الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024
Homeمقالاتحامد الحمداني:المدرسة من هنا تبدأ نهضة العراق الحلقة الأولى

حامد الحمداني:المدرسة من هنا تبدأ نهضة العراق الحلقة الأولى

 

المدرسة كما هو معروف هي تلك البيئة الصناعية التي أوجدها التطور الاجتماعي لكي تكمل الدور الذي مارسته الأسرة في تربية وإعداد أبنائها، ومدهم بالخبرات اللازمة لدخولهم معترك الحياة فيما بعد ، فهي لذلك تعتبر الحلقة الوسطى والمهمة التي يمر بها الأطفال خلال مراحل نموهم ونضوجهم لكي يكونوا جاهزين للقيام بمسؤولياتهم في المجتمع مستعينين بما اكتسبوه من المهارات المختلفة والضرورية لتكيفهم السليم مع البيئة الاجتماعية الكبرى، ذلك لأن المدرسة ليس سوى مجتمع مصغر ومنزه، وخالي من جميع الشوائب التي تتعلق بالمجتمع الكبير لكي يتمرن فيها الأطفال على الحياة الفضلى، وعلى التعاون الاجتماعي، والإخلاص للجماعة وللوطن.

ولقد أصاب المفكر والمربي الكبير [جون ديوي] كبد الحقيقة عندما عرّف المدرسة بأنها [الحياة] أو أنها [النمو] أو أنها [التوجيه الاجتماعي] ورأى أن عملية التربية والتعليم ليست أعداد للمستقبل، بل إنها عملية الحياة نفسها، ودعا المربين إلى الاهتمام بثلاثة أمور هامة وضرورية لتربية النشء حددها بما يلي:

1 ـ تعاون البيت والمدرسة على التربية والتوجيه.

2ـ التوفيق بين أعمال الطفل الاجتماعية وأعمال المدرسة.

3ـ وجوب إحكام الرابطة بين المدرسة والأعمال الإنتاجية في البيئة.

ولقد أكد[ديوي] وجوب دراسة الطفل وميوله ورغباته، وضرورة جعلها أساساً في التعليم، كما أكد على التوجيه غير المباشر وغير الشخصي عن طريق الوسط الاجتماعي، وشدد على أهمية التفكير والتحليل، وفهم معنى الأشياء في حياة الطفل، وإتاحة الفرصة للأطفال لكي يجمعوا الحقائق ويرتبوها ويستنبطون منها النتائج ثم يمحصونها ويعرضونها على محك الاختبار حتى تنجلي وتظهر حقيقتها.

لقد قلب التطور الكبير لمفاهيم التربية والتعليم في عصرنا الحالي المفاهيم التي كانت سائدة فيما مضى رأساً على عقب، وبما يشبه الثورة في المفاهيم التربوية فبعد أن كانت المدرسة القديمة لا تهتم إلا بالدراسة النظرية وحشو أدمغة التلاميذ بما تتضمنه المناهج والكتب الدراسية لكي يؤدوا الامتحانات بها والتي لا تلبث أن تتبخر من ذاكرتهم، أصبحت التربية الحديثة ترتكز على وجوب اعتبار الطفل هو الذي تدور حول محوره نظم التعليم، وأصبح النظام في المدرسة يمثل الحياة الاجتماعية التي تتطلب المساهمة في الأعمال الاجتماعية، فالطفل لا يستطيع أن يكتسب عادات اجتماعية بغير الاشتغال في الأعمال الاجتماعية. والتربية في حقيقة الأمر هي عملية تكوين النزعات الأساسية الفكرية والعاطفية في الإنسان تلقاء الطبيعة، وتلقاء أخيه الإنسان.

ولقد صار لزاماً على المدرسة أن تشبع حاجة التلاميذ للأمن وتعطيهم الفرصة لإدراك وفهم أسرار العالم المادي، والعالم الاجتماعي، وتهيئة الفرصة لهم للتعبير الحر عن نزعاتهم المختلفة، التي تمكنهم من كسب المهارات العقلية، واللغوية والاجتماعية.

ولكي تؤدي المدرسة مهامها التربوية على وجه صحيح، كان لابد من ربطها بالمجتمع، وهو ما أخذت به المدرسة الحديثة، حيث أصبحت جزءً لا يتجزأ منه، لا تختلف عنه في شيء سوى كونها مجتمع مصغر، ومشذب، وخالي من الشوائب التي نجدها في المجتمع الكبير، وأصبح النظر إلى دور المدرسة في المجتمع هو النظر إلى الثقافة بمعناها الواسع، أي بآدابها وعلومها وفنونها وعاداتها وتقاليدها، بكافة نواحيها المادية والتكنيكية، وقد تطلّبَ ذلك إعادة بناء المدرسة بحيث تلعب دورين أساسيين في خدمة المجتمع الذي تنشأ فيه وهما:

1 ـ نقل التراث بعد تخليصه من الشوائب.

