تلعب دور معلمة لتحث الأطفال على السعي وراء أحلامهم وصقل مواهبهم، وفي الوقت نفسه مدافعة عن حقوق الانسان وتطمح لتتمكن من مسح الآثار التي خلفتها حرب داعش.
منذ أن هربت أميرة شنكالي من قبضة مسلحي “تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام –داعش”، وهي في بحث وسعي مستمر للتعلم، طرقت العديد من الأبواب لإيصال قضية المختطفين الايزيديين وتعريف أحداث 3 آب 2014 على نطاق دولي.
في ذلك العام، حين بسط تنظيم داعش سيطرته على قضاء سنجار ومناطق أخرى من محافظة نينوى، الى جانب قتل المئات من المواطنين، اختطف مسلحو التنظيم أكثر من ستة آلاف ايزيدي، لا يزال مصير أكثر من ألفين و700 شخص منهم مجهولاً، فضلاً عن نزوح آلاف العوائل.
“رغم النزوح وآلام وعقبات الحياة في المخيم، قررت أن أتطوع لمساعدة المنكوبين”، هذا ما قالته أميرة عتو سليمان لـ(كركوك ناو).
أميرة (28 سنة) وعائلتها من أهالي مجمع خانه سور بسنجار، واجهت عائلة أميرة العديد من المخاطر الى أن وصلوا الى جبل سنجار، ومن ثم الى سوريا ومن هناك توجهوا الى دهوك، وهم يعيشون منذ ثمان سنوات في مخيم بيرسيف بقضاء زاخو.
“الأسبوعان الأولان في المخيم مرتا بصعوبة، مآسي وآلام الفاجعة لم تكن قد فارقت مخيلتنا بعد، حينها تواصلت مع المنظمات الانسانية وأردت أن أعمل كمدافعة عن حقوق الانسان. هدفها من تلك الخطوة إيصال قصص سنجار غير المسموعة، وإبراز صور المآسي التي تقول أنها رأتها بأمّ عينها، إذ شاهدت أطفالاً، ومسنين وعجزة يموتون من الجوع والعطش.
شاركت أميرة في عدة دورات تدريبية الهدف منه مساعدة النازحين وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمتضررين من بطش داعش.
“لم أدع النزوح يحبطني وبادرت للعمل كمتطوعة مع المنظمات الدولية والمحلية داخل المخيم”.
المخيم الذي تعيش فيه أميرة –بيرسيف 2- يأوي أكثر من سبعة آلاف شخص، من مجموع 664 ألف نازح في اقليم كوردستان، معظمهم من محافظة نينوى، ويشكل الايزيديون نسبة 30 بالمائة منهم، حسب الاحصائيات الرسمية لحكومة اقليم كوردستان.
في الشهرين الأولين من نزوحنا عملت كمتطوعة وتعلمت كيفية العمل داخل المخيمات، ثم شاركت في دورات أخرى وأثبتت قدراتي، تلك كانت بداية إظهار وتطوير إمكانياتي”، بحسب أميرة.
تحمس أميرة لمساعدة النازحين والناجين من قبضة داعش يأتي في الوقت الذي لم يقع فيه أي فرد من عائلتها في أسر مسلحي التنظيم، فقد نجت مع والديها وشقيقاتها، لكن التنظيم قتل فرداً من أقاربها واختطفت آخرين.
أنشأت مكتبة أميرة شنكالي لمطالعة واستعارة الكتب، وكان لدي عدة أهداف وراء ذلك، أهمها تشجيع الأطفال والشباب على قراءة الكتب وإكمال الدراسة
شغلت أميرة منصب مديرة الدعم النفسي والاجتماعي لعدة سنوات مع منظمة سنجار للتنمية الاجتماعية (SOSD)، وهي منظمة غير حكومية تأسست في عام 2013.
أميرة تحتاج الى جهود أكثر وترى أنها تستطيع مساعدة الايزيديين المنكوبين بطريقة افضل، وسع لتنفيذ ذلك من خلال افتتاح مكتبة.
“أنشأت مكتبة أميرة شنكالي لمطالعة واستعارة الكتب، وكان لدي عدة أهداف وراء ذلك، أهمها تشجيع الأطفال والشباب على قراءة الكتب وإكمال الدراسة، الى جانب توفير الدعم النفسي والاجتماعي للمتضررين من الحرب”.
مكتبة أميرة شنكالي شبيهة اكثر بمجمع تربوي، تتألف من قاعتين كبيرتين مليئتين بالكتب وفناء مربع الشكل، بُنيت جميع أقسام المكتب منذ عام 2019 باستخدام كرفانات في مخيم بيرسيف، وتضم المكتبة 50 ألف كتاب ومجلة، وأحياناً تقدم كتب القصص كهدايا لأطفال النازحين.
جمعت أميرة بجهودها الخاصة كتباً من الموصل، بغداد، دهوك، أربيل ومدن أخرى، وحتى الآن لم تتلق المساعدة من اية جهة لإدارة المكتبة.
“هذه المكتبة ساهمت في فتح عدة دورات تدريبية للنازحين، منها دورات تعلم القراءة والكتابة للنساء الأميات، دورات تعلم اللغة الانجليزية، الخياطة، الرسم، الأعمال اليدوية ودورات رياضية، معظم تلك الدورات من ضمنها شراء الكتب، قمت بها على نفقتي الخاصة”.
أقامت المكتبة أكثر من 200 دورة تدريبية متنوعة، شارك فيها أكثر من ألفي شخص.
“كان هدفي مساعدة النساء الناجيات لتجاوز الأوضاع النفسية البائسة التي كن فيها، لذا سأواصل تشجيعهن على زيارة المكتبة وتعلم القراءة والكتابة، نظمنا على الدوام دورات أو حملات توعوية تحت مسميات متعددة”، بحسب أميرة شنكالي.
في الوقت الذي تسخر فيه أميرة جهودها لحث الأطفال والنازحين الايزيديين على تحقيق أحلامهم ودعمهم نفسياً، حُرِمت هي من كل أحلام مرحلة الطفولة والمراهقة، فقد تخلت عن الدراسة في المرحلة المتوسطة بسبب حرب داعش ولم تسنح لها الفرصة للعودة.
“كانت أمي تتمنى أن اصبح طبيبة، لكنني كنت أريد أن اصبح ضابطة في الجيش أو طيارة أجوب الدنيا بطائرتي… لكن النزوح قضى على كل أحلامي”، وتقول أميرة أنها كانت تهوى ممارسة كرة القدم وكرة اليد، وفي بعض الأحيان كانت تراودها فكرة عرض الأزياء أو أن تجوب العالم كرحالة.
أميرة غير نادمة عما هي عليه الآن وترى نجاحها في أن النزوح لم يفقدها الأمل، وتمثل نجاحها في الثناء والألقاب التي مُنحت لها من قبل أوساط ومنظمات متعددة لجهودها المبذولة، فهي الآن عضوة فخرية في عدة منظمات دولية، واختيرت سفيرة للسلام من قبل مجلس السلام العالمي، وحصلت على لقب سفيرة النوايا الحسنة لمنظمة أطباء سوريا.
لدي طموحات أكبر، فأنا اريد أن اصبح سفيرة الأمم المتحدة لكي أساهم بصورة أكبر في الأعمال الانسانية
حصدت أميرة العديد من الشهادات الفخرية، كما اختيرت كإحدى شخصيات العام ومنحت شهادة دكتوراه فخرية.
من ناشطة في المجال الانساني لمرشحة في مسابقة ملكة جمال العراق، انتهزت أميرة الفرصة لكي تخدم قضية الايزيديين بشكل افضل”، ملكة الجمال سبيل آخر لمساعدة الناس والعمل الانساني”.
لم تفزأميرة بلقب ملكة جمال العراق لعام 2021، لكن الكثيرين من سكان المخيم وخارجه يصفونها بملكة جمال زاخو.
لا تزال عائلة أميرة تعيش في مخيم النازحين دون أن يتمكنوا من العودة بسبب تداعيات حرب داعش والأضرار الكبيرة التي لحقت بمنزلهم.
تحاول أميرة الاستفادة أكثر من فترة بقائها في المخيم، فهي تخصص الآن الجزء الأكبر من وقتها لمكتبتها وتخطط لتوسيعها، لكي تصل أنشطتها وفعالياتها الى مناطق أخرى، لكنها بحاجة للمساعدة، “لدي طموحات أكبر، فأنا اريد أن اصبح سفيرة الأمم المتحدة لكي أساهم بصورة أكبر في الأعمال الانسانية، لكن هذا الانجاز يتطلب عملاً أكثر، ولا شيء مستحيل بالنسبة لي”.
فرمان صادق