مع مخاوف عالمية متزايدة من حرب صينية وشيكة في تايوان، بات من المهم إلقاء نظرة على تاريخ الصراع القديم بين الدولتين، والذي امتد لعقود من القتال والقلق والتوتر، ولا يبدو أنه منتهٍ في المستقبل القريب.
فقد كانت الحرب الصينية الأهلية، التي بدأت في الربع الأول من القرن العشرين، بمثابة أطول وأغرب الصراعات التي شهدتها تلك المنطقة من العالم، وأفضت لتكوين جمهوريتين على أنقاض الصين القديمة. كل منهما لا تعترف بالأخرى.
الوضع السياسي في الصين قبل اندلاع الحرب
بعد أكثر من 2000 عام من الحكم الإمبراطوري، تمت الإطاحة بآخر سلالة حاكمة في الصين، وهي أسرة تشينغ، في العام 1912، وبذلك أصبحت البلاد جمهورية.
فرض الرئيس الجديد للجمهورية الوليدة، يوان شيكاي، ديكتاتورية وأعلن نفسه إمبراطوراً عليها، لكن وفاته عام 1916 أحدثت فراغاً في السلطة مكَّن أمراء الحرب المحليين من السيطرة على مناطق مختلفة.
في عام 1924، انضم الحزب القومي الصيني (الكومينتانغ – KMT)، الذي ساعد في الإطاحة بالنظام الملكي قبل 12 عاماً، إلى الحزب الشيوعي الصيني الوليد، وفقاً لموسوعة بريتانيكا البريطانية للتاريخ.
وشكلوا معاً الجبهة المتحدة الأولى في مواجهة أمراء الحرب الذين كانوا يحاولون السيطرة على شمال الصين. وبالفعل انطلقت حملة من الحليفين في يوليو/تموز عام 1926، عُرفت باسم “الحملة الشمالية”، بقيادة شيانغ كاي شيك من حزب الكومينتانغ، والجيش الثوري الوطني المُشكل حديثاً.
في 12 أبريل/نيسان 1927، أثناء تواصُل الحملة الشمالية، أمر شيانغ كاي شيك بـ”حملة تطهير” للشيوعيين والجماعات اليسارية الأخرى داخل شنغهاي.
على إثر ذلك القرار قُتل الآلاف من أعضاء الحزب الشيوعي الصيني خلال المجزرة، مما مثل نهاية للجبهة المتحدة الأولى ووسع الهوة بين الفصائل الأيديولوجية التي ظهرت بالفعل داخل حزب الكومينتانغ القومي الصيني.
وسرعان ما انقسم الحزب فعلاً، وشكل شيانغ كاي شيك حكومة من حزب الكومينتانغ في مدينة نانجينغ عام 1928، واحتفظ السياسي وانغ جينغوي (الذي عارض مجازر شنغهاي) بالسيطرة على الإدارة اليسارية لحزب الكومينتانغ في مدينة ووهان.
بدايات الصراع للحرب الأهلية الصينية
كانت الحرب الأهلية الصينية عبارة عن سلسلة من الصراعات بين الحزب الشيوعي الصيني والحكومة القومية في البلاد.
يُنظر إلى الحرب على أنها خاضت مرحلتين أساسيتين، أو فصلين هما المعبران الحقيقيان عن طبيعة الصراع: الفصل الأول كان بين عامي 1927 و 1937، والفصل الثاني عندما اندلعت الحرب ثم مرة أخرى بين عامي 1946 و 1949.
هذا الفصل الأخير المتزامن مع نهاية الحرب العالمية الثانية غالباً ما يُشار إليه على أنه المرحلة الأخيرة من الثورة الشيوعية الصينية.
أما في الفترة بين هاتين المرحلتين، فقد توقفت الأعمال العدائية إلى حد كبير بين عامي 1937 و1945، حيث شكل الجانبان تحالفاً مضطرباً (مؤقتاً) ضد اليابان، التي غزت الصين وحاولت إنشاء إمبراطورية في المحيط الهادئ خلال الحرب العالمية الثانية.
الحرب الأهلية الأولى (1927 – 1937)
على الرغم من إيلاء اهتمام خاص لفترة الحرب الشرسة من عام 1945 إلى عام 1949، لكن بدأت الحرب فعلياً في أغسطس/آب عام 1927، وذلك بعد انهيار تحالف الكومينتانغ مع الحزب الشيوعي الصيني خلال الحملة الشمالية، واندلاع سلسلة من الانتفاضات الشيوعية الحضرية الفاشلة.