2 ـ إضافة ما ينبغي إضافته لكي يحافظ المجتمع على حياته أي بمعنى آخر تجديد المجتمع وتغييره وتطويره بشكل مستمر بما يحقق الخير والسعادة لبني الإنسان.

ولا بد لي أن أكد على سيادة مبدأ الديمقراطية في المدرسة، وفي الوسائل التربوية التي نعتمدها في الوصول إلى أهدافنا التربوية التي نسعى إليها ما دمنا نعتبر المدرسة هي الحياة وأنها صورة مصغرة من المجتمع.

كيف تستطيع المدرسة أداء مهامها:

لكي تستطيع المدرسة أداء مهامها التربوية على الوجه الأكمل يتطلب منها أن تراعي الأمور التالية:

1ـ ينبغي للمدرسة أن تكون المكان الذي يعيش فيه الأطفال عيشة حقيقية، ويكتسبون الخبرة الحياتية التي يجدون فيها ابتهاجاً ومعنى، وعليها أن تحول مركز الجاذبية فيها من المعلم والكتاب إلى الطفل وميوله وغرائزه وفعالياته بصورة مباشرة، فمهما يقال عما يدرسه الطفل من علوم وغيرها، فإن العملية التربوية الحقيقة لا يمكن أن تعطي ثمارها إذا لم يمارس التلميذ حياته فيها.

2 ـ ضرورة عدم تجاهل المدرسة لوضع الأطفال الفطري وميولهم، وأن تعمل على إشباع غرائزهم وصقلها بروح من المحبة والعطف والحنان لكي يحس الأطفال أنهم يعيشون الحياة حقاً داخل المدرسة، وأن أي أسلوب آخر في التعامل معهم، وخاصة أسلوب العقاب البدني، لا يؤدى إلا إلى عكس النتائج المرجوة.

3ـ ينبغي للمدرسة أن تسعى لأن يأتي الأطفال إليها بأجسامهم وعقولهم، ويغادرونها بعقل أغنى وأنضج، وجسم أصح، وهذا لا يتم بالطبع إلا إذا وجدوا في المدرسة ما يشبع ميولهم ورغباتهم، وتتاح لهم الفرصة لممارسة ما تعلموه من خبرات خارج المدرسة.

4ـ ينبغي للمدرسة أن تحول غرفة الصف إلى ورشة حقيقية يستطيع الأطفال من خلالها إشباع حاجاتهم وميولهم وتجعلهم جزء من المجتمع، ويتعلمون العيش المباشر، وتجهزهم بدافع حقيقي، وتعطيهم خبرة مباشرة، وتهيئ لهم الاتصال بالأمور الواقعية.

كما ينبغي تنظيم جلوس الأطفال داخل الصف بالشكل الذي يشعرهم أنهم يمارسون عملاً مشتركاً، ولا تقيدهم بالجلوس على الرحلات أو المقاعد الضيقة والمنعزلة التي تجعل الطفل يشعر بالملل والسأم ينتظر بفارغ الصبر نهاية الدرس والتحرر من مقعده الممل.

5ـ ينبغي إشراك أولياء أمور التلاميذ في إعداد الخطط التربوية، والاستعانة المستمرة بهم في معالجة وحل كل المشاكل التي تجابه أبنائهم، وأن تكون المدرسة على اتصال دائم بهم سواء عن طريق اللقاءات الشخصية، أو الاتصال الهاتفي أو عن طريق الرسائل، ذلك لآن الآباء والأمهات على معرفة كبيرة بكل ما يتعلق بسلوك أبنائهم، ويتمتعون بالخبرة في التعامل معهم. وفي الوقت نفسه تستطيع المدرسة أن تقدم لذوي الطلاب، أباء وأمهات، الكثير من الخبر والتجارب التي تعينهم على التعامل مع أبنائهم بشكل تربوي صحيح.

6ـ إن بناية المدرسة ذات تأثير بالغ على العملية التربوية والتعليمية، وعلى نفسية التلاميذ فالمدرسة بحاجة إلى صفوف دراسية واسعة، وذات تهوية جيدة وشبابيك واسعة تسمح بوصول الضوء بحرية، بالإضافة إلى الإنارة الكافية، وأن تكون مجهزة بكل ما يلزم من الأجهزة والأدوات الضرورية للعملية التربوية والتعليمية، كما أنها بحاجة إلى الساحات المناسبة للنشاطات الرياضية المختلفة ، وقاعات للنشاطات الرياضية، والنشاطات اللاصفية من تمثيل وخطابة ورسم وحفلات وغيرها من النشاطات الأخرى، وكذلك الورش اللازمة لممارسة المهن التي يتدرب عليها التلاميذ، وينبغي أن تتخلل المباني المدرسية الحدائق الكافية كي تبعث نوعاً من البهجة والسرور في نفوس التلاميذ، ومن الضروري إشراكهم في زراعتها والعناية بها، وإتاحة الفرصة لهم بدراسة النباتات وأنواعها وتصنيفها، وسبل وقايتها من الأمراض التي قد تصيبها مما يحول هذا الجهد إلى دراسة حقيقية لعلم النبات نظرياً وعملياً، مما يرسخ الدرس في عقول التلاميذ .

