ملاحظة : أوّد التفضل بالعلم ان هذا ” المقال ” قد كتبته في 30 حزيران / يونيو المنصرم ، وقد تأخر نشره صحفياً لأسباب لا اعلمها .. وانشره اليوم بعد انتهاء زيارة بايدن للشرق الأوسط .. وسألحق به بعض التساؤلات التي تدور اليوم حول المتغيرات القادمة في المنطقة ..
المقال :
ثمّة أسئلة مهمّة لابدّ من طرحِها والبحث عن أجوبةٍ لها بصدد التحرّكات السياسية الإقليمية والاميركية في الشرق الأوسط الان ، اذ اتفقت أربع دول عربية والولايات المتحدة وإسرائيل مؤخّراً على توثيق العلاقات وعقد اجتماعات سنوية لوزراء الخارجية وسط فورة سريعة من الأنشطة الدبلوماسية قبل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأولى إلى الشرق الأوسط. وكان أن شاركت كلّ من الإمارات ومصر والمغرب والبحرين في المحادثات السداسيّة في المنامة مؤخّراً ، عقب قمّة انعقدت في صحراء النقب في مارس/ آذار الماضي . بهدف تعزيز التعاون الوثيق في مجالات تشمل الأمن والطاقة النظيفة والأمن الغذائي والمائي، كما أعرب بيان مشترك عن دعم المجموعة لتسوية تفاوضية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ومن المتوقع أن يجتمع وزراء خارجية الدول الست سنوياً وستجري محادثات أخرى هذا العام.
وقالت يائيل ليمبيرت المسؤولة في وزارة الخارجية الأمريكية: “نحاول بناء إطار إقليمي جديد … ومبادرات ملموسة يمكن أن تضفي الجسد على عظام منتدى النقب”… “إنه نهجٌ شاملٌ للغاية ، نحو محاولة تعزيز هذا الهدف المتمثّل في بناء بنية جديدة لها نتائج ذات مغزى حقًا” !
جاءت الخطوات الجديدة بعد أن دعم الملك عبد الله ملك الأردن فكرة تحالف إقليمي دفاعي على غرار حلف الناتو للشرق الأوسط ، وقبل زيارة بايدن لإسرائيل والضفة الغربية المحتلة والسعودية في الفترة 13 – 16 يوليو/ تموز القادم وضمن سلسلة تحرّكات جديدة ، راقبنا زيارات رسمية عليا في الأسبوع الماضي ، فقد ذهب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الأردن ومصر وتركيا ، وكان رئيس الوزراء العراقي في السعودية وبعدها مباشرة حطّ في إيران ، وزار أمير قطر الشيخ تميم آل ثاني القاهرة لأول مرة منذ سبع سنوات.
خطة دراماتيكية جديدة
السؤال الأهم : ما سر التحرك الإقليمي والعربي قبل رحلة بايدن ؟ وما الذي يبحث عنه في الشرق الأوسط؟
يعتقد مراقبون دوليون انه قد تمّ اتخاذ قرار “دراماتيكي” في واشنطن بشأن هذه الزيارة بإصدار البيت الأبيض قرارات عامة ، بإعلان عن زيارة بايدن لأسرائيل والسعودية خلال 13 و 16 يوليو / تموز لمناقشة حزمة قضايا ، بما في ذلك “الأمن والازدهار الإسرائيليين المتزايدين واندماجها في المنطقة”! كما سيحضر بايدن قمة مجلس التعاون الخليجي حيث ستشارك مصر والعراق والأردن بالإضافة إلى الأعضاء الدائمين. من أجل تعزيز الأمن والمصالح الاقتصادية والدبلوماسية للولايات المتحدة. ولكن لماذا سيبدأ زيارته إسرائيل قبل السعودية على غرار ما فعله سلفه ترامب عندما وقع عقود أسلحة أمريكية بمليارات الدولارات في الرياض وحصل على أعلى طلب سعودي على سلسلة ذهبية بقيمة مليون دولار؟
ونتساءل : عندما لا يتمّ تحديد الأهداف والمعايير الدقيقة للزيارة ، بحيث يكتفى بالعموميات حول ” تهيئة الظروف الأمنية وتعزيز المصالح السياسيّة والاقتصاديّة ودعم السلام من أجل ازدهار جميع الشعوب في منطقة معينة ” ، فهذا طور من الهذيان ! وسؤال آخر يقول ان كان بايدن سيحمل مشروعاً من أجل دفع المصالح الأمريكية وفرض شروطه حالياً ؟ ولمّا كان هذا العجوز المخضرم يختلف عن سلفه ترامب وصرامته ، فيمكن للقادة العرب بعيدا عن المتحالفين معهم في الشرق الأوسط ، الدفاع عن حقوقهم القومية والإقليمية وتقديم اشتراطاتهم بدل الاسترخاء في خدمة مصالح غيرهم . لقد سلطت لجنة الأمن القومي الأمريكية الضوء في تبيان الأهداف والغايات المحددة للزيارة المرتقبة إلى السعودية، والتي أرسلت مع خمس لجان أخرى في الكونغرس تتضمن ستة استفسارات، أو تعليمات إلى بايدن. وهي لا تتضمن شيئاً لما يتعلّق بشأن إسرائيل: فكيف تتعايش المنطقة في خضم تهديدات إقليمية ، فهراء ما تمّ وصفه بـ “طيور الحب” ، وقلب الشرق الأوسط مدمّر ومستباح من قبل قوى إقليمية ودولية ؟
ويشير البيان المشترك للجان الى المخاطر التي تقرعها الأجراس الأميركية بضرورة اتخاذ خطوات لتحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية ، والضرر الذي لحقَ بالاقتصادات اليوم ، وانتقاد سياسة السعوديين في الصراع اليمني دون الإشارة الى دور ايران الذي يقوّض الامن الإقليمي في المنطقة بأسرها وخصوصاً باختراقها العراق وسوريا وتدخلاتها من خلال مليشياتها المتشيطنة . فالمشكلة ليست عربية كي ترسل اللجنة ستة مطالب رئيسيّة إلى بايدن لكي يعزز العلاقات مع السعودية وتقديم العرب المزيد من التنازلات ، فان أراد بايدن تحقيق ضرورة الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية كما سيطرح ذلك في حضوره القمة الخليجية ، فانّ للعرب مطالب يستوجب مواجهته بها ، وينبغي عليه تحقيقها لكسرِ شوكة كلّ من ايران وإسرائيل !
