يأخذون على الإيزيدي أنه أسير ماضيه . أنه يتكلم دائماً عن ماضيه، أنه لا يترك فرصة إلا ويشير إلى ماضيه هذا، وهو يُسمّي فرماناته، وأوجاع فرماناته، والمخاوف التي ترافق الفرمانات التي وجّهت ضده، وإلى يومنا هذا.
هل حقاً أن الإيزيدي، وكما أسمع وأرى ، أنا شفان شيخ علو، كثيراً هنا وهناك، مثل هذا التعليق، وكأن الإيزيدي ليس لديه شاغل، لا هم لديه، لا تفكير لديه، إلا أن يعرّف بنفسه من خلال ماضيه. الماضي الذي يرى الآخرون، وما أكثرهم، أنه أسْره، ولا يستطيع التحرر منه ؟
لو أن هؤلاء الذين يشددون عليه، ويرونه أسير ماض معين، أي يتهمونه، وهو الذي يُسمّونه بصفات معينة، أن يعيشوا معاناته، كيف يكون وضعه، وهو ينتقل من فرمان إلى آخر، كيف أنه لا يأمن على نفسه، أو يضمن سلامتها، سلامة نفسه وعائلته، وأهله، ومن ينتمي إليهم في عقيدتهم الإيزيدية ذات التاريخ العريق والمؤلم بفجائعه، لأدركوا في الحال، أن ما يقولون فيه، وما ينسِبون إليه من صفات، ليس صحيحاً.
يريد الإيزيدي، كغيره، من أي دين كان، أو قوم، أو طائفة، أن يعيش ماضيه كغيره، وأن يكون ابن حاضره كغيره، وأن يحلم بمستقبل، يليق به إنساناً، حراً، وكريماً لا يخاف على نفسه من قريب منه، من غير دينه أو جنسه، من أن يسيء إليه، أو يسخر منه، أو يستفزه، فقط لأنه إيزيدي، وهو يصفه كما يعرفه هو وليس كما تكون حقيقة الإيزيدي، ويريد الإيزيدي أن تكون علاقته بماضيه، مثل غيره، ولكن ما ذنبه، إذا كان التاريخ قديماً وحديثاً، أن خوفه على نفسه، وعائلته وأهله وبني قومه كورداً عموماً أو كورداً إيزيديين خصوصاً، خوف مشروع ؟
ما ذنبه إذا كان التاريخ يثبت وبالجرم المشهود، ولن يكون الذي جرى باسم الغزو الداعشي الهمجي بالأخير، قبل ثماني سنوات، أن الذي كان حتى الآن، كما لو أنه ثابت دون تغيير. أن الإيزيدي حين يعيش أوجاع ماضيه، هو وماضي كل الإيزيديين، إنما من واقع تجارب الحياة، وليس هناك ما يثبت، أن تغييراً قد حصل في مواقف الآخرين، وأقوالهم، ممن يختلفون عنهم في العقيدة والسلوكيات. وأنه ليس مريضاً بالماضي، ولا يُرجى منه شفاء، وإنما لأنه يريد أن يكون أكثر يقظة، وحريصاً على سلامته، أن يؤمّن على نفسه وأهله وبني جلدته من تلك الشرور التي تتكرر وتستهدفه في دمه وعرضه وماله .
يعرف الإيزيدي، وهناك قلة قليلة من خارج عقيدته، يعرفون كذلك، أن ليس هناك ما هو أصعب من أن يعيش أحدهم متوجعاً ومتألماً من أمر معين، أو وضع معين، كأنما ثبت عليه دائماً، ويجعله قلقاً دائماً.
لهذا، فإن هذا الإيزيدي الذي يشار إليه على أنه أسير ماضيه، ليس كذلك، إنما لحرصه الشديد على أمنه المشروع، وخوفه المشروع كذلك، ورغبته الشديدة في أن يكون له حاضر سعيد، ومستقبل مفرِح، يقارن بين ما جرى ويجري معه، وما يمكن أن يكون مختلفاً، فيستبشر خيراً، ويتمنى أن يكون الآتي أفضل، أي يكون في مقدوره أن يحلم ويفرح بما يحلم، لأن الخطر عليه قد زال .
من يستطيع أن يضمن له ذلك؟ وكيف؟ هل من جواب على مثل هذا السؤال، وصاحبه يتحمل مسؤوليته، وبالبرهان القاطع ؟
الأمل قائم، ولكن الألم الموجود أيضاً، مطلوب، حتى لا يكون الإيزيدي غافلاً عما يجري في محيطه، ومن واقع تجارب الحياة وليس سواها !