وأخيراً ينبغي الاهتمام بتنظيم المقاعد والمناضد الدراسية بالشكل الذي يجعل العمل داخل الصف جماعياً فلا يشعر التلاميذ بالملل، ويتحول الصف إلى ورشة عمل ينهمك فيه التلاميذ بكل جد ونشاط وفي جوٍ يسوده التعاون فيما بينهم، وبإشراف معلمهم وتوجيهاته.

تعاون البيت والمدرسة:

ذكرنا فيما سبق أن البيت هو البيئة الاجتماعية الأولى للطفل التي يتعلم فيها الكثير من الخبرات التي تساعده على التكيف مع المجتمع الأكبر، حيث يلعب الآباء والأمهات دوراً كبيراً وأساسياً في تربية وتنشئة أبنائهم خلال السنوات الست الأولى من أعمارهم حيث ينتقل الأبناء إلى المدرسة التي تعتبر المرحلة الوسطى في حياتهم، والتي هي صورة مصغرة للمجتمع الكبير الخالي من الشوائب، حيث يكتسب الأبناء خلال مكوثهم في المدرسة الخبرات الحياتية التي تؤهلهم لممارسة عملهم في المجتمع الكبير على الوجه الأكمل.

ومن هذا المنطلق نستطيع أن نؤكد أن الدور الذي قام ويقوم به البيت تجاه الأبناء لا يمكن فصله عن دور المدرسة بهذا الخصوص، فكلاهما يكمل بعضه بعضاً.

ويستطيع الآباء والأمهات تقديم مساعدة قيمة للمدرسة في عملها التربوي بما يملكونه من الخبرات والتجارب التي اكتسبوها بتربية أبنائهم، كما يمكنهم الحصول على المزيد من الخبرات من المدرسة، وخاصة من خلال المتخصصين في معالجة المشاكل السلوكية للأطفال والمراهقين.

وبناء على ذلك فعلى المدرسة أن تهتم بالتواصل المستمر مع أولياء أمور التلاميذ سواء كان ذلك عن طريق مجالس الآباء والأمهات والمعلمين الدورية والمنتظمة وإجراء الاتصالات الشخصية المستمرة، والاتصالات الهاتفية، وإرسال الرسائل لكي يكون الآباء والأمهات على صله وثيقة بأحوال أبنائهم في المدرسة من الناحيتين السلوكية والدراسية، ولكي يعملوا مع إدارة ومعلمي المدرسة يداً بيد، على تذليل كل المصاعب التي تجابههم.

ولقد سبق و تحدثنا عن الأسرة وأنواعها، وظروف كل منها، والأساليب التربوية التي تتعامل بها مع أبنائها بشيء من التفصيل، وهو ما يمكن أن يقدم للمدرسة معلومات هامة وضرورية تساعدها على تفهم أحوال التلاميذ في البيت، وما يعانونه من مشاكل ومصاعب، وتأثيراتها على سلوك الأبناء، والوسائل الكفيلة بمعالجة السلوك المنحرف لديهم، فلا يكفي للمربي أن يتعرف على أحوال تلاميذه في المدرسة فقط، وإنما ينبغي التعرف على الظروف التي يعيشها التلميذ في البيت لكي يكوّن له صورة واضحة عن المشاكل التي يعاني منها داخل أسرته مما يسهّل عليه فهم الأسباب المؤدية للسلوك المنحرف لدى العديد من التلاميذ ، وبالتالي إمكانية مجابهة تلك الانحرافات والتغلب عليها بأقل ما يمكن من الجهود والتضحيات

وهكذا نجد أن المدرسة لها الدور الأكبر في إعداد أبنائنا الإعداد الصحيح القائم على الأسس العلمية والتربوية القويمة و إن المهمة العظيمة والخطيرة الملقاة على عاتق المدرسة تتطلب الإعداد والتنظيم الدقيق والفعال للركائز التي تقوم عليها المدرسة والتي تتمثل فيما يلي:

1ـ إعداد الإدارة المدرسية.

2 ـ إعـداد المعلمـين.

3 ـ إعداد جهاز الأشراف التربوي.

4 ـ إعداد المناهج والكتب المدرسية.

5 ـ نظام الامتحانات وأنواعها وأساليبها.

6 ـ تعاون البيت والمدرسة.

7 ـ الأبنية المدرسية وتجهيزاتها.

إن هذه الركائز جميعاً مترابطة مع بعضها البعض، وكل واحدة منها تكمل الأخرى، ويتوقف نجاح العملية التربوية والتعليمية في المدرسة على تلازم وتفاعل هذه الركائز ببعضها، وكلما توطدت وتعمقت حركة التفاعل هذه كلما استطاعت المدرسة تحقيق ما تصبو إليه من خلق جيل واعٍ ، متسلح بسلاح العلم والمعرفة، وملتزم بالأخلاق والمثل الإنسانية العليا.، وسأتناول في حلقات قادمة مسألة إعداد هذه المرتكزات بشيئ من التفصيل.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular