الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024
Homeمقالات لماذا لا يُزيّن العلم العراقي بشجرة النخيل عابد عزيز ملاخا

 لماذا لا يُزيّن العلم العراقي بشجرة النخيل عابد عزيز ملاخا

     

 

 

  النخلة هي هوية العراق وعنواناً لشموخه وحضارته العريقة منذ آلاف السنين.

لقد نشأت النخلة في بلاد مابين النهرين في  جنوب العراق تحديداً. ذُكرت النخلة في الحضارات السومرية والبابلية والآشورية. كما  وذُكرت أيضاً في الشرائع الإسلامية.. واليهودية.. النخلة كانت مصدر الحياة والغذاء والدواء والكساء والبناء للإنسان.

النخلة في التراث العراقي

   أقدم ما عُرف عن النخيل كان في بابل التي يمتد عُمرها حوالي أربعة آلاف سنة قبل الميلاد. فقد وُجدت آثار لهذه الشجرة في مواضع مختلفة..

لا يُستبعد أن يكون النخيل معروفاً ومألوفاً قبل ذلك التاريخ.. فمدينة (أريدو) الواقعة على مسافة 12 ميل جنوب(أور)

والتي تُعتبر من مدن ما قبل الطوفان، كانت قائمة قبل أوائل الألف الرابع قبل الميلاد. وقد ثبت كونها منطقة رئيسية لزراعة النخيل التي كانت حينذاك على مشارف منطقة الأهوار.

كانت النخلة مُقدسة عند السومريين والبابليين والآشوريين لأهميتها المعاشية والإقتصادية، ومما يُثبت ذلك توغّل وجود النخل منذ القدم بجنوب العراق..

إن العلامة المسمارية التي كانت تُرسم للنخيل وُجدت آثارها في كتابات عصر فجر السلالات 300-2400 ق.م. ثم إنتشرت في العهود الأخرى… وفي إحدى الوثائق من عهد الملك (شوسن) من سلالة أور الثانية إشارة إلى بستان للنخيل مزدهر يقع في المنطقة الممتدة بين بلدتي(أوما) و (لكاش) وتعود إلى معبد الإله(أوما)، حيث قُسمت الساتين إلى ثمانية أقسام حسب عمر النخيل ونوعية ثماره.

كان الآشوريون يُقدسون ثلاث شعارات دينية، أحدها النخيل والأخرى هي:المحراث والثور. عُثر على هذه الشعارات منقوشة على تاج وُضع في أعلى محراث يعود إلى عصر أسرحدون(680-669 ق.م.) هذا النقش الذي يُمثّل قصة آدم وحواء وإغراء الثعبان لهما، وقد عُثر عليه مكتوباً على ختم إسطواني يعود إلى العهد السومري القديم، ذلك لأن ما ورد في التوراة عن قصة آدم وحواء وجنة عدن وكيفية إغراء الثعبان بثمرة النخلة…وقد ترجم (سايس A.H.sayce)  بعض النصوص الأثرية عن النخلة بما يلي:

إن الشجرة التي يُناطح سعفها السماء وتتعمق جذورها في الأغوار البعيدة، هذه الشجدرة يعتمد الإنسان عليها الإنسان في العالم، فقد كانت بحق (شجرة الحياة). وعلى هذا فقد تمثّلت في أوقات مختلفة في هياكل بابل وآشور.  ففي بابل كانت هذه النخلة المقدسة تُزيّن ردهات  المعبد ومداخل المدن وعروش ذوي التيجان، فالإله النخلة كان يظهر على هيئة إمرأة يُنشر على أكتفافها سعفة النخيل كالأجنحة.

   لقد خصصت شريعة حمورابي عدد من موادها لحماية زراعة النخيل، فقد ورد ذلك في المادة التاسعة والخمسين من الشريعة التي تنص على: تغريم كل من يقطع نخلة واحدة بنصف (مَنْ) من الفضة ، أي (نحو نصف ليرة) حيث كانت هذه الغرامة باهضة في ذلك العهد…

لقد كانت جميع المقاولات التي تتناول البساتين أيام حمورابي تُشير إلى التمر. وأن غرس البساتين يعني غرس النخل. وكانت هنالك مواد أخرى في شريعة حمورابي تُشير إلى الإهتمام لهذه الشجرة، كانت تُفرض عقوبات قاسية لمن يُخالف ولم يعتنِ بشجرة النخيل في ذلك العهد الموغل في القِدم. وهناك ألفاظ وأسماء قديمة لايزال يستعملها زُراع النخيل العراقيين مثل: لفظة(التال) التي كانت تُستعمل سابقاً والتي تعني(الغسيل)، كما وُجدت في المصادر المسمارية لفظة(التالو):(تالا) بالآرامية ، ولفظة (التيلية) أي الإله الذي يصعد إلى أعالي النخيل وأصلها (نوبالو)البابلية. أما الأسم البابلي للنخل فهو جشمارو(jishimmaru ( مأخوذة من الكلمة السومرية زولوم((zulumma .. وبالآرامية والعبرية (تامارا)(tamara) …

 

  فوائد النخيل:

 

في القصيدة البابلية، تعداد فوائد النخيل التي أُحصيت(365) فائدة، لعل ذلك مماثلاً للأغنية التدمرية القديمة التي تُعدد فوائد النخيل في تدمر (800) فائدة.

