بحث موقع “ميدل إيست مونيتور” البريطاني في تناقضات ظاهرة الديمقراطية في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا وموقف الغرب الملتبس منها، معتبرا، استنادا إلى دراسة لجامعة “برينستون” الأمريكية، إنها لم تتجذر في المجتمعات العربية، وأن العراق كان استثناء حيث أعطيت الديمقراطية للعراقيين بالملعقة.
واستعان التقرير الذي ترجمته وكالة شفق نيوز؛ بدراسة “شبكة الباروميتر العربي” التابعة لجامعة برينستون، خلصت إلى أن اعتقاد غالبية العرب أن الديمقراطية كنظام حكم، فشلت في تحقيق توقعاتهم، مما دفع كثيرين إلى الشعور بأنها ليست الصيغة الأفضل للتعامل مع مشكلاتهم الاجتماعية، وان هناك ميل للايمان بضرورة وجود رئيس قوي لمعالجة أزماتها المزمنة.
وشملت الدراسة استطلاع رأي لـ23 ألف شخص في عشر دول عربية وجهت لهم أسئلة عن الاقتصاد والسياسة والاكلاف المعيشية والحريات، في منطقة شملت بعض أشكال الديمقراطية حيث نظمت انتخابات أو كانت هناك وعود بتنظيمها، من أجل التقدم بالمجتمعات الى الامام.
ولفت التقرير إلى أن الغالبية تعبر عن تفضيلها لوجود قادة أقوياء بمقدورهم قيادتهم نحو ظروف اقتصادية أفضل حتى لو كان ذلك يتطلب خرق “القواعد” المعتمدة لإنجاز الأمور، مشيرا إلى أن مثل هذه الخلاصة تأتي بعد عقد من الزمن على اندلاع “الربيع العربي” الذي يفترض أن هدفه كان تحرير الشعوب ومنحها السلطة من اجل ان تقرر مستقبلها بيدها.
وبينما أشار إلى أن تونس تشكل مثالا جيدا لانها كانت معهد “الربيع العربي” ثم حل “الشتاء” سريعا، اوضح ان 77 % من التونسيين يؤيدون وجود قائد قوي ويفضلونه على الديمقراطية ذاتها.
وبعدما تساءل التقرير عن سبب ذلك، قال إن “الجواب البسيط هو ان الديمقراطية فشلت في تحقيق نتائج في جميع الدول التي حل عليها الربيع العربية تقريبا، باستثناء العراق، حيث أعطيت الديمقراطية للشعب بالملعقة بعد الغزو في العام 2003”.
وتحدث التقرير عن أن التونسيين الذين سبق لهم أن أجبروا الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي على التنحي في كانون الثاني/يناير العام 2011، هم انفسهم من انتخبوا الرئيس قيس سعيد في العام 2019 للتخلي عما قيل لهم من قبل دعاة الديمقراطية أنه بمثابة الفرصة الأفضل لهم من اجل تحديد مستقبلهم حيث صور سعيد على انه “المنقذ” بعدما صارت البلاد مضطربة منذ ما بعد نشوة النصر للعام 2011، ولم يعد البرلمان المنتخب مكانا محترما في تصرفات الممثلين المنتخبين للمجتمع.
وبشكل مشابه، قال 77 % من الليبيين من انهم اكثر تفضيلا لوجود زعيم قوي على العملية الديمقراطية الهشة التي تسببت في إحباطهم بشكل مستمر منذ توجهوا الى صناديق الاقتراع للمرة الاولى في العام 2012، مشيرا الى “الدرس الأصعب” الذي عاشه الليبيون بتعرض بلادهم الى الغزو بخلاف تونس، مضيفا أن الليبيين الان يقارنون بلادهم حاليا بما كانت عليه سابقا، حيث انتهى بهم الامر الان وهم اقل امانا واكثر خيبة بسبب الأوهام والفقر رغم أن بلادهم غنية بمكانتها كمنتج كبير للنفط.
واعتبر التقرير أن السبب البسيط لهذه التناقضات يتمثل في أن الديمقراطية المروج لها في المنطقة اما انها لم تكن تتمتع بأساس، أو انها افسدت فاسدة واصبحت مشلولة منذ البداية، مثلما هو الحال مثلا في لبنان الذي كان يعتبر بأنه “واحة الديمقراطية” خلال غالبية سنواته ال79 كبلد مستقل من خلال الممارسة الانتخابية، لكنه الآن على وشك الانهيار ويقول 73% من اللبنانيين انهم يفضلون وجود قائد قوي يمكنه انجاز الامور بغض النظر عن كيفية قيامه بذلك، في وقت يعتبر البنك الدولي أن لبنان يمر بالازمة الاقتصادية الأكثر حدة في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.
وفي حين شدد التقرير على أن هذه النتائج لا تعني رفض التحول الديمقراطي في المنطقة لتعارضها مع ثقافتهم وتراثهم والعالم المعاصر، أكد على على ضرورة النظر إلى الديمقراطية كأسلوب حياة ونظام حكم هي بمثابة عملية تعليمية تستمر لعقود وتعزز التعايش والتسامح مع الاختلافات.
لكن التقرير اعتبر أن “العديد من القوى الغربية التي سيطرت على المنطقة لم تكن صادقة في دعمها للتغيير الديمقراطي”، مذكرا مثلا بأنه عندما انتفض التونسيون ضد زين الدين بن علي، سعت فرنسا والولايات المتحدة الى محاولة انقاذه، وهو أمر تكرر أيضا خلال الثورة المصرية العام 2011.
وتابع التقرير أن ليبيا والعراق بعد غزوهما غرقتا في الفوضى، إلا أن الغربيين ألقوا باللوم على مواطني الشعوب، وليس على الغرب نفسه.
واشار الى ان حقيقة ما جرى أن التغيير السياسي والاجتماعي المأمول صار في حال اسوأ، وان الديمقراطية في العراق وتونس وليبيا والعديد من الدول العربية اخرى، فشلت لأنه لم يتم السماح لها بان تتجذر.
وختم “ميدل إيست مونيتور” تقريره بالقول إن الممارسات الديمقراطية في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك الديمقراطيات “القديمة” مثلما هو في لبنان، لا تسير على مسار تطور طبيعي مثلما هو الحال مثلا في فرنسا أو بريطانيا، مضيفا أن الغرب الغرب يدعو في العلن قيام ديمقراطية عربية، وانما فقط اذا كانت النتيجة هي ما يأمله الغرب، وهو موقف متناقض تجلى مثلا عندما رفض الغرب فوز حركة حماس في انتخابات العام 2006، لمجرد ان اسرائيل لم تعجبها النتيجة وهو أمر حدث ايضا في لبنان في السنوات اللاحقة، مشيرا ايضا الى ليبيا التي اصبحت بمثابة رهينة بايدي الميليشيات ذاتها التي كان الغرب ساعدها على إسقاط نظام معمر القذافي، وعندما بدأت الميليشيات بخنق البلد، تخلى الغرب عن القضية الليبية لوكلائه الاقليميين، والقى بالمسؤولية عن ذلك الوضع على الليبيين أنفسهم.