على ما يبدو أن لا مناص من إبقاء الأوضاع السياسية في حالة أزمة مستمرة ودفع البلاد إلى الهاوية مع زيادة القلق والخوف والتوجس عند المواطنين الذي يكتوون بنار الطائفية والفساد وهم يعيشون حالة من التشتت والانتظار بينما القوى المتنفذة تعيش حالة من الرخاء والراحة غير مبالية بنكبات المواطنين وقلقهم وأوضاعهم المعيشية والخدمية السيئة، وبهذا فهي تنتقم من ابطال انتفاضة تشرين المجيدة ومن هبات الجماهير فأظهرت وجهها الكالح وفسادها المزمن، وانطلاقاً من مبدأ الانتقام وأخذ الثأر فهي تتلاعب في انتخاب رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة الجديدة خالقة في الوقت نفسه نوعاً من الضبابية لمستقبل الدولة العراقية متبرعةً بتبعيتها لإيران والسياسة الإيرانية وفي الوقت نفسه “غض النظر عن مخطط بمحاولات خجلة في المواقف” اتجاه تركيا في قضية حصة المياه ومنها سعي تركيا لتجفيف نهري دجلة والفرات للضغط واعلانها في كل مرة عن نيتها في استعادة الموصل وكركوك ومناطق أخرى من العراق لجعلهِ تابعاً لها..
بينما تلوح في الأفق قضية مهمة جداً لإلغاء نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة ولهذا تختفي الدعوة في الذهاب لانتخابات تشريعية مبكرة تحت جملة من التصريحات والتحليلات والاستنتاجات يصحبها مظاهر حرص هؤلاء على العملية السياسية ووحدة البلاد بينما الحقيقة هم من أوصلوا البلاد إلى حالة من التردي السياسي الذي دام حوالي ( 9 ) أشهر والبلاد بدون حكومة جديدة بعد انتخابات مبكرة ايضاً، وهم الذين ساهموا في الانسداد السياسي والمسؤولين عن هذا التخبط الذي يسمونه بمسميات تتوافق مع طموحات ذاتية خاصة وتعد بمصاف الاستحواذ والسعي للهيمنة على السلطة بطرق مختلفة منها تثبيت المحاصصة والتقاسم، ومن جملة ما يطرح للخروج من الأزمة الحالية هي حل البرلمان ليفتح الطريق الى انتخابات جديدة بهدف تغيير النتائج التي افرزتها الانتخابات المبكرة الأخيرة وهو أمر متوقع في ظل قانون الانتخابات الغير عادل ومفوضية للانتخابات تابعة ، هذا المقترح حل البرلمان عبارة عن تعويم العملية السياسية والالتفاف على المطالب المشروعة لانتفاضة تشرين والإصرار على اتباع سياسة وفق مخطط لترسيخ مفاهيم المحاصصة الطائفية والمطالبة بحل البرلمان عبارة عن تفويت الفرصة لقيام حكومة جديدة وانتخاب رئيس الجمهورية ولا نعرف مدى مصداقية ائتلاف دولة القانون حول مسالة حل البرلمان على الرغم من التصريحات الرافضة للخروج من الأزمة الحالية وصرحت عالية نصيف النائب وعضو ائتلاف دولة القانون أن “دعوات حل البرلمان سوف لن تتحقق لأسباب عدة منها إن المرحلة السياسية الحالية حساسة جدا في ظل الظروف الداخلية والدولية” ومن جهة نظرهم ضرورة قيام القوى السياسية ( لانعرف من المعني!!) بدعم التوجه لتشكيل حكومة شرعية وإنهاء حكومة مصطفى الكاظمي التي تعتبر حكومة لتصريف الاعمال والتي لا تمتلك صلاحيات الحكومة الجديدة وتصدير بضاعة نوري المالكي مرة ثالثة لرئاسة الوزراء !!، وعلى الرغم من المعارضة الشكلية من قبل البعض من القوى المتنفذة فإن الحراك الداخلي يصب في هدف عرقلة تشكيل الحكومة الجديدة واستمرار الانسداد السياسي ولهذا بدلاً من حلحلة الموضوع تشتد الازمة السياسية وتستمر تداعيات الإبقاء على الوضع بدون آفاق للخلاص من الركود وما يعانيه المواطن العراقي من سوء الأوضاع المعاشية والسياسية التي تتبعها القوى المتنفذة التي ترفض الخروج من المحاصصة الطائفية وتسعى بكل ما لديها من قوة وأساليب لتتقاسم كعكة السلطة والإبقاء على الفساد والفاسدين وهو توجه معروف وملموس خلال حوالي ( 19 ) عاماً والمحاولات مستمرة في جميع الاتجاهات السياسية والأمنية الاقتصادية والمعيشية وفي مجال حالة القطاع الزراعي البائسة والخدمات العامة وفي التربية والتعليم والصحة وتداعيات ارتفاع نسب البطالة والفقر والاملاق لجماهير عريضة من الفئات الكادحة وأصحاب الدخل الضعيف.
أن التوجه لإنهاء نتائج الانتخابات المبكرة الأخيرة تحت طائلة من الاتهامات بما فيها التزوير عبارة عن مرحلة اخرى يخطط لها لكي تفرض كواقع حال التوجه لانتخابات مبكرة جديدة ( وخذ ليل وجر عتابة ) ما بين التواريخ والاستعداد والتوافقات والأموال الطائلة التي سوف تصرف والايادي التي ستتلاعب بكل حرفية واجراء الانتخابات وظهور النتائج والتحالفات وانتحاب رئيس الجمهورية وقيامه بتكليف الكتلة الأكبر لتشكيل الحكومة وليتصور أي عاقل ويقارن بين ما يحدث الآن وبين ما سيحدث في القادم إلا ويرى أي مهزلة هذه السياسة في العراق واي قوى سياسية متنفذة وتابعة تقوده وقد تقوده إلى الهلاك؟ فما العمل؟ وهؤلاء مستميتين على كراسيهم ومنافعهم وتبعيتهم بدون أي رادع لضمير وبدون أي شعور وطني ملموس وفي الجانب الثاني تعايشنا مع المواقف الشعبية الكبيرة الرافضة لسياستهم ونهجهم لا بل حتى وجودهم في السلطة وخير مثال الاحتجاجات والاعتصامات قبل انتفاضة تشرين وبعدها، ثم انتفاضة تشرين نفسها وكيف قابلتها الحكومات والميليشيات الشيعية المسلحة التابعة والضحايا التي قدروها بأكثر من ( 800 ) ضحية عدا المصابين والمفقودين والمعتقلين.
لقد أزف الوقت في إيجاد علاج جذري لهذه الحالة المأساوية وإلا فات الأوان وضاعت البلاد لا بل ستتقسم وهو أقرب من رمش العين للعين ونقولها بصراحة أنه أقرب مما يتصوره البعض، أما مطامع الجارتان إيران وتركيا فحدث ولا حرج فهما متربصان ويخططان بشكل مبرمج للتدخل والاستيلاء على الأراضي العراقية “*” على الرغم من الأرباح الخيالية التي تدره صادرات بضائعهم والتي تكلف العراق مليارات الدولارات إضافة الى الفوائد الجمة من البترول الذي يكاد ان يكون مجاناً لهم.
أن التوجه لإنجاح مخطط الذهاب إلى انتخابات جديدة مبكرة لن يجدي نفعاً ولا يمكن ان يكون الشافي من الداء السياسي الحالي، هذا التوجه الذي يخطط له بكل دقة تحت غطاء إخفاء الحقيقة تحت طائلة من التوجهات والخلافات والاقتراحات والصراع ما بين القوى الشيعية إضافة إلى صراع الحزبين الكرديين حول رئاسة الجمهورية ، فمرة اجتماعات الاطار التنسيقي ومرة خلافات مع التيار الصدري ومرة حول التكليف لرئاسة الوزراء ومرة تكذيب الأخبار حول الانفراج والتفاهم وطرح الأسماء وفي كل مرة تبدأ البلاغات والناطقين الرسميين للتيارات بتحليل المواضيع وتكذيب الادعاءات وخير ما نشير له عندما أشارت الاخبار حول ما طرحه الإطار التنسيقي من أسماء من بينها رئيس الوزراء لرئاسة مجلس الوزراء فانبرى نافياً كاظم الحيدري عضو ائتلاف دولة القانون تكليف مصطفى الكاظمي وأكد ” هناك من يطرح اسم الكاظمي على أنه مرشح لرئاسة الوزراء باعتباره شخصية مقبولة صدرياً، إلا أن ذلك غير صحيح ولم يقم الاطار التنسيقي بترشيح أي شخصية لهذا المنصب”
ـــــ إذا لم يتم ترشيح أي من الأسماء أو عدم حلحلة الأزمة بالرغم من الاجتماعات واللقاءات بين المكون الشيعي ؟ فما هو الهدف الذي يخطط له انقسام التكتل الشيعي وبخاصة بعد استقالة ( 73 ) نائباً صدرياً؟ ألا يعني التوجه آخر الأمر إلى الدعوة لأجراء انتخابات تشريعية وقد يلقبوها ” بالمبكرة” لكي تبدأ اللعبة في تسخيف فكرة حكومة جديدة ومطالب انتفاضة تشرين ثم الانتقال لمرحلة الانتخابات التشريعية الجديدة؟ إذا كان التخطيط لمثل هذا الهدف لماذا لا يذهب التكتل الشيعي بالإعلان عنه ؟ ولم المراوغة والتكتم الباطني كما هي أكثرية سياساتهم وتوجهاتهم التي هي عبارة عن تخوفهم من فقدان السلطة على أساس الطائفية والتشكيك حتى بحلفائهم من المكونات الأخرى واتهامهم بهذا الشكل بالتآمر على الدولة الشيعية والمحاصصة الطائفية!!
الأمور تزداد تعقيداً وها نحن أمام حلقة جديدة من تدمير البلاد وإذلال الشعب وإرهاب القوى والتلويح بالتدخل الخارجي وتحريك الميليشيات الطائفية المسلحة وعودة الإرهاب الداعشي في مناطق عديدة بينما القوى المسؤولة عن هذا التردي والخراب وما آل اليه العراق من تداعيات أضعفت حتى كيانه الجغرافي وهذا تهديد حقيقي يفقهه كل وطني غيور، ولهذا يجب على جماهير شعبنا الواسعة رفض فكرة التقسيم والمحاصصة وإخراج العراق من عنق التـآمر والتبعية وقد صدق المحلل السياسي لجريدة طريق الشعب عندما أشار ” ويقينا أن هذا لن يتحقق إلا بالمزيد من الضغط الشعبي، الذي نلاحظ ارهاصات التصاعد في زخمه من خلال تنامي احتجاجات الفئات والشرائح الاجتماعية المختلفة في العديد من المحافظات، حاملة مطالب مشروعة تتعلق بظروف المعيشة المتدهورة.”
نعم، إن الكلمة الأخيرة هي للجماهير الشعبية الكادحة والتي لها مصلحة في إعادة بناء الدولة المدنية وتحقيق العدالة الاجتماعية بعيدا عن المحاصصة والفساد ؟
………..
* قوات تركية جديدة: في دهوك ما يقارب ( 20 ) مدرعة وسيارة عسكرية للجيش التركي استقرت في مناطق كاني مآسي بقضاء العمادية في محافظة دهوك، إضافة الى قوات وقواعد منتشرة في كردستان العراق