سنجار جبل كغيره من الجبال لكنه ليس كأي جبل. وإذا كان كل شعب معروفاً بجبل يدل عليه، ويعرف به، ويحمل صفاته. فإن جبل سنجار هو هذا الجبل الذي يعرفه كل من يعرف المنطقة، ويعرف الإيزيدية أينما كانوا وهم يحملونه في أرواحهم.
يقولون لا أصدقاء للكورد سوى الجبال، وصحيح أيضاً أن سنجار هو حامي الإيزيدية. إنهم كورد، لكنهم في عراقة ديانتهم إيزيدية، وجبل سنجار العريق بتاريخه، مألوف لدي كل إيزيدي في مِحَنه الكبرى، في فرماناته الكبرى، في أفراحه الكبرى، وفي وجوده الأكبر كذلك.
الإيزيدي ينظر إليه، فيرى صورة روحه، وصوت روحه، وطول قامته، ورائحة روحه، وعمق عقيدته الإيزيدية، واستمراره في الحياة. وأكيد، أن كارثة آب 2014 على أيدي عناصر داعش الإجرامية ليست الأخيرة، ولكنها العلامة الكبرى على عمق الروابط بين سنجار والإيزيدية.
والذين أحبوا الإيزيدية وعظَّموا فيهم مآسيهم، واستفظعوا الجرائم التي ارتكبها أعداء من مختلف الجنسيات بحقهم، وحتى بعض من ينتمون إلى قوميتهم من أخوتهم الكورد أساؤوا إليهم وساندوا الأعداء في فترات تاريخية، والذين عرفوا جغرافية الإيزيدية وتمسُّك الإيزيدية بعقيدتهم، قد أحبّوهم وكتبوا عنهم قصصاً، وروايات وأشعاراً ورسموهم في لوحات فنية معبّرة، ووضعوا عنهم أغان جميلة: بكلماتها، ومعانيها، وصدق مشاعرها، وعذوبة موسيقاها، ومن هؤلاء يأتي اسم البيشمركة والانسان أديب چَلكي مواليد 1957، واللافت أنه تخرج في كلية الشريعة، وينتمي إلى عائلة دينية مسلمة، لكنه رأى أصالة الكوردية، وروح الكوردية في الإيزيدية وهم يتمسكون بعقيدتهم، ويدافعون عنها، ويتكلمون الكوردية، رغم فظائع أعدائهم بهم.
وله منهج نضالي مشرّف، بدءاً من البطل الراحل الشيخ عبدالسلام بارزاني الذي لم يفرق بين دين وآخر، والخالد ملا مصطفى بارزاني، ورمز الكورد الحديث في النضال والتأكيد على مكانة الإيزيدية السيد مسعود بارزاني، الذي يرى أن الإيزيدية هم الكورد الأصلاء، ودونهم لا وجود للكورد. ولقد أبدع الفنان الكوردي في الغناء لسنجار والإيزيدية وتخلَّد في نفوسهم.
وفي قصيدة البيشمركة أديب چَلكي والذي ذاع صيتها “شنگال” عن سنجار وأهل سنجار الإيزيدية، تسمع صوت الإيزيدي وعمق جروحه وصرخة آلامه، وصموده في شموخ سنجار، ورحابة سنجار وصلابة سنجار، وحين نسمعها بأصوات سبعة مطربين كورد،كان لهذه القصيدة أصداء، وقد تفرعت في روح كل إيزيدي، وفي لحن الأوركسترالي الكوردي العالمي دلشاد سعيد ، وفرقته السيمفونية، بلغ سمو هذه القصيدة، وعذوبة معانيها، وتألق أصوات سبعة مطربين كبار في كوردستان الكبرى أعلى مدى. وهؤلاء الثلاثة الكبار: چلكي، وأصوات المطربين السبعة، وسعيد، شكلوا وحدة فنية تبعث الفخار في نفس كل محب لما هو إنساني، وتدفع به لأن يرى الإيزيدي بنقاء روحه، وصفائها، وعدالة قضيته، وجوده أكبر من كل مؤامرات الأعداء أينما كانوا، وإدانة لكل القتلة الذين أساؤوا إلى الإيزيدية بأشكال كثيرة، وفي هذه الأغنية كلمات وأداء صوت ولحناً، يبصر الإيزيدي نفسه أكبر من كل أعدائه، وبلسماً لجروحه، وحافزاً كبيراً لكي يندفع إلى الأمام، وقد صار له حضور أكبر. ومنها:
أنت أرض جميلة
روضة جميلة
سنجار موطن
الأديان والألوان
من رموز الكورد
الحجل والجبل
أنت كوردستان
كوردستان
دون استفتاء
وجنتاك القبلة ( الجنوب) والشمال
قامتك جبل سنجار
في عشقك احترقت عشائر
وحملات الإبادة في استمرار
آراميون، فرس، مغول، ورومان
أمويون، عباسيون، وآل عثمان
جاء أتابك
مروا من هنا
سنجار بقي
إلى آخر القصيدة المغناة والخالدة
في كل جملة روعة، مأساة ومقاومة، وشهادة مفخرة للكورد ، للإيزيدية طبعاً.
ومع هذه القصيدة، الأغنية، اللحن البديع، صار لدى الإيزيدي دعم روحي، وشعور أن العالم يستمع إلى صوته من وراء آلاف آلاف الأميال، أنه أصبح معروفاً بصوته وروحه بعقيدته وأصالته في المكان، بضحاياه الذين الذين لن ينساهم.
والإيزيدي لا ينسى من قال في حقه ولو كلمة واحدة، وعبّر عن تقديره ولو في موقف بسيط، أينما كان. لهذا نرجو نحن الإيزيدية من كل الذين يعرفوننا وكتبوا عن مأساتنا وثباتنا في البقاء في الوجود، أن يكون هناك صدى لكتاباتهم، ولمواقفهم لدى الذين سكتوا أو صمتوا، أن يرفع هؤلاء صوتهم وهو صوت الحق ضد الظلم أينما كان، وأن الذين غنوا لآلام الإيزيدية، وكتبوا عنها، ولحنوا قصائد تخصهم، أن لا يكون ذلك مرة واحدة ليشعر الإيزيدية، وكل مظلوم في العالم أجمع، أن الذين يدافعون عن كرامة الإنسان وحقه في الحياة ، تجمعهم هذه الكرامة والعدالة والأخوة والمحبة، وأنهم بذلك يحمون الحياة والوجود والطبيعة وحتى محبة الخالق الأول في الكون، وكل ما يُبقي الحياة، وبذلك تزدهر الحياة بهم ومعهم .