الحلول
هو أتحاد جسمين أتحاداً تاماً بِحَيثُ تَكونُ الأشارة ُ الى أَحَدِهما إِشارةً الى الآخر
. أَي يَذوب أَحَدُهما في الآخر. وهو مَذهَب في الفلسفة والتَصَوف . القَول بأَن الله حالٌ وَموجودٌ في كل شيء في أعتقاد بعض من ينتسب للمتصوفة أَو ربما جميعُهم . والأتحادية تسمى ( وَحدة الوجود ) وهو مذهَب فلسفي ، يَقول بأَن الله والطَبيعة حقيقة واحدة ، وإَن الله هو الوجود الحَق ويَعتبرون الله صورَة هذا العالم المخلوق ، أَما مَجموع المظاهر المادية فهي تَعلن عَن وجود الله دون أَن يكون لها وجود قائم بذاتهِ . وهي فكرة قديمة أَعاد أحيائها بعض المتصَوفة من أَمثال أبن العَربي ، وأبن الفارض والكيلاني والحَلاج والذين تأَثروا بالفلسفة الأفلاطونية المحدثة ،وَفلسفة الرواقيين . ونادى بوحدة الوجود بعض فلاسفة الغرب أَمثال سبينوزا وهيغل . ويرى رينولد نيكلسون المستشرق الأنكليزي المتخصص في التصوف والأدب الفارسي ( ١٨٦٨ م – ١٩٤٥ م )، أن التصوف هو المساحة المشتركة التي تجمع نصرانية القرون الوسطى بالدين الأسلامي وتجعلهما تقتربان كثيراً ، مشيراً الى تأثرها بالثقافات اليونانية أَيضاً ومنها الفلسفة الأفلاطونية المحدثة (١) وهي تُعَد عقيدة كُبرى من عقائد الصوفية وَتعني عندَهم – بأوجز عبارة – إِن الله تعالي والعالم شيء واحد . فبناءً على عَقيدة الوحدة ،فإِن القوم يعتقدون إَن الله تعالى هو كل مايُرى ، بَل وما لايُرى أيضاً (٢) وهنا نستطيع أَن نشير الى ما تبناه الشيخ (عُدَي بن مسافر الهكاري ) قَدَسَ سُرَهُ بعد مجيئه وأستقراره في لالش من مذهب التصوف ، والذي يبدوا واضحاً في الطقوس والمعتقدات الأيزيدية وتبناها من بعدُه الشيخ عُدي الثاني وأبنه الشيخ (حسن بن عُدي ) المُتَصوف الأشهر في الديانة الأيزيدية وَلَبَس الخَرقَة عَن والدهِ والذي يُعَد مؤَسس أَو مُجدد الديانة الأىزيدية بحسب بعض الكُتاب والمُؤَرخين ورجال الدين من بعد جَده الأَكبر ( الشيخ عادي الكبير ) رضي الله عَنه الذي أَخذ الطريقة من سيده ومعلمِهِ الشيخ محي الدين عبدالقادر الجيلاني متأثرا بالمتصوف الأشهر الحسين منصور الحَلاج ( رَحمهُ الله) والذي يبدو أن فلسفته وطريقة تصوفهِ واضحاً في الديانة الأيزيدية من خلال العديد من الأقاويل والنصوص ومنها نص (( حلاج والشيخ حسن )) ونصوص وقَصائد لامَجال لذكرها وعَن مَبدأ الحلول وَرد في النص الديني (قه ولي كَه نيا مارا – شيخادي شيخي شارا) الفَقَرة (٤)
شيخادى و تاوسي مه لك وسلتان ئيزي ئيكن
هون مه عنيا زيك نه كه ن
ئه و زو مرازا حاسل دكه ن
المعني
إِن الشيخ آدي وتاووس مه لك والله ( أيزي ) من روح واحدة
لا تُشَكْكوا في ذلك
فأنهم يستجيبوا الدَعَوات سريعاً (٣)
وهنا يبدوا واضحاً من النص الديني بأن الحلول والتناسخ رُكن أَساسي من أَركان الديانة الأيزيدية وأن( السُر ) الألهي قَد حَل في ( تاووس مَلَك ) ومنهُ عن طريق الحلول حَل في ( الشيخ عادي ) وهنا حَمَل الجزء صفة الكل أَي( الله ) وأَصبحوا كياناً واحداً وقَوَتَهم ( تاووسي ملك وشيخ آدي ) من قوة الله ( أيزي ) وبحَسب الكثير من النصوص والأدعية الأيزيدية نرى أن أيزي هو الله نَفسه ويحمل صفاتهُ ويقوم بمهامهِ ،وهذا نَص من ( ئافرينا دنيايى )
سولتان ئيزي ره ب لسه مه ده
ئه فراندبو هه فت ملياكه ته
جوداكر دوزو جنه ته
المعنى :
سلتان ئيزي( الله) هو رَب الصَمَد
خَلَقَ سبع مآئكة
وَأوجَد الجَنة والنار وفَصَل بينهما(٤)
وَيظهر من الد راسات ولبحوث بأن كلمة ( أيزيد) وردت منذ القدم وترجع الى الآف السنين قبل الميلاد .حيث وجدَت هذه الكلمَة مكتوبة على الرقُم الطينية للعهد السومَري بشكل ( ئي – زى – دى ) فأستناداً الى تحليلات خبراء الآثاتر فأنها تعني الأَرواح الطاهرة أَو غير الملوثين والذين يسيرون على الطريق المستقيم ، وكانت للأقوام الشمسية معابد كثيرة باسم ( أيزيديا ) يقول الكاتب والباحث صباح كنجي في كتابه ( الأيزيدية محاولة البحث عَن الجذور ) ص ٣٧ على لسان الكاتب المرحوم جورج حبيبب ( من الشخصيات اليزيدية المهمة التي تكاد تفوق شخصية تاووس مَلَك أَو تظاهيها مكانة هي شخصية الأله أيزيد). ،وأضافة الى مَعبَد ( أيزيد أَو أىزيدا ) التي تَم أكتشافها في بورسيبا في بابل – الحلة من قبل البعثات الأثرية ؛ تم أكتشاف مَعبَد أيزيدا أيضاً في بابل وأكتشافات أُخرى تتالت وبَلَغَ ثمانية لِحَد اليوم ، شملت الحَضر ونمرود وخورسيباط وآشور ونينوى .وعَن فلسفة التصوف دائماً. كان للحَلاج ، أَكبر الأَثر في َوضع أساس النظرية الفلسفية الصوفية التي عُرفت عند ( أبن العربي ) وعبدالكريم الجيلي ( عبدالقادر الكيلاني ) بنظرية الأنسان الكامل . وكان لها أَن تلعب دوراً هاما في تاريخ التصوف الأسلامي منذ عهدهما . وكان له الأثر الواضح في صوفية الشيخ عدي أَيضاً وأحفادهِ كما أسلفنا. فهوَ أَول من تنبه الى المغزى الفلسفي الذي تضمنه الأَثر اليهودي المشهور القائل ( بأن الله تعالى خَلق آدم على صورتهِ ) أَي على الصورة الألهية وبنى على هذا الأثَر نظريته في الحلول ، مفرقاً بين ناحيتين مختلفتين في الطبيعة الأنسانية هما اللاهوت والناسوت . وهما في نظرهِ طبيعتان لاتتحدان أَبداً ، بَل تَمتَزج أَحَدُهما بالآخر كما تمزَج الخَمر بالماء ،كما جاء في ديوان الحلاج
مَزَجت روحك في روحي كَما
تَمزَجُ الخَمرَةُ بالماء الزلال
فأذا مَسَّك شيٌ مَسَّني
فإِذا أَنت أَنا في كلِ حال
وهكذا أعترف الحلاج لأَول مرة في تاريخ الأسلام بتلك الفكرة التي أَحدثت فيما بَعد أنقلاباً بعيدَ المدى في الفلسفة الصوفية ويعني فكرة تأليه الأنسان وأعتباره نوعاً خاصا من الخَلق لايُدانيه في لاهوتيَتِهِ نوع آخر . وأخذ أبن العربي لاهويته من الفكرة الحلاجية ولكنه أعتبر اللاهوت والناسوت مجرد وجهين لاطبيعتين منفصلتين لحقيقة واحدة ؛ أما إَله أبن العربي هوإله متصوفة وحدة الوجود جميعاً ، فلاصورة تحصرَه ولاعقل يَحدَهُ أَو يُقَيِدَهُ لأنه المعبود على الحَقيقة في كل مايعبدَه (٥) والحَلاج هذا الرَجُل القَوي الأيمان تَحَمَل المحنة تحمل المؤمن بالله أَكمَلْ الأيمان ، وهو صاحب الكرامات وَيقول ( مَن لاحَظ الأَعمال حَجَبَ عنهُ المعمول لَهُ ومَن لاحَظ المعمول لَهُ حَجَبَ عَن رؤيته الأعمال وكان يَقول ؛ لايَجوز لمن يرى غير الله أَو يَذكر غَير الله أَن يَقول عَرفت الله الأَحَدْ الذي