يرى العديد من المتخصصين و المراقبين بأن الصراع الجاري اليوم بين التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر و الإطار التنسيقي بزعامة رئيس حزب الدعوة المالكي، لا يخرج عن اطار الصراعات الشيعية ـ الشيعية في المنطقة، بسبب الإختلاف في الإجتهاد في موقف التشيّع من السلطة السياسية و قضية (ولاية الفقيه) . .
و التي تعود الى فترات سبقت انتصار السيد الخميني على شاه ايران . . و راح ضحيتها السيد موسى الصدر قائد (حركة المحرومين) في لبنان، ثم ما جرى من اغتيالات و ابعاد و تجميد المجتهدين الشيعة الرافضين لنظرية ولاية الفقيه من زوايا و مواقف متنوعة، كما جرى من ابعاد لرئيس الجمهورية الإيرانية الأسبق (ابو الحسن بني صدر)، و الصراع الدامي الذي لا يزال مستمراً، مع الرئيس المنتخب و حركته الواسعة الإنتشار في مطلع نشوء الجمهورية الإسلامية في ايران (مسعود رجوي) زعيم منظمة (مجاهدي خلق) الإيرانية، ثم الإشتباكات المسلحة بين (أمل) نبيه بري و (حزب الله) نصر الله في لبنان . .
فالصراع الجاري اليوم في العراق بين الطرفين الإسلاميين العراقيين، لايعود الى حالة تقاسم السلطة و المنافع الضيقة فقط، و انما الى الموقف من نظرية (ولاية الفقيه) الفارسية في الحكم، التي تفرض التبعية و تعمل على الهيمنة في الشرق الأوسط، و ما تسببت به تطبيقاتها المتراكمة في الحكم، التي ادت الى خراب و فساد هائلين في العراق حتى بات الشعب بمكوناته و اديانه و طوائفه لايستطيع الحياة بشكل طبيعي مع نظامه الحاكم القائم . . و جرّ ذلك الى لبنان ثم ماتسببت به تطبيقات الحكم تلك في سوريا، و ما جرّته على اليمن و شعبها . .
و فيما يصف سياسيون مستقلون، دور التيار الصدري الذي اسسه زعيمه المغدور السيد محمد محمد صادق الصدر . . دوره كأكبر قوة اسلامية في الداخل العراقي في تحديّ دكتاتورية صدام و في انتفاضة ربيع 1991 . . يعبّر آخرون عن انه بقي تيّاراً مرجعياً شكّله انواع المؤمنين به و المؤيدين له و خاصة من الفئات الأكثر فقراً مالياً و وعياً ثقافياً، اضافة الى انواع التجمعات المستفيدة و الوصولية و الأنتهازية، و انه لم ينظم نفسه على اسس تنظيمية تضمن تماسكه على الاهداف و على المواقف الداعية لخير الشعب و معاداة الفساد، كما يعلن . . معتمداً على اسم العائلة و انتساب زعيمه الى السلالة المحمدية . .
و يصفون خطورة عدد من الكوادر الوسطى في التيار الذين لا يوصلون الحقائق الجارية لزعيم التيار مقتدى الصدر، اضافة الى مخاطر الانتهازيين و النفعيين و الفاسدين في التيار ذاته . . رغم اعلان متواصل للسيد الصدر عن تبرّئه من اعداد منهم و احالة قسم آخر الى القضاء الذي برّئهم بسبب تبنّي الإطار لهم و لم يُحاسبوا، على حد وصف بيانه . .
و يشير متابعون الى انه بالرغم من الثغرات و الممارسات المدانة لأوساط من التيار، و اخرى قاسية ابعدته عن ثوّار تشرين البواسل . . فانهم يلاحظون ان ما تطالب به حركة التيار الإحتجاجية الآن كثورة سلمية على حد اعلانها، في حياة صارت لاتطاق في مسيرة سياسية تسببت بانهار من الدماء و الدموع، فانها و بسبب اصرار الطرفين على مواقفهما و رغم عدم اعلان اهداف المطالبات بالملموس، و لا اعلان عن ماهية برنامجها للاصلاح، رغم تزايد المطالبات بالتغيير . .
الاّ انها اخذت تحصل على تأييد متزايد من الاوساط الشعبية بسبب تصاعد حدة حياة الفقر المدقع و العوَز في بلد من اثرى بلدان العالم، و كمحاولة للتشبث بأمل ان الحركة يمكن ان تأتي بجديد يساعد في التخفيف عنها . . خاصة و ان تلك المطالبات تتوجّه و تنادي العراقيين باطيافهم و اديانهم و طوائفهم، التي قد تؤدي الى او تبدأ بكسر حدة النظام الطائفي الاثني الحاكم . .
في وقت يكشّف الصراع فيه . . خفايا و خفايا في زمن التكتم و عدم اعلان عديد من الاتفاقات الداخلية و الخارجية، اضافة الى ممارسة المؤامرات و الإغتيالات و الإختطافات بـ (واجهة الديمقراطية) . . التي دمّرت الشعب و طبقاته بازدياد الفقراء فقراً و اصابته بآفات لن ينجو منها بسهولة كالمخدرات و ممارسة العنف بالسلاح المنفلت . .
و دمّرت مفاهيم الاحزاب التي في كل العالم تمثّل طبقات و فئات منتجة تشكّل عصب البلاد و حياته في تسابق فعلي على ازدهار و رفاه البلد و شعبه . . حتى صارت الاحزاب الحاكمة في البلاد لا تقوم الاّ بالنهب و السلب و تنظم ذلك في (مكاتب اقتصادية) حارمة الشعب من حقوقه بثروات بلاده، و صار همّها ليس الشعب و انما الصراع الطائفي و اذكائه و تقاسم السلاح المنفلت بانواع الديماغوجيا و الكذب الذي صار لا يعرف حدّاً، حتى غابت الدولة و انعدمت الثقة بالمؤسسات القائمة على الحكم و انعدمت الثقة بالرجوع الى الدستور و بتفاسير فقراته . .
و يرى كثيرون الى ان فقدان الثقة بين الكتل الحاكمة، بقدر ما يمكن ان يهدد التبادل السلمي للسلطة . . الاّ ان تزايد انعدام ثقة الشعب بمكوناته، بالطبقة الحاكمة و باحزابها قد يؤديّ الى انفجار شعبي هائل يهزّ البلاد و المنطقة الغنية بمصادر الطاقة التي تزداد الحاجة العالمية لها اثر الحرب الروسية ـ الاوكرانية، و هيهات ساعة مندم . .
و فيما تعوّل اوساط اطارية (في تصريحاتها العلنية) و على رأسهم المالكي، على الدعم الإيراني و فصائله المسلحة الجديدة، البعيدة عن الفصائل السابقة التي صارت تشكّل متاعب له في السيطرة و العلاقة مع البلاد، على حد تصريحات مسؤولين ايرانيين كبار، خاصة مع انتشار اخبار اعلامية عن قرب رفع عقوبات اميركية عن ايران بسبب تفاهم جديد حول البرنامج النووي الإيراني .
فان تلك الاوساط لا ترى مدى تزايد عدم ثقة الدوائر الإيرانية بها و بجدواها لمصالحها و خططها الساعية الى التهدئة في الظروف المستجدة، في اطار سياساتها في احتواء القوى. . اضافة الىعجز الدوائر الايرانية عن تنفيذ دورها السابق، بسبب خسائرها الكبيرة بالارواح و المال و المعدّات في الحروب التي اشعلتها في المنطقة و ماتواجهه من صعوبات الحصار و الفقر مع شعبها . . و هي تواجه خطراً اسرائيلياً جديّاً عليها بسبب مفاعلها النووي و خططها المواجهة في المنطقة . .
15 / 8 / 2022 ، مهند البراك