قصة سرقة عقارات الموصل
مع انقشاع دخان حرب تحرير مدينة الموصل (مركز محافظة نينوى، 405 كيلومتراً شمال بغداد) من سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، في صيف 2017، حدث ما يشبه السباق بين جهات عدة، بعضها مسلحة والأخرى متنفّذة، استغلّت الفراغين الإداري والأمني للاستحواذ على آلاف من العقارات العامة والخاصة، بطرق وأساليب مختلفة، كتزوير السجلات أو وضع اليد عليها بقوة السلاح.
فصائل الحشد الشعبي التي شكّلت أذرعاً اقتصادية، عُرفت بـ”المكاتب الاقتصادية”، أمسكت الأرض في المدينة ومحيطها وعدّت الأراضي والمنازل والمشيدات التي كان تنظيم داعش يستغلها خلال سيطرته بين حزيران/ يونيو 2014 وتموز/ يوليو2017، غنائم حرب، حتى مع علمها بكون تلك العقارات في الأصل للدولة أو لمواطنين مدنيين أو منتسبين في الجيش والشرطة العراقيين، والتنظيم كان قد استولى عليها بدوره كغنائم.
ولم يتوقف الأمر عند الاستيلاء على تلك العقارات بقوة السلاح والنفوذ، في ظل خوف بعض أصحابها من اتهامهم بالانتماء إلى داعش، بل امتد إلى استغلال أراض زراعية واسعة من خلال واجهات (جمعيات إسكان تعاونية) قامت بشرائها وقطّعتها ثم باعتها خلافاً للقانون في كثير من الحالات وبأسعار مضاعفة.
يقول خليل عثمان، وهو سمسار عقارات من الموصل: “كان كل شيء بيدهم، ولم يكن بإمكان أحد الاعتراض. استغلّ المتنفذون أزمة السكن التي حصلت مع عودة مئات آلاف النازحين والمهجرين إلى مدينة فقدت نحو 11 ألف وحدة سكنية بسبب الحرب، وأدى هذا إلى ارتفاع كبير في أسعار الأراضي السكنية، ما دفع بمحدودي الدخول للاستعانة بالجمعيات التعاونية”.
ولما كانت الأراضي الزراعية في العراق تعود ملكيتها إلى وزارة المالية، أي الدولة، فإن قيام تلك الجمعيات بتقطيعها إلى أراض سكنية وتوزيعها لأغراض السكن، يُعَدّ جريمة.
الغالبية الساحقة من التجاوزات على العقارات العامة أو الخاصة في مدينة الموصل حدثت في جانبها الأيسر، بتعاون مباشر وغير مباشر من موظفين في التسجيل العقاري أو ما يعرف شعبياً بـ”طابو الزهور”. وأصدرت محكمة جنايات نينوى أحكاماً بحق مديرين متتاليين فيها وعدد من الموظفين والسماسرة العقاريين وصلت مجاميع بعضها إلى أكثر من 100 سنة، بتهم عديدة أخطرها التسبب بفقدان 9000 عقار وتزوير أوراق وسجلات آلاف أخرى، لكن الجهات المستفيدة التي قفت خلف تلك الأعمال ظلت بعيدة عن أيدي القضاء.
فساد عقاري
قصة التجاوزات على العقارات التابعة للدولة، والتي يكشفها هذا التحقيق، مع الإشارة إلى التجاوزات التي حصلت على سجلات عقارية خاصة، أثيرت أول مرة في 21 آذار/ مارس 2019 بعد غرق عبارة سياحية في نهر دجلة وسط مدينة الموصل كانت تقلّ 200 شخص غالبيتهم نساء وأطفال، مما أدى إلى غرق 130 منهم.
الغضب الشعبي بسبب الحادث دفع مجلس النواب العراقي إلى إصدار قرار بإقالة المحافظ نوفل سلطان العاكوب، بعد جلسة تحقيق صاخبة أقر فيها باستحواذ ميليشيا في الحشد الشعبي تدعى عصائب أهل الحق على عقارات في الموصل، ومنها حصة في منطقة الجزيرة السياحية التي شهدت حادث غرق العبارة.
التحقيقات التي أجريت بأوامر مباشرة من مجلس الوزراء أدّت إلى اكتشاف فساد واسع النطاق اتُّهم العاكوب شخصياً بممارسته، ومنها تورطه باختلاس أكثر من 70 مليون دولار كانت مخصصة لإعمار المدينة ودعم النازحين في المخيمات فضلاً عن الإهمال الجسيم في أدائه الوظيفي.
رفع الحصانة عنه، وخسارته لنفوذ كبير كان يتمتع به، دفع المحافظ المقال بحسب مصادر مقربة منه إلى إفشاء بعض الأسرار عن أعمال وتجارة الميليشيات كعصائب أهل الحق، لشعوره بالخيبة بعد تخليها عنه، ومع ذلك لم تتم مطلقاً مساءلة أي من تلك الميليشيات.
يقول السياسي المستقل عبد الكريم زينل: “الناس يعرفون مَن كان يحكم فعلياً في نينوى، ويعرفون أن العاكوب ما كان ليقوم بكل تلك التجاوزات لو لم تقف خلفه جهات كانت شريكة له أو هي مَن دفعته إلى ذلك ثم تخلت عنه”.
في 26 آذار/ مارس 2019، أصدر نائب رئيس محكمة استئناف نينوى الاتحادية القاضي عيسى فتاح عيسى أمر قبض بحق نوفل العاكوب. جاء الأمر بموجب دعوى أقيمت ضده عام 2017 تحمل الرقم 22/ق12/2017، رمز المحكمة/3370. أي أن المحكمة لم تصدر قرارها إلا بعد كارثة غرق العبارة والضجة التي أثارتها.
ولمجهولية مكان المحافظ، لم ينفَّذ أمر القبض عليه إلا في 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، ونُقل حينها إلى بغداد لتبدأ هناك سلسلة المحاكمات ضده في محكمة جنايات مكافحة الفساد الإداري برئاسة استئناف الكرخ، انتهت بمجموع أحكام بلغ سبع سنوات. وتتوقع مصادر قضائية مطلعة أن ترتفع إلى أكثر من عشرين سنة لوجود دعاوى أخرى مقامة ضده ما زالت قيد النظر.
بعد سنوات من تلكؤ القضاء عن الملاحقات، وصَمْت ممثلي نينوى في مجلس النواب، فتح غرق العبارة وإقالة المحافظ الأبواب أمام كشف ملفات فساد كبيرة كان مسكوتاً عنها، ولا سيما في مجال العقارات العامة والخاصة على حد سواء.
تقدّر النائبة بسمة بسيم حجم العقارات التي حصلت تجاوزات عليها في نينوى واختفت سجلاتها بنحو 9،000 عقار، قِسم منها تعود ملكيتها للدولة. بينما يشير النائب عبد الرحيم الشمري إلى أن أعمال تزوير كثيرة طالت السجلات خلال الفترة التي تلت تحرير نينوى في صيف 2017. ويتجنب تحديد الجهة التي قامت بذلك مكتفياً بالقول: “هم معروفون للجميع لكن لا أحد يجرؤ على اعتقالهم نظراً لما يمتلكونه من نفوذ”.