ظَهَرت منهُ الآحاد . وعَن محنتهِ ،يقول ( عبدالحَفيظ بن محمد مَدَني ) لقَد دَسَ عليه الَوزير في خلافة المعتضد في بعض كتبهِ (( الأنسان أذا عَجَزَ عَن الحج فَليَعمد الى غُرفَة من بيتهِ فَيَظهَرها ويُطَيُبها ، ويَطوُف بها ويَكون كَمَن حَج البيت الحَرام)) والله أَعلم بالحقيقة . وكانت هذهِ المقولة وَغيرها سبباً في مَقتلِه على يد وزير الخَليفة المعتضد (( الوزير حامد بن العباس )) ذكرها أبن خَلكان في العام ثلاثمائة وتسع هجرية يوم الثلاثاء لست بقين من ذي القعدَة . (٦) وعَن مَقولتِهِ هذه هناك نَصاً دينياً أَو مَقولة أَو قصيدة شعرية متداولة في الأوساط الدينية الأيزيدية تَتَطابق بالمعنى تُتلى في المحافل والمناسبات وأحياناً في المآتم عند تلاولة النصوص على أَرواح الموتى ، وَبعد التأَكد من رجال الدين بخصوص هذه السَبقات تبين أنها حقيقية وأَصلية ومن بقايا النصوص المُعتمَدة ،ولكن للأسف لم أَقف على المصدر الأَصلي .
حه جيو نه جه ب حه جيدا
سولكا نه قه تينه ب ريدا
حه ج ئه وه مالا توتيدا
وهي تتطابق مع النص السابق والذي تسبب بِمَقتل الحَلاج كما ذَكرنا ،وترجَمَتَهُ ((.أيها الحاج أذا عَجَزت من زيارة الكَعبة لأداء فَريضة الحَج ،عَليكَ أَن تُهيأ لنفسك مكاناً طيباً نظيفاً لأداء الفَريضة كأَنَك قد زُرتَ الكَعبة المشرفة)) . والشطر الثاني هو
حه جاج جون وهاتن ماله
زهه ف فه نه قه تاندن حه رامو حه لاله
حه جا وان يه به تاله
أذا عادوا الحُجاج من الحَج ولم يفَرقوا بين الحَرام والحلال وبين الحَق والباطل يُعَد حَجَهم باطلاً وغير مقبولاً ،وهنا قَد يُقصَد الأيزيدية أبنائهم أثناء أداء الزيارة الى معبد لالش أَيضاً .
وَعَن وَحدة الشهود يقول الحَلاج ، وَهي حالة تستولى على المريد فيفقد فيها التمييز بين نَفسِهِ وذات الله تعالى وكذلك بين الله ومخلوقاتهِ فَيَرى أن الحوادث هي الله ، وإِن الله يخاطبه بها وصاحب هذهِ الحال يكون في عَين الحال التي يَكون فيها في الرؤية المنامية ففي حال الصحو يفرق بين الخالق والمخلوق ويَعتَقد أن العالم غير الله على أَنه شأن من شؤونهِ ، وفي حال فنائه يَفقد التَميّيز بين الخالق والمَخلوق ويَرى أن كل شيء هو الله والمقام وَالأَول (( حالة الصحو )) مقام الكاملين ويخشون أَن يموتوا على الحال الثاني (( حال الفناء )) الذي يكون فيهِ مشهدهم غير معتقدهم ، (٧)
١- في التصوف الأسلامي / تأليف رينولد نيكسون ، ترجمة أَبو العُلا
عَفيفي
٢- عقيدة الصوفية / وَحدة الوجود الخَفية تأليف د. أَحمد عبدالعزيز
القصير .مكتبة الرشيد / السعودية / الرياض .
٣- صفحات من الأدب الديني الأيزيدي / خليل جندي المصد ر السابق ص ٤٤٧ –
٤- مه ركه هـ الأيزيدية الأصل والتسمية / عزالدين باقسري المصدر السابق ص ٤٣
٥- فصوص الحكم للشيخ الأكبر محيي الدين أبن العَربي / شرح
عبدالرزاق القاشاني /ط ١ القاهرة دار آفاق للنشر والتوزيع ٢٠١٦ ص ٣٤-٣٥
٦- أخبار الحَلاج ومَعَهُ الطواسين / تعليق وتقديم عبالحَفيظ محمد مَدَني هاشم / مكتبة الجُندي مصر / شركة الطباعة المتحدة /١٥ شارع العباسية
٧- الحَلاج وَمَعَه الطواسين / المصدر نفسه ص ١٣
غازي نزام اوكسبورك