بعد ذلك تم تأسيس القوة الشيوعية بنجاح في المناطق الريفية وكان مؤيدوها قادرين على استخدام تكتيكات حرب العصابات لتحييد القوة القومية المتفوقة.
بعد حملة استمرت ثلاث سنوات، تمكن شيانغ كاي شيك أخيراً من تدمير جمهورية الصين السوفييتية الشيوعية بزعامة ماوتسي تونغ في الفترة من 1931 و1935، وتمكن الشيوعيون من إعادة تأسيس أنفسهم في مدينة يانان، شمال البلاد.
هدنة مضطربة للتحالف ضد الغزو الياباني
إلا أنه سرعان ما تراجعت وتيرة الحرب بين الجانبين بسبب الغزو الياباني عام 1937، وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945، إذ تم الالتزام بهدنة غير مستقرة تمت فيها حملات منفصلة إلى حد كبير ضد العدو المشترك.
اندلع العنف على الفور من انتهاء الحرب العالمية، واستؤنف على نطاق واسع في أبريل/نيسان عام 1946، بعد أن فشل الجنرال الأمريكي جورج مارشال، رئيس أركان الجيش الأمريكي خلال الحرب العالمية الثانية، في ترتيب تسوية دائمة بين الطرفين.
وخلال السنة الأولى من الصراع المتجدد، حققت القوات القومية المتفوقة عدديًا مكاسب إقليمية كبيرة، بما في ذلك السيطرة على العاصمة الشيوعية يانان.
بعد ذلك، بدأت معنويات الكومينتانغ القومية في الانهيار أمام العمليات العسكرية الناجحة من قِبَل الشيوعيين وتراجع الثقة في إدارتهم، وبحلول نهاية عام 1947، نجح الهجوم الشيوعي المضاد.
تأسيس جمهورية الصين في تايوان
في نوفمبر/تشرين الثاني من 1948، تم غزو منشوريا وفقد القوميون نصف مليون رجل، وانشق الكثير منهم للانضمام إلى الشيوعيين.
وفي الصين الوسطى، فقد خسر القوميون شاندونغ، وفي يناير/كانون الثاني عام 1949، هُزموا في معركة هواي هاي.
سقطت مدينة بكين في يناير/كانون الثاني، تلاها مدينتا نانجينغ وشنغهاي في أبريل/نيسان من العام نفسه.
إلى أن تم إعلان جمهورية الصين الشعبية في 1 أكتوبر/تشرين الأول عام 1949، واكتمل النصر الشيوعي عندما فرت الحكومة القومية من تشونغتشينغ إلى تايوان في ديسمبر/كانون الأول، معلنة جمهورية الصين التي اقتصرت على مدن تايوان، وبنغو، وكيموي، وماتسو والعديد من الجزر النائية.
متى أُعلن السلام بين الدولتين؟
لم يتم توقيع أي معاهدة سلام أو هدنة بين جانبَي الحرب الأهلية الصينية الوحشية وسنواتها الطويلة.
وقد أفضت تداعيات الصراع الصيني في كل هذه المعارك العسكرية من عام 1900 إلى عام 1949، أكثر من 8.9 مليون بين جندي ومدني.
ليضاهي رقم ضحايا صراع هذه الدولة الواحدة، عدد القتلى تقريباً لجميع الدول المشاركة في جميع معارك الحرب العالمية الأولى، بحسب كتاب “القرن الصيني الدامي” لتوثيق الحرب الصينية، بمكتبة جامعة هاواي الأمريكية.
وكما أسلفنا هرب تشيانغ إلى جزيرة تايوان وأسس حكومة منافسة هناك، وحدد مدينة تايبيه عاصمة جمهورية الصين المعروفة باسم تايوان اليوم.
لكن بعد أكثر من 70 عاماً من تلك الأحداث الدامية، لا تزال القضية مُعقدة؛ على الرغم من أن جمهورية الصين الشعبية تعتبر تايوان مقاطعة انفصالية يجب استعادتها، فإن العديد من الناس في الجزيرة الآن يعتبرونها دولة منفصلة ومستقلة تماماً – على الرغم من عدم إعلان الاستقلال رسمياً أبداً إلى يومنا هذا.