البرلماني ووزير الدفاع العراقي السابق خالد العبيدي أشار بدوره إلى أن قوى تملك السلاح في نينوى تتولى أعمال تزوير العقارات، وضرب مثالاً على ذلك بحديثه عن امرأة، دون أن يذكر اسمها، قال إن رتلاً من السيارات المليئة بالمسلحين (في إشارة إلى مليشيات) كانوا يوفرون لها الحماية، وإنها كانت تدخل بعد تحرير الموصل دائرة التسجيل العقاري وتغيّر ما تشاء في سجلاتها.
فصائل الحشد الشعبي التي شكّلت أذرعاً اقتصادية، عُرفت بـ”المكاتب الاقتصادية”، أمسكت مدينة الموصل ومحيطها وعدّت الأراضي والمنازل والمشيدات التي كان داعش يستغلها غنائم حرب، حتى مع علمها بكون تلك العقارات في الأصل للدولة أو لمواطنين
بتوجهنا إلى دائرة التسجيل العقاري الأيسر، جمعنا من خلال موظفين هناك معلومات عن السيدة التي تحدث عنها العبيدي: تُدعى نجاة حسين خليف الجبوري، كانت مرشحة في الانتخابات البرلمانية لعام 2018 عن ائتلاف الوطنية الذي تزعمه رئيس الوزراء العراقي الأسبق أياد علاوي.
وأخبرنا الموظفون أنها كانت ترأس في ذات الوقت مجلس إدارة جمعية إسكان اسمها “أم الربيعين”، وقامت في أواخر عام 2017 بتزوير أوراق في سجل عقاري وتسجيل أراض بعضها تعود مليكتها لمتوفين أو للدولة باسم جمعيتها ومن ثم تقطيعها وبيعها.
في محكمة تحقيق الموصل، علمنا بأن نجاة الجبوري قُبض عليها بموجب مذكرة القبض المرقمة 4324 بتاريخ 13-3-2018 وبأنها كانت تُسيّرُ حملتها الانتخابية من مركز التوقيف، قبل أن تستبعدها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بطلب من كتلتها.
أفرج عن الجبوري بعد فترة وجيزة عقب تدخل قياديين في الحشد الشعبي وفقاً لرواية عضو في مجلس النواب، وقامت بتزوير أوراق رسمية تخص قطعة الأرض المرقمة 6/5422 مقاطعة 37 جديدة المفتي، ثم وضعت توقيعها على تعهد بسلامة الأرض من الناحية القانونية مع شركاء لها تمهيداً لبيعها.
إلا أنه، وبحسب مصدر في محكمة تحقيق الموصل، أصدر القاضي رائد حميد المصلح، نائب رئيس محكمة استئناف نينوى الاتحادية، أمر قبض بحقها رقمه 44346 في 13/10/2020.
أمر القبض هذا أعقبته سبع أوامر قبض أخرى، لم تُنفّذ بسبب “الجهة النافذة” التي كانت توفّر لها الحماية، بل رشحت نفسها في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، مع كتلة الجماهير التي يتزعمها النائب أحمد الجبوري من محافظة صلاح الدين والمعروف بـ”أبو مازن”.
لكن طريقها إلى البرلمان لم يكن مفروشاً بالورود، إذ اعتقلتها قوة أمنية في 12 حزيران/ يونيو 2021 وأصدرت محكمة جنايات نينوى الثانية في نيسان/ أبريل 2022 مجموعة أحكام بالسجن ضدها بلغت 22 سنة، وقد ترتفع بسبب دعاوى أخرى منظورة أو ستنظر لاحقاً وهي الطرف المتهم فيها وأيضاً بتهمة التزوير.
التسجيل العقاري
المحامي المختص بقضايا العقارات عبد الله أيوب قاسم ذكر أن التسجيل العقاري-الأيسر، كان أكثر دائرة حكومية تغلق أبوابها بسبب استهداف موظفيها من قبل المجاميع المسلحة من عام 2003 ولغاية سيطرة داعش على الموصل في حزيران/ يونيو 2014.
وأفاد بأن ما يسميها “مافيات عقارية”، مرتبطة بالجماعات المسلحة، كانت تقوم من خلال موظفين بالتلاعب بسجلات العقارات، كتغيير ملكية عقارات عائدة لمسيحيين أو كرد أو شبك هُجّروا قسراً في تلك الفترة لأسباب طائفية أو قومية، ومن ثم تسجيلها بأسماء أشخاص لهم علاقة بتلك الجماعات وبيعها من أجل تمويلها.
ويشير المحامي إلى أن الموظفين كانوا مرغمين تماماً على القيام بذلك، إذ أن مسلحين قتلوا مديرين للدائرة هما درواز نذير محمود في 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2006، وخولة السبعاوي في 16 شباط/ فبراير 2011، وهددوا الكثير من الموظفين، فترك بعضهم الوظيفة وآخرون المدينة والبلاد بأسرها خوفاً على حياتهم.
ويوضح بأن الموصل منذ منتصف عام 2003، وعلى الرغم من تواجد القوات الأمريكية فيها لغاية تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 فضلاً عن الانتشار الكثيف للقوات العراقية (شرطة اتحادية ومحلية وجيش)، كانت عبارة عن “ساحة للكثير من الفصائل الجهادية المسلحة كالقاعدة وأنصار الإسلام وجيش محمد والنقشبندية ومن ثم الدولة الإسلامية التي تشكلت في 2006 وتحولت في 2009 إلى ‘الدولة الإسلامية في العراق والشام’ والتي عرفت اختصاراً بـ‘داعش’، وسيطرت بشكل كامل على الموصل في صيف 2014 وأشرفت على الدوائر الحكومية ومن بينها التسجيل العقاري”.
ويذهب المحامي إلى القول بأن ما حدث بعد تحرير الموصل من داعش في تموز/ يوليو 2017 كان استكمالاً لما جرى من قبل “مع تغيّر بعض العناوين فقط”.
ويوضح: “فصائل تابعة للحشد الشعبي استغلّت الفراغ الأمني والفوضى الحاصلة في أعقاب الحرب التي خلّفت دماراً كبيراً، وقامت بالتلاعب عبر مكاتبها الاقتصادية أو مقربين منها بالسجلات العقارية بالتعاون مع موظفين من التسجيل العقاري مجبرين أو مخيرين”.
زهير الجلبي، رئيس “لجنة إسناد أم الربيعين” في نينوى، وهي لجنة تشكلت في أيار/ مايو 2008 ومارست أعمالها بتفويض من رئاسة الوزراء لغاية حزيران/ يونيو 2014، يؤيد ما ذكره المحامي عبد الله أيوب قاسم.
يقول إن حالات التزوير في سجلات التسجيل العقاري كانت موجودة حتى قبل سيطرة داعش على الموصل في 2014، وإن لجنة تدقيق شُكِّلت لمتابعة ذلك بأمر من رئيس الوزراء في حينها نوري المالكي سنة 2012 ورأسها هو شخصياً بعضوية مستشار الأمن الوطني وقائد عمليات نينوى.
وكشفت اللجنة عن فقدان 17 سجلاً مع 12 ألف إضبارة عقارية، وتلاعب بستة سجلات وصفته بـ”حك”، بمعنى وجود شطب في صفحاتها، ويستدرك: “أرسلنا تقارير بذلك إلى هيئة النزاهة (هيئة مستقلة تخضع لرقابة مجلس النواب) والقضاء، كان هذا منذ 2012 والآن نحن في 2022، ويبدو أن الإجراءات تأخرت كثيراً”.
أحكام بالسجن
الإجراءات التي انتظرها الجلبي لم تحصل إلا في أعقاب حادثة العبارة في 2019، ومدير التسجيل العقاري في “طابو الزهور” فرحان حسين طه أحمد كان أول موظف حكومي يُعتَقَل، حين دوهمت دائرته في 31 آذار/ مارس 2019، ولحق به موظفون آخرون في إمرته بتهمة التلاعب بسجلات عقارية تابعة للدولة.
ولم تمضِ سوى أيام قليلة فقط حتى أصدرت محكمة جنايات نينوى/ الهيئة الثالثة، برئاسة القاضي أكرم خلف حسين، وتحديداً في 11 نيسان/ أبريل 2019 قرارها بالدعوى المرقمة 126/ج3/2018، قرراً بالسجن لخمس سنواتٍ وشهر واحد ضد مدير التسجيل العقاري وفقاً للمادة (340) من قانون العقوبات العراقي المتعلقة بإحداث الموظف أضراراً بأموال عامة موكلة إليه.
ثم توالت الأحكام القضائية بحقه في 14 دعوى أخرى أدين في 11 منها، ليصل مجموعها في حزيران/ يونيو 2022 إلى 99 سنة.
وبحسب مصدر في التسجيل العقاري نتحفظ عن ذكر اسمه بطلب منه، توسّط قائممقام الموصل السابق زهير الأعرجي لتعيين ابن عم له يدعى محمد حسين الأعرجي ليصبح مديراً للتسجيل العقاري خلفاً لفرحان حسين طه أحمد.
وذكر المصدر أن ميليشيات تابعة للحشد الشعبي دعمت قرار تعيينه وأنه هو الآخر كان يسهّل لها عمليات الاستيلاء على عقارات في نينوى كما كان يفعل المدير السابق وقام أيضاً بالتلاعب لصالحها أو لصالح أشخاص مرتبطين بها بملكية عقارات تعود للدولة.
وبذات السيناريو الذي اعتُقل به سابقه، قامت قوة أمنية باعتقال الأعرجي في كانون الأول/ ديسمبر 2019 ومعه تسعة موظفين آخرين. لكن، والكلام ما زال للموظف العقاري “أُطلق سراح محمد حسين الأعرجي بعد فترة وجيزة بكفالة مالية كبيرة، بعد تدخل نافذين في الحشد”.
مصدر في محكمة جنايات نينوى أبلغنا بأن المحكمة نظرت في العام 2021 في 18 قضية تتعلق بتزوير أو تلاعب بسجلات عقارية. وفي العام 2022 نظرت في 34 قضية.
وكانت الأحكام في عشرات القضايا التي نُظرت خلال السنتين وفقاً لقوائم حصلنا عليها. ففي 30 آب/ أغسطس 2021، وبالدعوى رقم 542/ج1/2021، صدر حكم بسجن معاون مدير التسجيل العقاري-الأيسر لشؤون التدقيق واسمه محمد جمعة حسن لمدة عشر سنوات وغرامة مالية قدرها سبعة ملايين دينار (4795 دولاراً)، مع إضافة ثلاث سنوات إلى حكمه الأصلي في حال لم يقم بسداد الغرامة، وذلك لتلقيه مبالغ مالية لقاء قيامه بتسهيل معاملة نقل ملكية العقار موضوع الدعوى من اسم شخص متوفى بموجب وكالات مزورة دون علم ذوي المتوفى وتسجيله باسم أحد المتهمين الهاربين. ثم حوكم سنة 2022 بثماني دعاوى أخرى، لتبلغ مجموع الأحكام الصادرة ضده 56 سنة.
وحُكم على المعاونة الأخرى لمدير التسجيل العقاري-الأيسر، واسمها مروة سالم متعب خليل، بالحبس الشديد لمدة أربع سنوات وفقاً لأحكام المادة 340 من قانون العقوبات العراقي. وبموجب المادة ذاتها، صدرت أحكام بسجن 15 شخصاً إضافياً، وفقاً لقوائم حصلنا عليها، بعضهم بأكثر من قضية، وتراوح مجموع الأحكام ضد كل منهم بين سنتين و106 سنوات.
مع انقشاع دخان حرب تحرير مدينة الموصل من داعش، في صيف 2017، حدث ما يشبه السباق بين جهات عدة، بعضها مسلحة والأخرى متنفّذة، استغلّت الفراغين الإداري والأمني للاستحواذ على آلاف من العقارات العامة والخاصة، بطرق وأساليب مختلفة
الأمر لم يتوقف عند موظفي التسجيل العقاري أو سماسرة عقارات فقط، بل تعداهم ليشمل موظفين كباراً، إذ أصدرت هيئة النزاهة في 19 كانون الثاني/ يناير 2022 أمريْ قبض بحق قائممقام الموصل والبرلماني السابق زهير الأعرجي، بموجب المادة (307) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 بتهمة تسلُّمه رشى مقابل التغاضي عن تزوير مستمسكات عقارية والتجاوز على عقارات عائدة للدولة.
وأوضح بيان لهيئة النزاهة ما تعنيه عبارة التجاوز على عقارات عائدة للدولة بـ”فرز وتقطيع قطع أراضٍ عائدة ملكيَّتها للدولة، وبيعها للمواطنين خلافاً للقوانين والتعليمات”.
وبعد خروجه بكفالة ضامنة، قدم الأعرجي في 8 شباط/ فبراير 2022 استقالته من موقعه، وقال في مؤتمر صحافي عقده في مقر قائمقامية قضاء الموصل إن “مافيات الأراضي كانت أقوى من الدولة وبقوة السلاح أخذت ما تريد طوال السنين الماضية وحتى قبل عام 2014”.
وأشار بذلك وبنحو غير مباشر إلى تنظيمي القاعدة ومن بعده داعش، وأيضاً فصائل الحشد الشعبي التي تولت الملف الأمني في نينوى بعد تحريرها من داعش في تموز/ يوليو 2017.
الجهات المستفيدة خارج نطاق المساءلة
في وقت كانت فيه الإجراءات القضائية موجّهة نحو التسجيل العقاري وموظفيه وآخرين في الجمعيات السكنية، دون الجهات المستفيدة والتي كانت تستحصل على أموال كثيرة عبر استغلالها وتصرفها فعلياً بالعقارات موضوع الدعاوى، طلب رئيس لجنة النزاهة في مجلس النواب العراقي ثابت العباسي من مجلس القضاء الأعلى تشكيل لجنة قضائية للتحقيق في شكاوى كثيرة وردت إلى لجنته بشأن تجاوزات بالتزوير والاستيلاء على عقارات عامة وخاصة في نينوى، وذلك بموجب الكتاب الصادر في 31 آب/ أغسطس 2020، العدد 16/396.
وبناءً على ذلك، شكل مجلس القضاء العراقي، في مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2020، لجنة قضائية للتحقيق في الشكاوى المتعلقة بتزوير سجلات عقارية في نينوى، تألفت من ثلاثة قضاة من محاكم استثناء منطقة نينوى الاتحادية.
بدأت اللجنة مهامها بالتعاون مع هيئة النزاهة بجملة من أوامر القبض، جلها وُجّه ضد عدد من رؤساء جمعيات إسكان وسماسرة وموظفين في دوائر عديدة من بينها بلدية الموصل، فضلاً عن رفع مزيد من الدعاوى ضد موظفي التسجيل العقاري المحكومين في السجون.
مرة أخرى، خلت الإجراءات من أي مساءلة لجهات مستفيدة من أعمال تزوير الأراضي كالمكاتب الاقتصادية التابعة للحشد الشعبي المتهمة بذلك وفقاً لمسؤولين وأعضاء في مجلس نواب.
موظف في ديوان محافظة نينوى أكد لنا عدم شمول تلك الإجراءات للأحزاب السياسية والمكاتب الاقتصادية التابعة للحشد الشعبي ولشخصيات سياسية مستفيدة من أعمال التزوير التي طالت آلافاً من العقارات.
وقال إن الموظفين المحالين إلى المحاكم تلقوا “تهديدات بالتصفية لهم ولعائلاتهم” في حال أوردوا أي معلومات تقود إلى أولئك المستفيدين، وإن ديوان محافظة نينوى نأى بنفسه عن التدخل في هذا الملف بسبب النفوذ والقوة التي تملكانها الجهات المستفيدة.
الهيئة العامة للنزاهة أعلنت في الأول من كانون الثاني/ يناير 2021 أن أعداد العقارات العائدة للدولة المستولى عليها في نينوى تبلغ 8585 عقاراً، وأن 2888 منها يتم التعامل معها قضائياً وهنالك إجراءات لاستعادتها، فيما هنالك 5662 عقاراً لم يتم اتخاذ أي إجراء بشأنها (دون بيان أسباب ذلك)، مشيرة إلى أن 35 عقاراً فقط تمت استعادتها.
تبلغ مساحة ما تمت استعادته نحو 2000 دونماً من الأراضي (الدونم بموجب التشريعات العراقية يعادل 2500 متر مربع)، وكلها كانت تحت تصرف جمعيات الإسكان، واعتُقل نحو 70 موظفاً وسمساراً عقارياً مع مدراء وأعضاء من تلك الجمعيات، كان آخرهم 11 رئيس جمعية وموظف يمثلون جمعيات “إسكان المُتقاعدين”، “ضفاف دجلة”، “الأسر التجاريَّة”، “إسكان الفلاحين”، “إسكان مُنتسبي مُديريَّة ماء نينوى”، و”إسكان مُنتسبي الشركة العامَّة لصناعة الأدوية”، اعتقلوا في نيسان/ أبريل 2022 بتهمة بيعهم نحو 4000 قطعة أرض بقيمة تقديرية بلغ 48 مليار دينار عراقي، أي نحو 32 مليون دولار أمريكي.
العدد البسيط نسبياً الذي استُعيد من عدد كبير من العقارات المستولى عليها، ووجود أكثر من 5660 عقاراً لم يتخذ أي إجراء قضائي بشأنها، يثير أسئلة عن طبيعة تلك العقارات المسكوت عن ملفاتها. وحتى مطلع آب/ أغسطس 2022، لم تجب المصادر القضائية والحكومية الرسمية التي تواصلنا معها بشأن طبيعتها.
جاسم عائد، ضابط شرطة متقاعد، كان قد توكل خلال العقود الثلاثة المنصرمة في الكثير من القضايا المتعلقة بالعقارات، يرى أن العقارات الـ5662 التي ذكرها بيان هيئة النزاهة على أنه لم يُتخذ إجراء بشأنها، إنما هي مستولى عليها من قبل ميليشيات الحشد الشعبي والعشائري والشخصيات المرتبطة بها أو شخصيات سياسية.
أما الـ2888 عقاراً التي ذكر البيان أن هنالك إجراءات قانونية بصددها، فغالبيتها أراض زراعية تم استغلالها بنحو مخالف للقانون كما فعلت بعض جمعيات الإسكان التي غيّرت جنس العقار إلى سكني.
وقامت جمعيات أخرى بتزوير الأوراق المتعلقة بأراض تابعة لبلدية الموصل ومن ثم باعتها، أي أن كل الإجراءات تعلقت بتجاوزات الجمعيات ولم تشمل القوى المسلحة.
بلدية الموصل أكدت عبر مديرها المهندس عبد الستار الحبو، شيئاً مما ذهب إليه الضابط، إذ قال إن جميع الأراضي التي في حوزة جمعيات الإسكان داخل التصميم الأساسي لمدينة الموصل هي غير قانونية، ومتجاوزة على أراض تملكها الدولة وكانت قد خصصتها بلدية الموصل لتنفيذ مشاريع ذات نفع عام، فقامت تلك الجمعيات بالاستيلاء عليها بطرق شتى منها تزوير أوراقها.
ودعا الحبو المواطنين إلى عدم شراء الأراضي من جمعيات الإسكان، لأن الكثير من رؤسائها معتقلون حالياً وتتخذ إجراءات قانونية بحق الآخرين، مما يعني أن الأراضي التي تصرفوا بها ستعود إلى الدولة وبالتالي سيخسر المواطنون الذين اشتروا من تلك الجمعيات المبالغ التي دفعوها لها أو يتعين عليهم استردادها عبر القضاء.
حصلنا على أرقام قطع الأراضي العائدة لبلدية الموصل ودوائر حكومية أخرى، كانت جمعيات الإسكان تتصرف بها بيعاً منذ سنة 2017 بعد أن قامت بتزوير سجلاتها في مديرية التسجيل العقاري-الأيسر، وتبيّن أن عددها 18 قطعة بمساحات متفاوتة تبدأ من دونمين وتصل إلى 200 دونم، كما يوضح تعميم صادر عن بلدية الموصل.
أوجه عدة للتجاوزات على العقارات
الباحث والكاتب المتخصص في شؤون نينوى عادل كمال، قال إن التجاوزات على عقارات نينوى تأخذ أوجهاً عدة.
يتحدث عن تجاوزات قامت بها أحزاب وشخصيات سياسية دخلت مع القوات الأمريكية في 10 نيسان/ أبريل 2003 بعد الإطاحة بالنظام العراقي السابق وسقوط بغداد قبلها بيوم واحد.
فقد سيطرت هذه القوى على القصور الرئاسية ومقار لحزب البعث العربي الاشتراكي وأبنية عسكرية وأمنية ومشاريع صناعية وزراعية فضلاً عن منازل وقطع أراض لمسؤولين وموظفين وقادة كبار في النظام المنهار.
ويقول: “هذه العقارات لا يمكن لهيئة النزاهة أو أي جهة أخرى المطالبة باستردادها، لأن الجهات التي تسيطر عليها تملك سلطة القرار في بغداد وكذلك في عاصمة أقليم كردستان أربيل التي لها نفوذ في الموصل كذلك”.
كذلك، يلفت إلى أن تلك الفترة، أي بعد 2003، شهدت نشاطاً واسعاً للجماعات المسلحة المتشددة في نينوى وآخرها داعش، إذ هيمنت على العقارات، ولا سيما العائدة ملكيتها لبعض الفئات التي اتهمتها بالكفر كالمسيحيين والأيزيديين والشبك والتركمان الشيعة.
وقامت تلك الجماعات بتعطيل عمل دائرة التسجيل وتلاعب عناصرها بالسجلات العقارية “وزوروا بالتعاون مع موظفين فاسدين أو مرغمين تحت التهديد، ملكية آلاف العقارات ونقلوها إلى ملكيات آخرين ثم باعوها لصالح تنظيماتهم”.
ويشير كمال إلى أن داعش كان يتعامل مع عدد كبير من العقارات على أنها تابعة له، وكثير من المواطنين الذين كانوا يرومون شراء أراضي أو مشيدات كان يسألون أولاً إنْ كان لداعش علاقة بها “لأن العديد فقدوا حياتهم بسبب محاولاتهم شراء أو بيع عقارات دخلت ضمن نطاق اهتمام التنظيم”.
ويلفت إلى أنه بعد تحرير الموصل من تنظيم داعش، في صيف 2017، انتشرت في المدينة ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية، واستولت على العقارات التي كان داعش يستغلها، وتلاعبت عبر مكاتبها الاقتصادية بسجلات وملكية 9000 عقار مملوك معظمها للدولة، تم باعتها لتمويل نفسها و”كل ما يتعلق من أوراق بشأن هذه العقارات مفقود في الوقت الراهن”.
ويشدد كمال على أن الميليشيات استخدمت بعضاً من جمعيات الإسكان للحصول على مكاسب مالية من تغيير ملكيات العقارات العائدة للدولة كالزراعية وبيعها للمواطنين.
وللتأكد من المعلومة المتعلقة بفقدان 9000 عقار، والتي سبق أن ذكرتها أيضاً النائبة بسمة بسيم، كان علينا التواصل مع موظفين في التسجيل العقاري. فكيف لهذا العدد الكبير من العقارات أن يختفي هكذا فجأة؟
حصلنا هناك على أرقام سجلات عقارية مفقودة تماماً، ولا توجد حتى نسخ احتياطية منها في التسجيل العقاري العام في بغداد، وأرقام هذه السجلات هي: 596، 621، 678، 743، 832، 843، 922، 940، 950، 959، 983، 990، 1050، 1097، 1250، 1275، 1278، 1347، 1381.
وأخبرنا مسؤول إحدى الشعب في الدائرة أن كل سجل يحتوي على 200 ورقة، أي بواقع 400 صفحة وكل صفحة مخصصة لعقار، وفقدان هذه السجلات التي عددها 19 سجلاً، يعني أن هنالك 7600 عقار بلا أوليات (مفقودة) والتسجيل العقاري في الموصل وحتى العام في بغداد لا يعرف عنها شيئاً.
أما السجلات التي تم تزويرها أو التلاعب بعقارات فيها فقد تم التحفظ عليها بسبب التحقيقات التي تجريها هيئة النزاهة والقضاء، وأرقام هذه السجلات هي: 597، 619، 698، 881، 1008، 1017، 1304، 1340، 1369، 1403، 1410، 1432، 1497، 1531، 1533، 1534، 1535، 1536، 1357، 1538، 1551، 1571، 1574، 1575، 1583، 1587، 1589، 1591.
وذهب المسؤول إلى القول إن مجموع العقارات التي اختفت سجلاتها أو تم التلاعب بأوراقها تزيد على 20 ألف عقار، والكثير منها تعود ملكيتها حسب معلوماته ومراجعة المواطنين الذين يحملون صور قيودها إلى مسيحيين مهاجرين أو أشخاص متوفين أو للدولة.
ويستدرك: “هذا يعني أن عدم قيام الملاك الأصليين بإقامة دعاوى أو السير في إجراءات متابعة إعادة تسجيل عقاراتهم يسبب ضياعاً لملكيتها، بل إن الكثير منها أصبحت عملياً مملوكة للغير، وبعضها بيعت عدت مرات”.
سعد عبد العزيز محسن (56 سنة) توفيت والدته سنة 2018 واتفق مع أشقائه على بيع منزل العائلة الكائن في منطقة الزهور، في الجانب الأيسر لمدينة الموصل، وتقاسم المال في ما بينهم، لكنه ولدى مراجعته مديرية التسجيل العقاري-طابو الزهور، اكتشف أن سجل العقار مفقود.
يقول إنه راجع مديرية التسجيل العقاري العامة في بغداد واكتشف أن السجل الرئيسي كذلك مفقود وأن نسخة صورة القيد التي تحمل تاريخ 1980 التي بحوزته هي المستمسك الوحيد الذي يثبت وجود المنزل، لكنه لن يستطيع التصرف به مطلقاً.
لجأ هو وأشقاؤه إلى محكمة البداءة، وعلم هناك أنه لن يستطيع إقامة أية دعوى، وأن عليه انتظار إجراءات التسجيل العقاري لأن الأمر يتعلق بآلاف العقارات الأخرى. يقول باستياء: “أخبرني المحامي أن التحقيقيات وتدقيق العقارات وتنظيم سجلات جديدة ستحتاج إلى سنوات طويلة، ونصحني ببيع المنزل بسعر أقل من المقدر على أن أنظم مع أشقائي عقد بيع مع المشتري يجري تصديقه لدى المحكمة لضمان حقوق طرفي البيع إلى حين تسجيل المنزل بشكل نظامي في التسجيل العقاري”.
أما ح. ج.، وهي أرملة ضابط في الجيش برتبة عميد، فقد تضرر منزلها الكائن في حي الضباط في الجانب الأيسر للموصل جراء حرب التحرير، وفي مطلع 2018 كانت قد باشرت للتو بترميمه عندما منعها ضابط في الجيش مدعوم من شخصية سياسية تملك فصيلاً مسلحاً، وفقاً لروايتها، من إكمال الترميم، واستحوذ على منزلها بحجة ملكيته له.
هي الأخرى لم تجد سجل عقارها في دائرة التسجيل العقاري، لدى مراجعتها للحصول على صورة قيد حديثة، لمراجعة المحاكم أو طرق أبواب مسؤولين من أجل استعادة منزلها.
أما بهنام عطا شمعون، وهو مسيحي مغترب في أمريكا منذ نحو ثلاثة عقود، فقد عثر على السجل الذي فيه منزله الكائن في منطقة الدركزيلة في الجانب الأيسر للموصل، لكنه وجده باسم شخص آخر، بعد أن قام مجهولون بتزوير ملكيته وبيعه مرتين متتاليتين.
وبعد مراجعات متعددة للتسجيل العقاري، علم بأن شخصاً لا يعرفه ولم يكن قد سمع به من قبل حرك ضده سنة 2005 دعوى نقل ملكية أمام محكمة البداءة في الموصل، على أساس أنه كان قد اشترى منه المنزل ودفع له المبلغ كاملاً، وحصل على حكم بالتمليك معلق على “النكول عن اليمين” (امتناع المدعى عليه من القسم).
وكانت دعاوى نقل الملكية أمام المحكمة أمراً شائعاً منذ 2003 ولغاية 2014، لأن التسجيل العقاري كان مغلقاً على الدوام، ولم يكن أمام المواطنين سوى اللجوء إلى المحكمة لتثبيت حقوق الملكية من خلال تصديق عقود البيع والشراء على أن تتم إجراءات نقل الملكية العادية لاحقاً عندما يفتح التسجيل العقاري أبوابه.
يقول بهنام: “أخبرني المحامي أنه يكفي مثولي أمام القاضي وإخباره بأنني ناكل عن البيع، لكي يبطل قرار نقل الملكية، وكنت ما زلت في مرحلة التفكير في ذلك عندما تلقيت اتصالاً من مجهول يهددني فيه بالقتل إنْ قمت بأي إجراء، فما كان عليّ إلا ترك كل شيء ومغادرة المدينة والعودة إلى حيث أتيت”.
بطريرك الكلدان الكاثوليك الكاردينال لويس روفائيل ساكو، ذكر في مقال نشره يوم 7 آب/ أغسطس 2022، أن مزورين استحوذوا على عقارات للمسيحيين وطالب الحكومة العراقية بفعل شيء إزاء ذلك.
ومناسبة حديث ساكو كانت مرور الذكرى الثامنة على طرد داعش للمسيحيين من الموصل وبلداتهم التاريخية في الحمدانية (قره قوش) وبرطلة وتلكيف، وذلك في أعقاب سيطرته على نينوى في حزيران/ يونيو 2014.
وماذا عن أملاك الدولة؟ يتساءل رئيس لجنة النزاهة البرلمانية ثابت العباسي، ويقول إن مزورين محترفين غيّروا ملكية عقارات تعود للدولة وسجّلوها بأسمائهم وتصرفوا بها بيعاً.
وأشار إلى أن المزورين (دون أن يحدد مَن هم) تلاعبوا بأوراق تلك العقارات وبأثر رجعي يمتد أحياناً إلى مئة سنة، ليس في التسجيل العقاري في الموصل فقط، بل لدى مرجعها التسجيل العقاري العام في بغداد وكذلك وزارة المالية.
وأكد أن اللجنة التي يرأسها تعاقدت مع خبراء عقاريين من خارج مجلس النواب للكشف عن التلاعب الذي وصفه بالاحترافي لبعض العقارات المملوكة للدولة في نينوى، واتهم بعض جمعيات الإسكان بتزوير ملكيات عقارات الدولة مع جهات ساندة لها (من خارج نينوى).
لماذا جمعيات الإسكان؟
المحامي محمد جبرائيل ممدوح، توكّل في دعاوى تتعلق بأراض في مقاطعة نينوى الشرقية في مدينة الموصل، تقاضت جمعيات إسكان أثمانها ولم تسلّمها لمشتريها، بسبب نزاع قضائي عليها لكونها تابعة للدولة وزُوّرت أوراقها الرسمية.
يذكر ممدوح أن الارتفاع غير المسبوق في أسعار الأراضي السكنية داخل مدينة الموصل (ملك صرف)، إذ وصل سعر بعضها إلى 3.5 ملايين ونصف المليون دينار للمتر المربع الواحد (2400 ألف دولار)، هو ما دفع جمعيات إسكان تعاونية إلى تولي شراء أراض زراعية بمساحات يصل بعضها إلى 200 دونم، وتقطيعها وبيعها لمواطنين مقابل أثمان زهيدة نسبياً بلغ بعضها لمساحة 200 متر مربع فقط 25 مليون دينار، أي نحو 17 ألف دولار أمريكي.
هو الآخر أكد أن جمعيات مسنودة بميليشيات خارج نطاق المساءلة استثمرت الوضع، وتلاعبت بالأوراق الرسمية لقطع أراض بمختلف المساحات في الموصل، كانت في الأصل ملكاً للبلدية أو غيرها من المؤسسات الحكومية أو هي زراعية مملوكة لوزارة المالية ولا يجوز قانوناً تغيير جنسها مطلقاً.
والغالبية الساحقة من المواطنين المشترين لقطع الأراضي من الجمعيات يعلمون بحسب المحامي محمد جبرائيل أن هنالك “شائبة قانونية تعتري ما قاموا بشرائه”، وفقاً لتعبيره. ويضيف: “لكنهم يأملون أن تقوم الدولة بتمليكهم تلك الأراضي كما حدث في ثمانينيات القرن المنصرم عندما ملّك النظام العراقي السابق أراض زراعية كان المواطنون يستخدمونها للسكن داخل مدينة الموصل”.
ويلفت المحامي إلى أنه يحذّر موكليه في الغالب من الشراء من جمعيات الإسكان، ولا سيما الأراضي التي تقع داخل حدود بلدية الموصل، لأن تلك الأراضي مخصصة لمشاريع عامة بعضها مُقَرّ منذ عقود ولم يتم تنفيذه بسبب الحرب عام 2003، وما تلاها من تدهور أمني لغاية تحرير نينوى في 2017.
ويشرح، وفقاً لاطلاعه على واحدة من طرق التزوير التي قامت بها جمعيات إسكان لأراض تابعة للدولة، أن “هنالك أراض كان يملكها أشخاص في أنحاء متفرقة من الموصل، حصلت الدولة في عهد النظام العراقي السابق قبل 2003 على حق ملكيتها لتنفيذ مشاريع كالطرق ومجمعات صناعية ومتنزهات، وقامت بتعويض أصحابها بمبالغ مالية مجزية، وتم إطفاء تلك الأراضي”.
لكن بعد تحرير الموصل في 2017، قامت بعض الجمعيات ومنها جمعية الحدباء التعاونية للإسكان وجمعية أم الربيعين للإسكان وغيرهما بالتواصل مع المالك القديم للأرض المطفأة، وإرجاع ملكيتها باسمه بعد التلاعب بالأضابير والسجلات العقارية بحذف أي إشارة إلى أن الملكية تعود للدولة، ثم يقوم هو ببيعها مقابل حصة للجمعية التي تقوم بدورها بتقطيعها وبيعها بملايين الدولارات. وكل هذا “بدعم ومساندة من شخصيات سياسية أو من جهات مسلحة نافذة”.
ورفض المحامي، ولدواع أمنية، الإفصاح عن أسماء تلك الجهات أو الشخصيات، كما فعل كثيرون ممَّن تواصلنا معهم في هذا التحقيق، حتى أن البعض رفض التعاون على الرغم من وعدنا بعدم نشر أسمائهم أو عناوينهم الوظيفية.
رئيس ديوان الوقف السنّي السابق في نينوى والمرشح لمجلس النواب العراقي في انتخابات 2021، محمد الشماع، استغرب من كيفية قيام مؤسسات حكومية خدمية كالماء والمجاري والكهرباء وحتى البلدية بتوفير الخدمات لأراض وزعتها جمعيات الإسكان في الموصل، قبل أن يعلن فجأة بأنها أراضٍ تابعة للدولة “زور أوراقها مسؤولون فاسدون”.
ودافع الشماع عن المواطنين الذين اشتروا قطع الأراضي تلك من الجمعيات بقوله: “هل مطلوبٌ من المواطن أن يكون عالماً بالقانون وهو يرى أحياء بكاملها تشيَّد، وتعبَّد طرقها وتزود بالماء والكهرباء؟”.
وحمّل الشماع الدولة مسؤولية ظهور مثل هذه المشاكل، لأنها لم تراعِ الانفجار السكاني ولم تقم هي بتوزيع الأراضي للمواطنين بدلاً من جمعيات الإسكان.
في 9 نيسان/ أبريل 2022، أعلنت دائرة التسجيل العقاري الأيسر-طابو الزهور عن وقف التعامل مع الجمعيات الإسكانية كافة لحين انتهاء تدقيق الأوليات الخاصة بالأراضي، والدائرة تستقبل المواطنين وفق جدول زمني محدد.
تسبب ذلك بموجة استياء واسعة لدى آلاف من المواطنين كانوا قد اشتروا قطع أراضٍ سكنية من جمعيات غير متورطة بأعمال تزوير، والأراضي التي وُزعت عليهم تقع خارج مدينة الموصل، ومع ذلك شُملت بقرار وقف التعامل، مما يعني عدم تمكنهم من التصرف بها أو استغلالها.
كما أن الشبهات حول عمل جمعيات الإسكان قطعت الطريق على شريحة واسعة من المواطنين كانوا يرومون شراء أراضٍ منها بعد يأسهم التام من إمكانية شراء أراض داخل مدينة الموصل، ليس فقط لارتفاع أسعارها المبالغ به وفقاً لبعض منهم، وإنما للرسوم الباهظة التي وضعها التسجيل العقاري لمختلف الإجراءات بشأنها كنقل الملكية أو الفرز وغير ذلك.
يقول المحامي المختص بالعقارات مهند عبد الرحمن أحميدي إن تغييرات كبيرة طرأت على التقديرات الخاصة بالعقارات والأراضي السكنية والتجارية والصناعية والزراعية، لتبلغ “أضعافاً مضاعفة” وفقاً لتعبيره.
ويوضح أن “الرسوم والضرائب لقطعة أرض سكنية مساحتها 600 متر مربع في منطقة المهندسين في الجانب الأيسر لمدينة الموصل قد تصل إلى 200 مليون دينار”، أي 137 ألف دولار. وهذا غير قيمة الأرض.
فرض واقع الحال
ولكن ليست كل الجمعيات متورطة بقضايا تزوير سجلات عقارية، فهنالك الكثير من الجمعيات الإسكانية لموظفي دوائر ومؤسسات حكومية وزعت أراضيَ خارج مدينة الموصل، ولا سيما في سهل نينوى، لكنهم لا يستطيعون أيضاً استغلالها للبناء والسكن أو حتى الوصول إليها بسبب ميليشيات الحشد الشعبي التي وضعت يدها عليها وتمنعهم عن ذلك بحجة منع التغيير الديموغرافي.
من الأمثلة التي اطّلعنا عليها الأرض المرقمة 182 مقاطعة 38 بعويزة شمال مدينة الموصل: كانت جمعية التعليم التقني قد اشترتها وقامت بتحويل جنسها من زراعي إلى سكني بعد معاملات استغرقت أكثر من سنة، حصلت فيها الجمعية على موافقات من 17 دائرة مرتبطة بوزارات في بغداد كالتخطيط والبيئة والزراعة والآثار والنفط والبلديات والمجاري وعقارات الدولة والنفط.
أستاذ في المعهد التقني كان من بين المشتركين في الجمعية ذكر أنه اشترى قطعة أرض منها سنة 2012 لكن قوات البيشمركة (حرس إقليم كردستان) التي كانت تسيطر على سهل نينوى قبل سنة 2014 لم تكن تسمح له وللمشترين الآخرين بالوصول إليها لأن المنطقة كان متنازعاً عليها بين إقليم كردستان وبغداد، بموجب المادة 140 من الدستور العراقي.
وحتى بعد أن فقدت قوات البيشمركة سيطرتها على سهل نينوى لصالح تنظيم داعش، بين 2014 و2016، ومن ثم عودة الأجهزة الأمنية العراقية إلى المنطقة، لم يتغير شيء، إذ أمسكت ميليشيات الحشد الشعبي وأبرزها اللواء 30 من الشبك الشيعة التابع للحشد المنطقة، وقام عناصره وفقاً للأستاذ الجامعي بمنع مشتري الأراضي من جمعية التعليم التقني من استغلالها أو التصرف بها وهذه المرة بحجة منع التغيير الديموغرافي، لكون المنطقة ذات أغلبية شبكية، وما زالت المشكلة قائمة.
ج. هـ. يملك قطعة أرض في مقاطعة “قزه فخره”، شرق مدينة الموصل، يقول إن الفوج 30 التابع للحشد الشعبي استولى على المنطقة، ويستغل الأراضي هناك كمقالع للجبس وبذلك لا يستطيع هو أو عشرات آخرين يملكون قطع أراض سكنية هناك استغلالها بسبب منعهم من الوصول إليها من قبل عناصر الفوج.
وكان سعر القطعة السكنية هناك قبل 2014 يقدَّر بنحو 12 مليون دينار عراقي أي ما يعادل 8200 دولار أمريكي، ومنطقياً يفترض أن تلك الأسعار تضاعفت بسبب إقبال أهالي الموصل عليها. لكن أصحابها يضطرون اليوم إلى بيعها بربع قيمتها ولسكان تلك المنطقة تحديداً دون غيرهم.
نفس القصة تتكرر في مناطق جليو خان، والفلاح الثانية، والشلالات، إذ عمد اللواء 30 إلى نصب ساتر ترابي قَطَعَ به تلك الأراضي، في إشارة واضحة إلى عدم سماحه لأي شخص من خارج المنطقة باستثناء الشبك من تشييد مساكن.
محافظ نينوى نجم الجبوري ذكر أن قراراً صدر من المحكمة الاتحادية منع بناء المشيدات السكنية لمواطنين من غير الشبك أو المسيحيين في سهل نينوى. لكن بناءً على المعلومات التي جمعناها من منطقة سهل نينوى، تجاوز الحشد ذلك القرار، ومد اللواء 30 أذرعه أبعد من ذلك، برفضه السماح لمواطنين بتملك أو بناء مشيدات سكنية أو تجارية في مناطق داخلة ضمن التصميم الأساسي لمدينة الموصل وهي عملياً ليست في سهل نينوى.
فقد وضع هذا اللواء يده على القطعتين المرقمتين 16/2 و19/2 مقاطعة 48 العباسية، وكانتا مخصصتين من قبل جمعية موظفي بلدية الموصل لإنشاء مجمع سكني أطلق عليه اسم “زيونة”.
الجمعية قامت بتقطيع الأراضي في العقارين إلى 820 قطعة أرض سكنية ووزعتها، وافتتح المشروع في 2018 من قبل مدير بلدية الموصل السابق رضوان الشهواني ومسؤولين محليين آخرين، إذ كان العديد من المواطنين قد بنوا بالفعل مساكن وهذا ما دفع الكثيرين إلى شراء تلك الأراضي.
لكن عناصر من اللواء 30 في الحشد الشعبي تدخلوا ومنعوا أي منهم من البناء وطردوا الذين قاموا بذلك بالفعل بذريعة أن المجمع يقع في سهل نينوى، وهو ما نفاه مكتب محافظ نينوى بموجب كتاب رقمه 3617 صدر في 10 شباط/ فبراير 2022 وأكد أن قطعتي الأرض اللتين بني عليهما المجمع تابعة لقضاء الموصل وليس لسهل نينوى.
وتم إلحاق هذا الكتاب بآخر من الشؤون القانونية لمحافظة نينوى في 28 شباط/ فبراير 2022، عدد 5277، وُجّه إلى قيادات عمليات نينوى والشرطة ومديرية أمن الحشد والأمن الوطني، باستثناء منتسبي بلدية الموصل والعمل في مجمع زيونة، كون الجمعية رسمية ومنشور تأسيسها في جريدة الوقائع العراقية رقم 5403 في 20/8/2018.
لكن على الأرض، ظل الأمر على ما هو عليه. وذكر مواطنون يملكون قطع أراض في مجمع زيونة أن اللواء 30 طلب مبالغ مالية كبيرة من إدارة الجمعية لقاء السماح للمشتركين فيها بالبناء، لكنه تراجع لاحقاً عن ذلك، ولم يسمح لأحد بالبناء أو السكن فيها.
تؤكد ذلك المواطنة ر. م.، وهي واحدة من الذين اشتروا قطعة أرض ضمن مجمع زيونة، في 3/1/2019، رقمها 2/860 بمساحة 225 متراً مربعاً، بمبلغ لا يتجاوز عشرة ملايين دينار، ثم قامت لاحقاً ببيع 100 متر مربع منها، لتحتفظ بـ 125 متراً مربعاً أحدثت عليها بناءً لكنه لم يكتمل لأن عناصر الميليشيا كما تقول منعتها من ذلك.
وروت أن موظفين في الجمعية أعلموها فضلاً عن مالكي أراض آخرين بأنهم تفاوضوا مع اللواء 30 لدفع مبلغ مالي (لم يحدد) وأن الجمعية تفكر باستقطاعه من جميع المشتركين، وقالت: “كنت سأقبل بدفع ما كان سيقع عليّ من المال، لأننا لا ننتظر من الحكومة شيئاً، فهي التي أعطت الموافقات لافتتاح المجمع وعجزت عن حمايته وتثبيت حقوقنا”.
ثم تابعت بإحباط: “لكن حتى ذلك لم يتم، إنه أمر مثير للسخرية، فنحن ممنوعون حتى من دفع المال من أجل السماح لنا بالبناء على أراضينا”.
ولم تجب إدارة جمعية منتسبي بلدية الموصل المشرفة على مجمع زيونة على أيٍ من تساؤلاتنا بشأن ما قيل لنا.
وحين وجهنا بعضاً من الاستفسارات إلى ممثلين عن اللواء 30 الشبكي في الحشد الشعبي بشأن منع المئات من العرب السنّة مالكي الأراضي والعقارات في سهل نينوى، وليس فقط مشتري الأراضي في مجمع زيونة، من التصرف بها أو استغلالها بالزراعة وغيرها، كانت الإجابة الموحدة أن اللواء يخشى من تغيير ديموغرافي مخطط له في مناطق الشبك، وأن اللواء يملك موافقات من رئاسة الوزراء والمحكمة الاتحادية لحماية أقلية الشبك في سهل نينوى، لذلك فإن منع الاستغلال والتصرف قانوني وفقاً لما ذكروا.
وقال أحدهم لنا بشيء من الحدة: “أين كنتم عندما كان الشبك يُقتلون ويخطفون في مدينة الموصل على أيدي الإرهابيين منذ 2003 ولغاية غزو داعش لقراهم في سهل نينوى؟ نحن نريد حماية أنفسنا وأطفالنا من غزو جديد”.
في محاولة لحسم ملف مجمع زيونة السكني، حصلت تظاهرات وتحركات إعلامية وقضائية لموظفي بلدية الموصل ومشتري الأراضي فيها، وقدموا أدلة وصفوها بالقطعية تثبت عدم امتلاك اللواء 30 أي مسوغ قانوني يبرر سيطرته واستحواذه على أراضيهم.
مقابل ذلك التحرك، قام ثمانية أشخاص مرتبطين باللواء بإقامة دعوى قضائية أمام محكمة بداءة بعشيقة بالرقم 144/ب/2021 ضد رئيس مجلس إدارة جمعية إسكان بلدية الموصل، لقيامه بشراء قطعتي أرض زراعيتين (2/16 و2/19 مقاطعة 48 عباسية الأولى مسجلة بالقيد 222 أيار 2013 جلد 258 والثانية مسجلة بالقيد 230 أيار 2013 جلد 258/ مجمع زيونة السكني) لتقطيعها وتوزيعها على مواطنين من خارج المنطقة مما يؤدي إلى تغيير ديموغرافي في المنطقة لكون سكانها من الأقلية الشبكية.
محكمة البداءة ردت الدعوى في 30 كانون الأول/ ديسمبر 2021، فقام المدعون باستئناف الحكم لدى محكمة الاستئناف الاتحادية، فأصدرت الأخيرة قرارها بالعدد 48/س/2022 في 6 شباط/ فبراير 2022 بتأييد الحكم البدائي عبر رئيسها القاضي عامر مرعي الربيعي والذي نص على: “أن المدعين وهم من سكان قرية باريمة، لا علاقة لهم بالعقارين موضوع الدعوى، ولا يملكون تفويضاً أو توكيلاً من عموم سكان سهل نينوى، كما أن مشتري الأراضي في مجمع زيونة يمثلون مختلف الأعراق والقوميات وليسوا منضوين في فئة أو توجه سياسي معيّن حتى يكونوا مصدر تهديد لتغيير ديموغرافي”.
يصف المحامي أحمد فتحي القرار الاستئنافي بالعادل، ويتوقع أن تتوافق معه محكمة التمييز بحكم قطعي غير قابل للطعن، لكنه يشكك في إمكانية أن يجد القرار طريقه للتطبيق على الأرض. ويقول بيأس: “سيطرة الميليشيات على الموصل واقع حال، ولن ينفَّذ حكم المحكمة”.
وتمتد المناطق التي يسيطر عليها اللواء 30 في الحشد الشعبي في سهل نينوى، من أقصى شمال غرب نينوى حيث قرية الكبة وحي الرشيدية ومحيط قضاء تلكيف مروراً بمنطقة الشلالات والفاضلية وصولاً إلى ناحية برطلة ومحيط قضاء الحمدانية (قرقوش) في أقصى شرق الموصل.
ويمنع عناصر اللواء أياً من ملاك الأراضي من العرب السنّة من الوصول إلى عقاراتهم على الرغم من أن الكثيرين منهم يتوارثونها أباً عن جد.
ويستغل عناصر مرتبطون بالحشد الشعبي تلك العقارات كمقالع للجبس أو في الزراعة أو بنوا عليها مشيدات ولا يُسمح لمالكيها حتى ببيعها بأثمان زهيدة كحل أخير.
يقول سمير عز الدين محمود، وهو مالكُ لمخزن تبريد للخضار في شمال غرب مدينة الموصل، إنه حفظ أسماء موظفي دائرة التسجيل العقاري في الموصل والدائرة العامة في بغداد وكوّن علاقات مع العشرات من منتسبي الشرطة وموظفي ديوان المحافظة بسبب مراجعاته التي “لا حصر لها” منذ 2017 ولغاية الآن.
استولى تنظيم داعش على مخزنه عام 2014، وبعد طرد التنظيم من الموصل وضع محسوبون على الحشد الشعبي أيديهم عليه وفقاً لروايته، وهو ممنوع من الاقتراب منه. وما فاقم مشكلته أنه لم يعثر على السجل الذي يفترض أن عقاره المسلوب مثبت فيه، لا في الموصل ولا حتى في مقر التسجيل العقاري العام في بغداد.
يقول بيأس: “أدور في حلقة مفرغة منذ سنوات، والمضحك أنني حين تواصلت مع شخص يستغل عقاري وأظهرت له نسختي من صورة قيد العقار لأثبت له ملكيتي، اتهمني بالتزوير وهدد بإبلاغ السلطات عني، فانسحبت بهدوء، لأنني بالفعل قد أدخل السجن بتهمة التزوير، فلا سجلات في التسجيل العقاري أستند عليها ولا شهود مستعدين للمجازفة بأنفسهم لتأكيد ملكيتي، لذا فليس أمامي غير السكوت”.
*أنجز التحقيق تحت إشراف شبكة نيريج، وبدعم من “صندوق دعم التحقيقات في شمال إفريقيا وغرب آسيا”