یقال، لن تنهض أمة أو دولة إلا إذا امتلكت حكومتها وقيادتها ثلاثة أمور (الرؤية والرغبة والقدرة)، و یقال أیضاً، لن تتمكن الحکومات والقیادات من تحقيق تطلعات شعوبها إلا إذا طبقت مبادئ الحكم الرشيد.
والحكم الرشيد الذي ننشده هو حُكم يهدف إلى إقامة العدل الذي لا إستثناء معه والحرية التي لا إزدواجية فيها، أي الوصول الی التنمية المستدامة و سيادة القانون و الإدارة القوية والشرعية و فعالية تطبيق القانون و الشفافیة و مجتمع قابل للتغيير والتطور و بناء التوافق و مشاركة فاعلة والمساءلة و الرؤیة الإستراتیجیة مع إستخدام القوة الناعمة.
في الأعوام الأخيرة وضعت التطورات إقلیم کوردستان بين مناطق تشهد صراعات كبرى في منطقة الشرق الأوسط.
ونظراً لموقعه الجغرافي الحسّاس أضطر الإقلیم خوض حرب ضد داعش، أحدی أكبر التنظیمات الإرهابية في العالم، للدفاع عن أرض و كرامة شعب كوردستان. هذا و قد قام الإقلیم قبل و بعد ذلك بإستيعاب مئات الآلاف من اللاجئين والنازحین من سوريا والعراق إلى جانب المحافظة على علاقاتە مع دول الجوار و العراق، الذي عانی من اضطرابات سياسية داخلية.
وكذلك سعی الإقلیم بفضل حکمة قیادته، المتمثلة بالرئیس مسعود بارزاني، المحافظة على علاقاته مع الولايات المتحدة الأمريكية –الحلیف الرئیسي في الحرب ضد داعش– حتى مع الانتقال النوعي للإدارة من باراك أوباما إلى دونالد ترامب.
أما فیما یتعلق بالعلاقات بين أربيل وبغداد، فقد كسرت زیارته الأخیرة في ٢١/١١/٢٠١٨ الحاجز النفسي، بعد التأكید على الموقف الثابت للكوردستانیین الداعي الی السلم والساعي الی العمل علی بدء مرحلة جديدة من العلاقات مع الحكومة العراقية الجديدة لتجاوز المرحلة الصعبة التي شهدتها العلاقات في السابق والقیام بتأسيس إدارة البلاد وفق الإطار الدستوري والشراكة الحقيقية .
الیوم وبعد النظر في المؤثرات الجيوسياسية المؤثرة علی الحسابات السیاسیة الداخلیة والخارجیة و لتفضيل المصالح الحيوية على المصالح الأقل أهمية لضمان الأمان والاستقرار في الإقلیم و دفع المخاطر الاقتصادية المحدقة والمعرقلة لمواصلة نمو وتعافي الاقتصاد الكوردستاني، قررت قیادة الحزب الدیمقراطي الكوردستاني بالإجماع، ترشیح کل من رئيس الحكومة الحالي نچيرڤان بارزاني لرئاسة إقليم كردستان، ومسرور بارزاني لرئاسة الحكومة الجديدة للإقليم.
وقد أستقبل هذا القرار الصائب علی المستویین الداخلي والخارجي بشكل إیجابي. أما الأوساط السیاسیة و الدبلوماسیة و الإجتماعیة الكوردستانیة منها والعراقیة فقد رحبت بهذه الخطوة الجدیدة.
رغم أن إختیار الأشخاص الذین یفهمون عمل الحکومة و الإقلیم ویحترمون الدستور والقانون أمر مهم، إلّا أن الأهم من ذلك هو إقرار و تفعیل القوانین والمؤسسات للتطابق مع العصر و الزمن الرقمي.
أما مواجهة الفساد والقیام بالإصلاحات، فأنها باتت مطلباً شرعياً لجمیع شعب كوردستان وتحضی بالمساندة القوية من قبل الشعب الكوردستاني وهي ليست ترفاً فكرياً ولا مادة للشعارات أو المزايدات.
من المؤكد بأنه لا مجال لإصلاح سياسي وإداري بمعزل عن إصلاح اجتماعي واقتصادي يسير في خطوط موازية. علیه معالجة المسائل المتعلقة بـكفاءة أجهزة الإدارة العامة من خلال تبسيط الإجراءات وإعادة هيكلة الجهاز الإداري وتطوير منظومة القوانين والتشريعات الإدارية.
نحن علی أتم الثقة بأن المرشحین الأثنین سوف یعملان بوثوق معاً في سبيل الحصول علی درجات جيدة في إمتحانات الديمقراطية والتنمية والعدالة والكرامة، لصنع مستقبل جديد للإقلیم، بحيث تنكسر الصور النمطية السلبية، التي ترسمه أعداءهم و أعداء الديمقراطية لهم.
بتوقعنا تستمر الحکومة المقبلة في استراتيجية المشاركة الخارجية لتجنب أي تبعات قاسية للأزمات الإقليمية على المستوى المحلي و التقلیل من فاعلیة الأذرع الخارجیة المنتشرة في العراق سیاسیاً و دینیاً و میلیشیاویاً والتي تقاتل في سبیل مصالح إقلیمیة و لایهمها عدم الاستقرار والفوضى وإعادة الإهارب الی المنطقة.
إن هذه التحدیات الجسیمة تحتاج الی أشخاص یؤمنون بالمبادیء الكوردستانیة الجلیلة، أصحاب الإرادة القویة والخبرة العمیقة في السیاسة والدبلوماسیة أمثال المرشحین نیچیرڤان بارزاني و مسرور بارزاني لمجابهتها و كذلك تحتاج الی دعم قوي و فاعل من قبل أصدقاء شعب كوردستان لدی الأسرة الدولیة والمجتمع الدولي.
وإیماناً منه یأمل شعب كوردستان في أن يكون فاعل قوي في بناء الحضارة و صناعة المعرفة والحداثة والتقدم، لكي ينخرط و يشارك مع بقية الجماعات و الأمم في رسم مستقبل أفضل للمنطقة.
نأمل من الإدارة الجديدة في إقليم كوردستان أن تعمل علی صنع حیاة سویة و مشتركة و تُحفّز الأفکار الخصبة والأطر الملائمة أو المعالجات الناجحة والتدابیر الفعالة و تكون محوراً داعماً لتعزيز الهوية الكوردستانیة.
الدکتور سامان سوراني