية المياه التي تحتاجها خلال اليوم على صحتك أيضاً، فالشخص المصاب بمرض مثل قصور القلب أو حصوات الكلى قد يحتاج إلى كمية مختلفة من المياه عن الشخص الذي يتناول أدوية مدرة للبول مثلاً.
لهذا، ينصح الأطباء دائماً أن يحافظ الناس على ترطيب أجسامهم بالمياه والشرب دون مبالغة، بمعنى أن يشربوا حينما يشعرون بالعطش بالنسبة للشباب، وعلى فترات مناسبة بالنسبة لكبار السن الذين قد يقل لديهم الشعور بالعطش مع التقدم في العمر.
لذلك الإجابة المختصرة: اشرب حينما تشعر بالعطش أو الرغبة في ترطيب جسمك.
هل ترطيب الجسم حصر على المياه؟
من منظور غذائي بحت، الماء خيار أفضل من الخيارات غير الصحية مثل المشروبات الغازية السكرية أو عصائر الفاكهة، ولكن الترطيب يحققه أي مشروب يضيف المياه إلى جسدك، وفقاً للدكتورة تمارا.
ويمكنك أيضاً الحصول على الماء من الطعام الذي تأكله، إذ تساهم الأطعمة والوجبات الغنية بالسوائل مثل الفواكه والخضروات والشوربات والصلصات في مقدار المياه. وفضلاً عن ذلك، فالمياه من ضمن النواتج الثانوية لعملية استقلاب الطعام الكيميائية، وهذا يزيد مقدار المياه في جسدك أيضاً.
هل يحسن شرب الكثير من الماء من الصحة؟
شرب الكثير من المياه دون الشعور بالعطش لا يحسن من الصحة بشكلٍ عام، لكنه قد يفيد الأشخاص المصابين بمشكلات معينة، مثل حصى الكلى أو مرض الكلى متعددة الكيسات النادر، من شرب كميات كبيرة من المياه تفوق بقليل التي يخبرهم بها شعورهم بالعطش.
لكن بالنسبة لمعظم الأشخاص الأصحاء، قد يكون الإفراط في شرب المياه سبباً للإصابة بالصداع، أو قد يشربون معدلات تفوق طاقة الكلى، أو في أسوأ الحالات قد يتسبب شرب كمية زائدة من الماء في فترة زمنية قصيرة في إصابتك بحالة تسمى نقص صوديوم الدم، أو “تسمم الماء”، لأن معادلة الترطيب تتطلب كمية متوازنة من الماء مقابل الصوديوم والبوتاسيوم والكلوريد والمغنيسيوم في الجسم، وهي مهمة لموازنة الماء في الجسم. وهي ضرورية أيضاً لسلامة الأعصاب والعضلات والدماغ والقلب، لأن انخفاض مستويات الصوديوم في الدم بدرجة كبيرة قد يؤدي إلى تورم الدماغ ومشكلات عصبية مثل نوبات الصرع أو الغيبوبة أو حتى الموت في حالات نادرة.
ففي عام 2007، توفيت فتاة تبلغ من العمر 28 عاماً بسبب نقص صوديوم الدم بعد أن شربت ما يقرب من غالونين من الماء في 3 ساعات أثناء مشاركتها في مسابقة Hold Your Wee for a Wii التي تنظمها محطة إذاعية، وتقضي بأن يشرب المشاركون الماء ويحبسوا بولهم لأطول فترة ممكنة.
كيف وصلنا إلى هذا الاعتقاد عن المياه؟
على سبيل المثال، تفوّقت مبيعات زجاجات المياه عام 2017 على المشروبات الغازية لتكون أكثر المشروبات مبيعاً في أمريكا من ناحية الحجم، إذ زادت المبيعات بنسبة 7% أكثر من العام الماضي، ومنذ ذلك الحين، استمرت المبيعات في الزيادة.
في السبعينيات، قدمت شركتا المياه Evian وPerrier في حملاتهما الإعلانية مفهوم زجاجات المياه بوصفها مشروباً منعشاً راقياً. ساعدت هذه الحملات الجديدة في تمكين زجاجات المياه من المنافسة مع المشروبات الأخرى مثل: العصير، والقهوة، والمياه الغازية.
مع حلول الألفية الجديدة، لم يعد الناس يشربون زجاجات المياه وهم جالسون لتناول الطعام وحسب، بل صاروا يشربونها طوال اليوم.
وبينما بدأ المستهلكون في التقليل من كميّة ما يتناولونه من مشروباتٍ محلاة، لم يكن لديهم سببٌ للتقليل من المياه التي لا تحتوي على أي سُعر حراري وتروي العطش. وكانوا يحملونها معهم دائماً.
لقد تغيّرت الطريقة التي تُستهلك بها المشروبات، فإذا كان الناس يشربون الماء في كل مكان، فيمكن إذاً بيعها في كل مكان. وقد توسّع استهلاك زجاجات المياه، بوصفها منتجاً ليس له تاريخ صلاحية محدد، ومتاحاً باستمرار.
وبدأت تجارة المياه تنتعش، فعندما انتشرت زجاجات المياه البلاستيكية التي تستخدم لمرة واحدة، ظهرت ردّة فعل بيئيّة ممثلة في الزجاجات التي يمكن استخدامها أكثر من مرة. وأصبحت منتجات الزجاجات البلاستيكية أساسية لطلاب الجامعات في بداية الألفية الجديدة.
يمكنهم أن يختاروا الزجاجة ذات اللون الذي يعكس شخصياتهم، ويلصقون عليها بعد ذلك ملصقاتٍ لأي شيء يهتمون به، ومن هنا تطورت أكثر صناعة زجاجات المياه ذات الألوان والأشكال الجميلة، وذات الخصائص المحافظة على البيئة أيضاً. بدأ هذا في أمريكا بالطبع، ومنها انتشر إلى بقية دول العالم.
وعموماً؛ أيهما أفضل الماء البارد أم الفاتر؟
لا شكّ أنّ أول سؤال يخطر ببال الإنسان فيما يتعلق بالماء هو “أيهما أفضل الماء البارد أم الفاتر؟”.
فعلى الرغم من أن المشروبات الباردة تعطي شعوراً بالانتعاش خلال فصل الصيف، فإن الأطباء ينصحون بتجنب الماء البارد أو الساخن خلال فترات الحر الشديد، وفقاً لما ذكره موقع Health Line الطبي.
كما يدعو الأطباء إلى تجنب الماء البارد خلال فصل الشتاء، لأنه سيتسبب حتماً بإصابتكم بنزلات برد أو أنفلونزا أو احتقان الأنف.
أما الماء الفاتر فهو يحافظ على الجسم من السخونة الزائدة ويمنح جسمك المزيد من الطاقة طوال اليوم، إضافة إلى أن الماء الدافئ يمكن أن يساعد في الهضم، وتنشيط الدورة الدموية وتخليص الجسم من السموم بشكل أسرع.
فالجسم عند شرب الماء البارد يحاول الحفاظ على درجة حرارته الداخلية، ما يتسبب بتقلص الأوردة والشرايين ثم اتساعها مجدداً، وهو ما يؤدي إلى التعرق. لذلك ينصح الخبراء بالاعتماد على الماء الفاتر كونه الأنسب لدرجة حرارة الجسم الداخلية.