هل ثمة محاولة لإعادة التوازن ؟
لقد تعّود العرب ان يستمعوا لـ “التعليمات” وينفّذونها من دون أيّ ثمن مقابل او تكال لهم الوعود الكاذبة فيرضخوا لها في حين أنّ تعزيز “إعادة ضبط” العلاقات الثنائية ينبغي ان تحقق مصالح جميع الأطراف ، فليسَ من العدالة سحق العراق وتمزيق سوريا وتجويع لبنان وتركيع العرب جميعاً كي يعبث الآخرون بمصير المنطقة المجهول تحت الحراب الأميركية . لابدّ للعرب أن يرحبوا بأيّ مشروع يطّور الامن والاستقرار في الشرق الأوسط بالتوازي وخصوصاً في المنطقة العربية ، ويحدّ من نفوذ التغّول الإقليمي لهذا الطرف او ذاك . سيتمّ رحلته كي تأتي “مطالبتهُ” بزيادة إنتاج النفط في وقت تشهد فيه أسعار النفط والغاز ارتفاعاً هائلاً ، علماً بأنّ بايدن “لديه مهمة صعبة في التعامل مع أسعار البنزين” ، كما قال السناتور الديمقراطي ديك دوربين الذي اتهم بايدن بإيلاء اهتمام ضئيل للطاقة الأمريكية . وعليه ، أعلن البيت الأبيض أن رحلة بايدن ستأتي بعد أن ساعدت السعودية هذا الشهر في دفع أوبك لزيادة إنتاج النفط بمقدار 648 ألف برميل يوميًا في يوليو / تموز وأغسطس/ آب القادمين ، فضلاً عن القلق المتزايد عربياً قبل أن يكون إسرائيلياً بشأن برنامج إيران النووي الذي يهدّد كلّ الشرق الأوسط . ان ايران اليوم تشعر بالقلق من وتيرة التقارير المتعلّقة بالتحرّكات الجديدة ، وأيضاً من النتائج المحتملة ، فقد تكون في اطار لعبة تسحب البساط من تحت أقدامها ، وأن الإعلام الإيراني مهووس اليوم بمناقشة ذلك ، ولا يمكن تصديق ايران انها تسعى إلى تحسين علاقاتها مع الرياض من خلال العراق ، ذلك ان رئيس الوزراء العراقي أضعف بكثير في قيامهِ بهذا الدور بالرغم من استقبال طهران له بعد زيارته السعودية ليس لنقل “رسالة ” بل لتأدية بعض المهام التي يجهلها اقرب المقربين اليه ، كما أنّ ايران داخت من لقاء وزير الخارجية الإسرائيلي مع نظيره التركي. ويكاد يجنّ جنونها من التحركّات العربيّة التركيّة الجارية على قدمٍ وساقٍ ، ويتوّقع المراقبون أن ايران ستقع في حفرة ليس باستطاعتها النهوض منها أو على أقلّ تقدير انها ستعيش بداية أوقات دبلوماسية صعبة بعد تنمرّها بامتلاك الأسلحة الذرية ! فهل ستبدأ مرحلة جديدة من التحالفات ؟ هل ستبدأ سلسلة تغييرات تشمل العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها ؟ وهل ما حدث من سلسلة إخفاقات سياسية في العراق خلال الشهور الثلاثة الأخيرة لها علاقة بالمتغيرات الجديدة ؟
وأخيراً : تساؤلات مشروعة
وأخيراً، فالعرب أمام مرحلة جديدة .. فهل سيعرف حكامهم ان يلعبوا دورهم بذكاء قبل اللمسات الأخيرة لرحلة بايدن للشرق الأوسط وما بعدها بكلّ تفاصيلها؟ وهل سنخطو خطوات قويّة من أجل مصالحنا العربية ؟ وأضيف أيضا : هل ستتغير التحالفات حقّا ؟ هل للزعماء العرب الجدد من الشباب لهم قدرات سياسية وإمكانات قيادية في التعامل مع العالم اليوم بشكل افضل ؟ هل سينال العرب ان يحرزوا تقدّما حقيقيا في قضيتهم المركزية الفلسطينية ، وان تكف إسرائيل عن بناء مستوطناتها على حساب الفلسطينيين ؟ وهل سيتحجّم دور ايران وتتقلّص مشروعاتها في الشرق الأوسط ؟
ينشر المقال يوم الاحد 17 تموز / يوليو 2022 على الموقع الرسمي للدكتور سيّار الجميل .