لقد ذكر سترابو أهمية النخيل في العراق القديم بقوله:( تُجهّزكم النخلة بجميع حاجياتكم عدا الحبوب).

وقد أدخل البابليون والآشوريون التمر في بعض المواصفات الطبية، كاستعمال التمر للدمامل والقرح بشكل لبخة. ووصف ماء التمر مع ماء الورد للمعدة  وعسر البول مع الحليب. ووُصف مسحوق نوى التمر مع شحم الخنزير للرضوض والأورام…

وكان البابليون يستحضرون شراب التمر ويُسمى(شراب الحياة).

عندما غار الساميون على جنوب بابل وجدوا النخيل هنالك. وهذا دليل على أن النخيل كان مُنتشراً في وادي الرافدين جنوباً وشمالاً حتى وصل فينيقيا وسوريا، وكان ذلك عاملاً مُهماً في إدامة الحياة البشرية في هذه المناطق الواسعة.

كانت الحضارات البشرية في بلاد ما بين النهرين، مُعجبة باعتدال شكل وقوام النخيل بالإضافة إلى فوائده التي لا تُحصى للإنسان، وكان بعضهم ينتحل أسم النخلة و يُسمي إبنته (تامار) أي النخلة كناية عن الجمال واعتدال القوام.. ولأهمية النخلة وضرورتها للحياة، فبعض القبائل والأقوامكانت تعبد النخلة، ومنهم الفينيقيون القدماء كانوا يعبدون عشتروت على شكل نخلة تُسمى في التوراة (أشميرا) أي (السارية).

  في بعض البقاع كانت غابات النخيل تُغطي مساحات واسعة تمتد عدة أميال، ويروي عالمان من القرن الرابع الميلادي أنهما أثناء قيامهما في جولة في أنحاء العراق سمعا من بعض الفلاحين أن هناك نوع من التمر يُدعى(صَنيتا) يرجع تاريخه إلى أيام آدم(براخوت).. وفي زمن القيصر يوليان 331م كان أقليم ميسان في الفرات الأسفل عبارة عن غابة من النخيل لا نهاية لها. وكانت بساتين النخيل قائمة في ضواحي المدن وشوارعها. فقد كانت شوارع(سورا: مدينة قديمة بالقرب من الحلة) تُزينها النخيل. وكان عدد من النخيل يُزرع في ساحات البيوت. وعلى الرغم من رخص ثمن التمر، فقد كان كثير من أصحاب النخيل يعتمدون في معيشتهم التجارة بالتمر، كما وأن البعض منهم كان ولحد الآن يُقيمون البيوت من سعف النخل…

لقد وصف خالد بن صفوان  لعبد لعبد الملك بن مروان في الإشارة إلى محاسن البصرة يقول له (أوله الرطب ووسطه العنب وآخره القصب)ويضيف النخيل عندنا مبارك كالزيتون عندكم..

ومؤخراً ثبت علمياً أن التمر من الأطعمة سريعة الهضم والإمتصاص ومسرعاً في إمداد الجسم  بالطاقة. كما أنه يقتل الجراثيم ويُطهّر الجهاز المعوي. كم وأن التمر يُقوي الكبد والقلب ويُنشط الدم. فهو يحتوي على الكثير من المعادن الضرورية لصحة الإنسان، كما تدفع المعادن والألياف الشعور بالشبع..

يُساعد التمر على تصحيح حموضة البول. مما يقي الجسم من تكوّن الحصوات، وإنه لايحتوي على سعرات حرارية عالية، فهو صحي لمن يرغب في الحفاظ على وزنه.

لماذا لا تُحترم هذه الشجرة إذن؟

يُبيّن هذا البحث عن النخلة في العراق أهمية كبيرة جداً في حياة الإنسان في بلاد مابين النهرين منذ القدم. في تلك العصور الغابرة كان النخل العماد الأساسي للإنسان..

كثير من دول العالم ُزيّن أعلامها ويكون شعارها شجرة أو نبتة تنمو في ذلك البلد وتصبح رمزاً وطنياً للشعب كما هو الحاصل في لبنان حيث يُزيّن علمه بـ شجرة صغيرة تُسمى (أرزة) التي تنمو في كافة الأراضي اللبنانية . إن هذه الشجرة التي يعتز بها الشعب اللبناني هي شجرة صغيرة غير مُنتجة أصلاً ولكن اللبنانيين يعتزون بكل أطيافهم يعتزون بها، وأصبحت (أرزة) لبنان شعاراً للمحبة والإخلاص للوطن..

إذن لماذا لا تصبح شجرة النخلة رمزاً عراقياً نظراً للمواصفات التي تمتاز بها والتي أشرنا إليها في هذا البحث، لفوائدها العديدة للإنسان منذ أقدم العصور.

وتُرافق شجرة النخلة الباسقة تاريخ وحضلرة بلاد مابين النهرين لآلاف السنين، ولا زالت لحد الآن كما كانت جميلة وباسقة ومفيدة صحياً للإنسان؟!..

 أقول: أليس فخراً للشعب العراقي أن تصبح نخلة العراق شعاراً في عَلَمه يعتز به الأجيال؟ … مُجرّد سؤال.

مصادر البحث

  • أبي زيد سعيد أوس الأنصاري البصري
  • إبن سنى البغدادي
  • سعيد عبد الملك:النخل والكرم
  • الشيخ قاسم القيسي
RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular