الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024
Homeمقالاتما الذي دفع بأردوغان المسلم إلى الكفر : د. محمود عباس

ما الذي دفع بأردوغان المسلم إلى الكفر : د. محمود عباس

من المعروف؛ بعد كل اقتراب لموعد الانتخابات، يتم إثارة الشارع التركي، بقضايا داخلية وخارجية، وكثيرا ما تكون من ضمنها جرائم ضد الشعب الكوردي، تحت منطق حماية تركيا من الإرهاب، لكن في هذه المرحلة وعلى خلفية عدم قدرة أردوغان على  إنجاح أي مشروع جديد يستلب بها رأي الشعب، وفشله الأخير في قمة طهران، اندفع إلى القصف العشوائي لمنطقتي كوردستان، وهو ما أدت إلى جريمة مصيف زاخو، ولا يستبعد أن يتكرر مماثلها، ومن ثم تغطيتها بالتلاعب السياسي، الجريمة مع التبرئة ، كما فعلها في خطابه اليوم، إتهام أمريكا تحت صيغة استمرارية مساعدتها للإدارة الذاتية وقوات قسد. فهو عادة ينتظر مثل هذه الحوادث ليكرر تهجمه على أمريكا، على أمل كسب أصوات الناخبين، ولم يكتفي بذلك، بل دفع بأدواته وأطراف من إدارته، على إتهام إيران والحشد الشعبي، وكل هذه تدرج ضمن سياسة خلط الأوراق.

هذا الفعل الإجرامي يستند إلى ركيزتين:

الركيزة الأولى: إسقاطات سياسية حديثة، كمحاولة لديمومة الفوضى في المنطقة (من البعد الديني، مصير قاتل المؤمن عن عمد يدرج الجهنم، لأنها تشرع وتأول ضمن خانة الكفر؛ حسب السندين) فالإقدام على الجريمة، حتى ولو افترضنا أن المصيف بحد ذاته لم تكن النقطة المقصودة، لكنها ضحية نتائج همجية العنجهية التركية والتي تمت كرد فعل على:

1- نتائج قمة طهران وحيث الرفض الإيراني -الروسي لمخططه التوسعي.

2- عرقلة الكونغرس الأمريكي لصفقة طائرات ف-16 التي وعده بها الرئيس جو بايدن.

فتبرئة الذات واتهام الضحية، مستخدما أسلوب بشار الأسد المجرم، مع محاولة إتهام العمال الكوردستاني، ومن إتهام الـ ب ي د وقوى الإدارة الذاتية بالتنسيق مع العمال الكوردستاني، للحصول على موافقة الدول المعنية باجتياح مناطق طموحه العثماني والتي لا زالت تلاقي الممانعة، وهو ما قد يؤدي إلى احتمالية تسخير أدواته من المنظمات التكفيرية لتصعيد الفوضى.

تبرئة الذات لم تثني معظم القوى المعنية بالقضية من إدانة تركيا على قتل زوار كوردستان الأبرياء، مع إتهام مباشر لها، واعتبارها رد فعل طائش، الغاية منها إلى جانب ما نوهنا إليه:

1- تعميق الخلاف بين حكومة الإقليم، وبشكل خاص الحزب الديمقراطي الكوردستاني وحزب العمال الكوردستاني.

2- تخويف الناس من مصايف كوردستان، وبالتالي ضرب قطاع السياحة فيها، وتحويل وجهتهم إلى مصيافها، بعد التضخم الحاد في اقتصاده، وتدهور عملته.

والركيزة الثانية: استراتيجية قديمة، يتم تحديثها مع الظروف والمراحل.

درجت الدعاية، إن كانت تهم من المعارضة، أو ما يتم تحليله على خلفية الوقائع، على أن هدف أردوغان؛ وقبله قادة التيارات الإسلامية التركية، القضاء على التركية الكمالية، ترسخت  التهمة بعدما رافقتها أكوام من التحليلات والإثباتات، والتأويلات،  لتصبح شبه حقيقة، وتوضحت عندما كثف أردوغان محاربته للدولة الخفية  ومعها أرغنكون، وبعدها عمل على هدم المنهجية المبنية عليها تركيا، من الدستور إلى التوجه الغربي العلماني، وإعادتها إلى الحضن الإسلامي،  وجعلها دولة ذات مرجعية عثمانية المحتوى تركية اللباس، والطموحات لم تكن في نقل تركيا إلى السويات الحضارية الثقافية، بقدر ما كان إعادة حلم السلطنة العثمانية السنية، على غرار منهجية إيران الخمينية وحيث الدولة الجامعة للأمة الشيعية، ولربما هو رد فعل على خلفيته العرقية، فيتماهى مع البعد العثماني السني وليس التركي الطوراني، فكما هو معروف أردوغان لا ينتمي إلى العرق التركي، بل يقال أنه من أحد شعوب قفقاسيا، والبعض يذكر على أنه من غجر تركيا.

يؤكد على المقال، مخططاته التوسعية، تحت حجج متنوعة، وإثارة المسائل الثانوية للتغطية على الإستراتيجية الحديثة، والتي تم وضع محاربة الكورد، والقضية الكوردستانية في مقدمة حروبه الإقليمية، مقنعا حاشيته على أن مطالب الحراك الكوردي، والتي يحصرها بحزب العمال الكوردستاني أهم عائق لبلوغ الهدف، علما أنه يحارب حزب الشعوب الديمقراطي، وغيره التي له منهم رهبة.

من إحدى أهم أسباب إقدامه على التصالح مع العمال الكوردستاني، كانت لتقوية منهجيته الإسلامية السنية، إي إعادة بناء الدولة بشراكة كل الشعوب. لإنجاح مشروعه الإستراتيجي، نشر منطق صفر مشاكل، لكنه تراجع عنها بعد فترة زمنية قصيرة، وكانت لأسباب ذاتية قبل أن تكون موضوعية، واعتبر زمن التراجع عن حل القضية الكوردية في تركيا، مرحلة ظهور الخلافات ضمن حزبه على خلفية طموحاته العثمانية، وبسببها وإلى جانب غيرها من القضايا تخلى عنه أقرب أصدقائه في الحزب، وكانت تلك بداية التباطؤ ومن ثم وبعد سنوات ظهر التراجع، ليس فقط في هيمنة الحزب، بل والدعم الدولي والعالم الرأسمالي لتركيا الأردوغانية المنتقلة من منهجية الإسلام السني الليبرالي إلى الراديكالي.

ولا شك لا يمكن هنا تناسي سذاجة قيادة حزب العمال الكوردستاني أو وربما على خلفية إملاءات خارجية، عند الانتقال المفاجئ من التقارب إلى العداوة، وبدل من محاولة رأب الصدع وعدم التخلي عن المحاولات السياسية، كان بإمكانهم الاستفادة من التعامل مع حزب العدالة والتنمية في الانتخابات على الأقل، وهو الذي بدأ يحتاج إلى حليف، لكنه وبعد ابتعاد الأحزاب الكوردية، أتجه إلى التحالف مع المتطرفين، وبالمقابل تحالف حزب الشعوب الديمقراطي مع الحزب القومي التركي المتطرف المماثل.

ومع مرور السنوات، وتصاعد مكانة تركيا، وزيادة ثقة أردوغان بذاته وحزبه، عمل على احتضان المنظمات التكفيرية الإرهابية واستخدامهم لبلوغ العديد من أهدافه، ومنها محاربة الحراك الكوردي، وفي مقدمتها الإدارة الذاتية في جنوب كوردستان، إلى أن أصبح البعض من المحللين الغربيين يصفونه بعراب داعش والنصرة، وكيف استخدمهم بالتدخل في بعض الحسابات الدولية، إلى جانب المنظمات الأخرى التي أنتجها تحت تسميات عثمانية.

وعلى هذه المنهجية والتعامل مع العالم الإسلامي غير الراضخ لتوصيفه لذاته على أنه يترأس العالم الإسلامي السني، وعلى أثرها استضاف مؤتمر القمة الإسلامي لمنظمة التعاون الإسلامي في استانبول، لا ليخدم الإسلام، بل ليخدم العالم الإسلامي رغباته وأهدافه، وتبين ذلك عندما أرضخ (القرضاوي- رئيس المنظمة) على إصدار الفتوى في شرعية تركيا لمحاربة العمال الكوردستاني، وأتهمها بالإرهاب، وبها ليس فقط دفع برئيس المنظمة ليخالف الشرع الإسلامي، والسقوط في هوة التكفير، بل وجهه نحو التكفير، فكفره وكفر ذاته بتسخير الشرع بدون سند نصي لنزعاته الإنسانية، والتي على هداها حلل قتل المسلمين المطالبين بحقوق قومية إنسانية، وهو كفر بسند من الحديث الشريف (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ..) فالذين قتلوهم أو من سيقتلهم لا حقا على منهجية الفتوى، إن كانوا من الكورد أو المعارضة التركية مؤمنون ومعظمهم مسلمون سنة، وعلى خلفية التوسع في جرائمه المسنودة بالفتوى الدينية للتغطية على الطموح السياسي، أوصله إلى التهور إلى أن بلغ به ما فعله بحق زوار مصيف زاخو، وحيث القتل المتعمد، راح ضحيتها أطفال وشباب ونساء مسلمون أبرياء، تحت سقف محاربة العمال الكوردستاني التي أفتى بها رئيس المنظمة الإسلامية، ومثل هذه الجريمة تتكرر بشكل أسبوعي في جنوب وغربي كوردستان.

نحن هنا لا نتحدث عن المظلومية بحق الشعب الكوردي، أو طلب الرأفة من الأعداء، فجرائمهم ممنهجة ضد كوردستان، مع ذلك لا بد من المطالبة بحل القضايا المأزومة وعلى مر القرون بين الشعب الكوردي والأنظمة المحتلة المتعاقبة، وفي هذا العصر أن تأخذ منحا أخر؛ على الأقل يتضمن القليل من الإنصاف إن كان على البعد الديني أو الديمقراطي -الإنساني. رغم أن هذا المطلب، من سلطات محتلي كوردستان، ومن ضمنهم سلطة أردوغان أو من سبقه أو ربما من سيلحقه، وطلب العدالة والإنصاف منهم أو من أي عدو، جهالة سياسية، وتثبيت لمنطق السيد والموالي، وهي تعمية للشعب وإقناعه قبول التبعية، مع ذلك لا بد من تكرارها لتنويه البشرية للبنية الثقافية التي تستمد منها محتلي كوردستان أنظمتهم.

واليوم يتطلب من حكومة الإقليم، حض بغداد لنقل القضية إلى مجلس الأمن، وهو ما تم كما ذكر، لذلك عليهم دعمها، تحت سقف الاعتداء على سيادتها ومواطنيها، والتحرك الدبلوماسي لإقناع أمريكا للتنديد بالجريمة. والأهم هو التركيز على إقناع حكومة بغداد للمطالبة قانونيا وفي المحافل الدولية بإخراج القواعد التركية من جغرافية جنوب كوردستان.

 

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

mamokurda@gmail.com

21/7/2022م

 

 

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular