بعد ثمان سنوات قضاها في مخيمات النازحين، لم يعد سفيان دخيل يطيق الحياة تحت الخيم، لذا قرر أن يسلك طرق الهجرة غير الشرعية أملاً في الوصول الى أوروبا.
سفيان يبلغ من العمر 21 سنة وهو من اهالي مجمع بورك التابع لقضاء سنجار، هذا الشاب نزح مع عائلته عقب هجمات تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام –داعش، وتم إيواؤهم في مخيم مام رشان بمحافظة دهوك.
بقيت ثلاثة ايام بلياليها دون ماء أو طعام في طريق الهجرة، رأيت الموت بأم عيني
“مستقبلك يكتنفه الغموض في العراق وكوردستان، حين كنت في المخيم اجتهدت كثيراً، عملت مع منظمتين انسانيتين، علمت الأطفال الرياضة، حصلت على ست شهادات، لكن كل ذلك لم ينفعني بشيء، في عام 2019 تركت الدراسة وهذا العام قررت الهجرة”، يقول سفيان.
في الأول من آب 2022، غادر سفيان مخيم النازحين نحو تركيا، بعيداً عن عائلته، واجه مصاعب ومخاطر الهجرة غير القانونية الى أنه وصل الى اليونان، ومن أحد مخيمات اليونان بدأ بسرد تفاصيل رحلته لـ(كركوك ناو) في اتصال هاتفي.
“بقيت ثلاثة ايام بلياليها دون ماء أو طعام في طريق الهجرة، رأيت الموت بأم عيني”.
ينتظر سفيان في مخيمه باليونان الفرصة المناسبة لكي يستأنف رحلته مرة اخرى من أجل الوصول الى هولندا والسعي لبدء حياة جديدة هناك، لأنه حسب قوله لم “ينجحوا رغم كل المحاولات في تحسين الأوضاع بسنجار”.
“يومياً يتوافد ما بين 10 الى 15 مهاجر، معظمهم ايزيديون، الى المخيم الذي أقيم فيه في اليونان”، بحسب سفيان.
وفقاً لمتابعة أجراها مراسل (كركوك ناو)، شهد الشهران المنصرمان بدء موجة هجرة جديدة للايزيديين الى خارج البلاد، بالأخص في صفوف النازحين المقيمين في اقليم كوردستان.
يشكل الايزيديون نسبة 30 بالمائة من مجموع أكثر من 664 ألف نازح، وشهد شهر أيار الماضي نزوح آلاف العوائل الايزيدية من سنجار صوب المخيمات مجدداً بسبب التوتر والاشتباكات المسلحة التي اندلعت في المنطقة.
شيرزاد بير موسى، مدير منظمة ألند لدمقرطة الشباب في دهوك –منظمة غير حكومية تأسست منذ العام 2006، قال لـ(كركوك ناو)، “نجمع إحصائيات الهجرة اسبوعياً ووفقاً لآخر إحصائية، هاجر ألف و 273 ايزيدي في غضون الـ20 يوماً الماضية”.
85 بالمائة من الشبان الايزيديين الذين هاجروا كانوا من سكان المخيمات و 15 بالمائة منهم من خارج المخيمات، النسبة الأكبر من المهاجرين كانوا من مخيمات شاريا، كبرتوو وجممشكو بمحافظة دهوك.
“الهجرة غير الشرعية للايزيديين محفوفة بالمخاطر وهي متواصلة”، يقول شيرزاد.
يهاجر يومياً أكثر من 50 شخص من سكان المخيمات وسنجار
حسب متابعات (كركوك ناو)، من الأسباب الرئيسية لهجرة الايزيديين، الدمار الهائل الذي خلفته الحرب في مناطقهم، غياب الاستقرار الأمني والخدمات، فضلاً عن مشقات الحياة تحت الخيم، حيث أظهرت تقارير سابقة لـ(كركوك ناو) أن مئات العوائل تعاني من انحسار المساعدات و وشح المياه ورداءة نوعية مفردات الحصة التموينية التي توزعها عليهم الحكومة العراقية.
ديان جعفر، مسؤول دائرة الهجرة والمهجرين في محافظة دهوك –تابعة لحكومة اقليم كوردستان-، قال لـ(كركوك ناو)، ان “هؤلاء النازحين يعيشون منذ ثمان سنوات تحت الخيم وفقدوا الأمل بالعودة الى سنجار، لذا ينتهزون أية فرصة تسنح أمامهم للهجرة”، ويوضح ديان أن موجة الهجرة الحالية للايزيديين بدأت بحجة فتح منافذ للهجرة غير القانونية الى اليونان، “لكن لا توجد احصائية رسمية بعدد الايزيديين الذين هاجروا، كل ما نعرفه هو أن أغلب المهاجرين من فئة الشباب”.
خلال الأعوام الماضية، تم تسفير عشرات المواطنين الايزيديين الى فرنسا على عدة مراحل بموجب لتفاق بين فرنسا ومنظمة الهجرة الدولية.
درويش جوكي، مسؤول منظمة تولاي للناجيات والضحايا –منظمة انسانية غير حكومية تعنى بضحايا داعش- قال لـ(كركوك ناو)، “منذ تموز الماضي، انطلقت موجة هجرة جديدة للايزيديين وحسب متابعاتنا، يهاجر يومياً أكثر من 50 شخص من سكان المخيمات وسنجار”.
وتشير احصائيات تلك المنظمة الى هجرة ما يقرب من ثلاثة آلاف ايزيدي الى خارج البلاد منذ مطلع شهر تموز الماضي.
لأوضاع المادية للذين يختارون الهجرة سيئة جداً وبأنهم لا يستطيعون منعهم من ذلك لكنهم يحاولون تقليل تلك معدلات الهجرة
“هناك نساء وأطفال وفتيات بين الأشخاص الذين يهاجرون يومياً، جميعهم يسلكون طرق الهجرة غير الشرعية وأعدادهم في ازدياد”، حسبما يقول جوكي.
في أعقاب هجوم داعش على سنجار ومناطق أخرى من محافظة نينوى، نزح أكثر من 350 ألف ايزيدي، هاجر 100 ألف منهم في حينها خارج العراق، كما اختطف مسلحو التنظيم ستة آلاف ايزيدي لا يزال مصير قرابة نصفهم مجهولاً، حسب احصائيات حكومة اقليم كوردستان.
هرمان ميرزا، نائب أمير الايزيديين لشؤون الشباب أقر ببدء موجة الهجرة الجديدة للايزيديين، لكنه رفض ربط تلك الأرقام بالايزيديين فقط مشيراً الى أن الهجرة شملت أبناء المكونات الأخرى ايضاً.
“جرى تضخيم القضية سياسياً واعلامياً، حيث أن اجمالي الايزيديين الذين هاجروا خلال الأشهر الأربعة الماضية لا تتعدى 500 شخص، دون أن يوضح المصادر التي اعتُمد عليها تلك الاحصائية، في حين أن منظمتي ألند و تولاي اللتين نشرتا احصائيات الهجرة تتابعان القضية منذ أشهر.
ويقول نائب أمير الايزيديين لشؤون الشباب أن “الأوضاع المادية للذين يختارون الهجرة سيئة جداً وبأنهم لا يستطيعون منعهم من ذلك لكنهم يحاولون تقليل تلك معدلات الهجرة”.
باستثناء نينوى، أغلقت الحكومة العراقية مخيمات النازحين في جميع المحافظات الأخرى وأُعيدوا الى مناطقهم الأصلية، ما عدا مخيمات اقليم كوردستان التي تم الابقاء عليها بموجب تفاهم مع حكومة اقليم كوردستان.
السبيل الوحيد الذي تشدد عليه الحكومة العراقية لحل مشاكل سنجار هو تنفيذ اتفاق سنجار 2020 بين الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة اقليم كوردستان لتشكيل إدارة جديدة وإعادة تنظيم الملف الأمني والخدمي في سنجار، لكن بنود الاتفاق لم تُنفذ حتى الآن، وتتواجد في سنجار ثمان قوى مسلحة.
قضاء سنجار (120 كم غربي الموصل)، من المناطق المتنازع عليها وتتبع محافظة نينوى إدارياً. هاجم مسلحو تنظيم داعش القضاء في 3 آب 2014 وتمت استعادته في 13 تشرين الثاني 2015.
عمار عزيز – دهوك