منذ إعلان هزيمة داعش الإقليمية عام 2019، وقبلها في العراق عام 2017، شعر العالم براحة اختفاء جماعة إرهابية كانت تسيطر لسنوات على منطقة يصل حجمها إلى حجم بريطانيا، ونفذت هجمات متطورة في الكثير من البلدان خارج أراضيها، وارتكبت جرائم بشعة ضد شعوب المنطقة.
كانت الجريمة ضد العراقيين الإيزيديين أحد أبشع تلك الجرائم.
ويشير مقال في مجلة National Interest، بعنوان “بعد ثماني سنوات من الإبادة الجماعية، العالم مدين للإيزيديين”، كتبه باري إبراهيم، وهو مؤسس جمعية الإيزيديين الأحرار، وماري بوديت، رئيسة الأبحاث في معهد السلام الكردي، إلى أن المجتمع الإيزيدي كان يتطلع إلى فرصة للتعافي بعد هزيمة التنظيم، تشمل استعادة النساء والأطفال الذين اختطفوا في 2014، وأن يعاد بناء سنجار – معقل الإيزيديين – وأن يعود النازحون إلى ديارهم، ويواجه عناصر داعش العدالة.
ومع ذلك فإن هذه “الأهداف الأساسية” لم تتحقق.
وحمل مقال المجلة “الحكومات التي ادعت أن ما حدث للإيزيديين لن يحدث ذلك مرة أخرى أبدا”، واعترفت بجرائم داعش على أنها إبادة جماعية، وقدمت خطابا لدعم الشعب الإيزيدي، وقالت إن تلك الحكومات هي المسؤولة جزئيا عن عدم تحقق الأهداف.
تحذيرات تاريخية
وتقول المجلة إن الاستجابات السياسية للجريمة فشلت بشكل كبير ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أنها لم تعترف أو تعالج العوامل الهيكلية والأسباب الجذرية وراء فظائع داعش.
وتضيف أن التاريخ أظهر مرارا وتكرارا أن الإبادة الجماعية لا تبدأ أبدا بالقتل الجماعي – بل أن مثل هذا العنف هو دائما عملية يسبقها التهميش والاضطهاد والتجريد من الإنسانية.
وبالنسبة للإيزيديين، فقد بدأ التهميش والاضطهادهم والتجريد من الإنسانية في أوطان أجدادهم في الشرق الأوسط قبل عام 2014 بوقت طويل.
ولم يكونوا أبدا مواطنين متساوين في الدول التي يعيشون فيها، ولم يتم الاعتراف بالهوية الإيزيدية، كما عاملهم جيرانهم بشك وازدراء.
وتقول المجلة إنه “حتى اليوم، يرفض الكثيرون شراء الطعام الذي يصنعه الإيزيديون، معتقدين أنه غير نظيف”.
وقبل مئات السنين ذبحت القوات العثمانية ما يصل إلى 300 ألف إيزيدي إلى جانب 1.5 مليون أرمني قتلوا خلال الإبادة الجماعية للأرمن.
وقبل سبع سنوات فقط من هجوم داعش على سنجار، قتلت تفجيرات متطرفة في المنطقة ما يقرب من 800 شخص وأصابت أكثر من 1,500 آخرين.
اتفاق سنجار
وانتقد كاتب المقال الاتفاق الذي أبرم لتعزيز السلام والاستقرار في سنجار بعد داعش، ويقول إنه بعد “مرور ما يقرب من عامين على إبرام الاتفاق، يبدو أنه زاد من عدم الاستقرار، بدلا من أن يقوم بخفضه”.
ويضيف أن “هذا نتيجة مباشرة لحقيقة أن الاتفاق يعطي الأولوية لمصالح الحكومتين في بغداد وأربيل اللتين فشلتا في حماية وتمثيل ناخبيهما الإيزيديين – وترك المجتمع المدني الإيزيدي خارج مفاوضات الاتفاق”.
كما يشير المقال إلى أن التساؤل عن “عدم وجود رد فعل غاضب على الضربات التركية المتكررة التي تقتل الناجين من الإبادة الجماعية الإيزيدية في سنجار منذ سنوات وتمنع الإيزيديين النازحين من العودة إلى ديارهم”.
ويضيف الكاتب أنه “لو كانت السلطات العراقية والمجتمع الدولي تقدر حقا الإيزيديين والأقليات العرقية أو الدينية الأخرى، لكانوا قد تصدوا للعدوان التركي منذ فترة طويلة”.
خطوات “واجبة”
ويقول الكاتب إنه يجب أن يكون هناك جهد دولي مركز لإنهاء جميع الهجمات الداخلية والخارجية على سنجار.
وتتمثل إحدى الخطوات المهمة في إغلاق المجال الجوي للمنطقة أمام الطائرات الأجنبية، مع استثناءات حصرية لمهام مكافحة داعش.
وتضيف “هذا يمكن وينبغي أن يمتد إلى جهد لإبقاء الصراعات الأجنبية خارج العراق تماما، وينبغي دفع جميع الجهات الفاعلة التي تريد استخدام العراق كساحة معركة إلى حل النزاعات سلميا، ومما لا شك فيه أن الجهد الدبلوماسي الذي سيتطلبه الأمر لتشجيع مثل هذا التغيير سيكون صعبا، ومع ذلك، على المدى الطويل، لن يكون أكثر تكلفة من العواقب المستمرة للصراع والتدخل الأجنبي في العراق على الإيزيديين وغيرهم من المجتمعات الضعيفة”.
ويقول الكاتب إنه ينبغي أيضا إعادة التفاوض على اتفاق سنجار تحت وساطة دولية محايدة وبمشاركة الإيزيديين من جميع الخلفيات السياسية، كما يجب ألا يخدم الاتفاق الجديد أجندات سياسية أجنبية، ويجب ألا يتضمن التغاضي عن العمل العسكري المستهدف ضد الإيزيديين أو “طرد أي إيزيديين عراقيين”.