بالأمس رحل (عريان) الجسد، وبقي بيننا (عريان الروح(. ولمّا كان الجسد دوما وهو في ظلمة اللحد البارد أسير للمكان، فهو فانٍ منذ ساعة إهالة التراب عليه وتوديعه. أمّا الروح فأنها لا تعرف الأسر مطلقا، فتراها تحلّق في الفضاءات المرئية وغير المرئية، ومن هنا فأنّ روح عريان لم ترحل عنّا، فهي معنا لتذّكرنا بما تركه لنا من إرث شعريّ نفتخر به.
أستمحيك عذرا عريان، وأنا أجعلك محل “المعيبر عبد” لتكن أنت الشاعر والمعيبر، وعلامتك في مسيرتك الليلية هي نجمتك، لأقول:
عريان ستّر قميصه، إعلى اليعبرون
وشعل روحه
إبدربهم
يكشف الليل
وفرش جفنه السمح
عن لا يعثرون
هل أخطأت وأنا أضع “عريان” مكان عبد؟. أوليس “عريان” من كان شمعة تشتعل لتكشف الطريق أمام الناس في ظلمة العراق، ليدلّهم بأشعاره فارشا جفنه السمح على أرضه كي لا يتعثروا ويسقطوا وهم في طريقهم نحو النهار والشمس؟
عريان، عراقيّ حدّ النخاع، وطنيّ يعشق عراقه، شيوعي مؤمن بقضايا شعبه. لم يجل بخاطره بيع وطنه كما يبيع المؤمنون وطنهم اليوم، حتّى في أحلامه..
يا شعبي إشكثر عانيت وإنطيت
وخبزتك
تنعجن بالهم والأوجاع
يگطعوني عليك أوصّل
وأبوس الگاع
گالولي تبيع
وگلت ما ينباع
وأرسم بالشوارع وجهك إمرايات
آه عريان، رحلت والعراق اليوم معروض للبيع في كشوانيّة من كشوانيّات المؤمنين الفاسدين، رحلت والعراق موشوم بالعمائم كما كان “موشوم بالقنابل“. وإن كانت القنابل تفتك بأجسادنا، فإنّ العمائم تفتك بعقولنا.. عذرا نسيت يا عريان، فالحقيقة هي أنّ عراقنا اليوم، موشوم بالقنابل والعمائم والفساد والخيانة. عراقنا تكسّرت أوصاله، فهو اليوم (ع.. ر .. ا .. ق)، فهل سنجمع حروفه من جديد؟ أم سنجلس ونضع العراق أمامنا لنقول له كما كتبت يوما:
وگبالي أگعدك
عاشگ ومعشوگ
وأحچيلك بحالي
أشصار وشجاري
وأغنيلك .. غنى بهداي .. بهداي
إعله هضمتنه
إعله خيبتنا وسفّنه
الراحت ويه الروج حدّاري
على الرغم من أنّ السفينة ظلّت السبيل وإنحدرت مع الأمواج العاتيّة، الّا أن عريان لم ييأس وهو يخاطب ربّانا بعينه طالبا منه إنقاذ السفينة وإعادتها الى رصيف الوطن بسلام..
لا تحتار
بعده الماي مايك
يا هدير السيل
عيب السفن ذيچ
ايسدگها الحدّار
ونته النوخذه النشمي
وتشم الريح
وبليل العواصف
شيمتك بحّار
عراق الشاعر عريان السيد خلف اليوم (مثل المصوّب الأهله ما يدارونه … كلما يطيب الجرح عمدن يلچمونه). ومن جديد أقول لعريان وعن لسانه وهو يخاطب عبد في المعيبر:
عريان هلگد طمع
بمحبة الناس
وتريد إشگد بعد تنحب
يمحبوب؟
سمونك بسمهم
گُرّة العين
ويعدّنوك ذنب
من تحله الذنوب.
وداعا يللي .. ضميرك مو زغيرك .. للوطن شدّك .. وداعا صيّاد الهموم
عنوان المقالة والأبيات الشعرية، هي من ديوان (صيّاد الهموم) للشاعر الفقيد عريان السيّد خلف.
زكي رضا
الدنمارك