عاد السجل الحقوقي للسعودية إلى الأضواء مرة أخرى بعد أربع سنوات من حملات الإدانة والاستنكار الدولي وأيضا نبذ مسؤوليها في أعقاب جريمة مقتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي.
الحكم بالسجن لمدة 34 عاما بحق الناشطة السعودية في مجال حقوق المرأة سلمى الشهاب، أعاد وضع حقوق الإنسان في السعودية إلى الواجهة الدولية، خاصة ما تقوم به السلطات من قمع للنشطاء المدافعين عن حقوق الإنسان.
وكانت المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض قد أصدرت حكما ضد سلمى الشهاب (34 عاما) بالسجن لمدة 34 عاما يليه حظر سفر لمدة 34 عاما بعد انتهاء فترة عقوبتها، التي تعد قاسية حتى وفق المعايير السعودية.
وكان وقع الحكم صادما على سلمى الشهاب، وهي زوجة وأم لطفلين، ليس فقط لكونه أطول حكم بالسجن بحق ناشطة سعودية ولكن لأن سلمى كانت تأمل في تخفيف حكم بالسجن لست سنوات صدر بحقها العام السابق.
بيد أن الحكم زاد من قبل محكمة الاستئناف إلى 34 عاما تحت مزاعم اتهامها “بإثارة اضطرابات عامة وزعزعة الأمن المدني والوطني على أحد مواقع الإنترنت”.
واللافت بل والمثير في قضية سلمى الشهاب أنها لم تكن صريحة في انتقادها للحكومة السعودية ولم يكن نشاطها على مواقع التواصل الاجتماعي صاخبا أو يصل إلى جمهور عريض نظرا لأن عدد متابعيها لم يكن بالكبير.
فخلال تواجدها في الخارج لعامين، شاركت في نشر منشورات على منصات التواصل الاجتماعي تدعو للإفراج عن الناشطة الحقوقية البارزة لجين الهذلول التي كانت رهن الاحتجاز في حينه فضلا عن دعمها المساواة بين الجنسين في السعودية.
ومع ذلك، قالت صحيفة “واشنطن بوست” إن أحد مستخدمي موقع تويتر في السعودية تحت اسم “فيصل” أخبر سلمى على المنصة أنه أبلغ السلطات السعودية عن نشاطها على منصات التواصل الاجتماعي.
وفي مقابلة مع دويتشه فيله، قال سيباستيان سونز، الخبير في مركز البحوث التطبيقية بالشراكة مع الشرق ومقره ألمانيا، إن “تشويه صورة سلمى الشهاب من قبل أجهزة المراقبة التابعة للحكومة السعودية يظهر أن السعودية، على غرار الإمارات، تستخدم الحلول الرقمية بشكل محترف لإنشاء منظومة مراقبة”.
بيد أن الحكم القاسي ضد سلمى التي تنتمي إلى الأقلية الشيعية، يمكن أن يرسل رسالة تحذيرية إلى الشيعة الذين يعيشون في المملكة. وعن ذلك، قال سونز “لا تزال الأقلية الشيعية في السعودية ضحية للتمييز والتهميش وذلك منذ عقود. وغالبا ما يجرى استخدامها ككبش فداء سياسي للترويج للقومية السعودية. وفي هذا الإطار يُنظر إلى الحكم باعتباره ضد الشيعة في السعودية”.
تأجيج الخوف
ويتزامن الحكم ضد سلمى الشهاب مع مساعي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى تحديث السعودية في إطار “رؤية 2030” التي تتضمن منح المزيد من الحقوق للمرأة وفتح آفاق السياحة، فضلا عن تنويع مصادر الدخل بعيدا عن النفط.
بيد أن الأمير محمد بن سلمان، الذي يعد الحاكم الفعلي في السعودية، يمسك البلاد بقبضة من حديد عندما يتعلق الأمر بالآراء المعارضة التي تنتقد أسلوب إدارته لشؤون السعودية، أكبر منتج للنفط في العالم.
وفي مقابلة مع دي دبليو، قال رمزي قيس، الزميل القانوني في “منظمة منّا لحقوق الإنسان”، إن “صعود محمد بن سلمان إلى السلطة عام 2017 ترافق مع تبني قوانين صارمة مثل قانون مكافحة الإرهاب لعام 2017 وإنشاء رئاسة أمن الدولة والنيابة العامة”.
ووفقا للمنظمة، تواجه رئاسة أمن الدولة والنيابة العامة في السعودية اتهامات بارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان بشكل واسع النطاق قبل أن تنظر المحاكم القضايا، فيما تعد “المحكمة الجزائية المتخصصة” في الرياض والتي أصدرت حكمها المغلظ ضد سلمى، الذراع القضائي لكلا الكيانين الأمنيين.
وأضاف قيس “المحكمة غير مستقلة وليست نزيهة في ضوء نفوذ الملك (سلمان بن عبد العزيز) ومحمد بن سلمان إذ يقومان باختيار القضاة”.
وشدد على أن الحكم الذي صدر بحق سلمى يدل على أن السلطات السعودية “تتجرأ في استخدام محكمة أمن الدولة كأداة، سواء لقمع أو مقاضاة ومعاقبة أي شكل من أشكال التعبير الذي يُنظر إليه بأنه ينتقد السلطات”.
واتفقت في هذا الرأي لينا الهذلول، شقيقة الناشطة لجين. وشددت لينا، رئيسة قسم التواصل والرصد في “منظمة القسط لدعم حقوق الإنسان” ومقرها لندن، في بيان نشرته المنظمة، على أن “هذا الحكم الفظيع بالسجن (ضد سلمى الشهاب) يكشف استهزاء السلطات السعودية وعدم جديتها بادعاءات الإصلاح وتغيير الأنظمة والقوانين لصالح النساء”.
ليس وليد الصدفة
الجدير بالذكر أن الغزو الروسي لأوكرانيا وما تلا ذلك من أزمة طاقة على مستوى العالم، قد صب في صالح السعودية حيث باتت في بؤرة الاهتمام الدولي مرة أخرى وعاد محمد بن سلمان إلى المشهد السياسي الدولي بفضل عائدات النفط وتحالفاته والمستجدات على الساحة الإقليمية والدولية.
وقد قام محمد بن سلمان الشهر السابق بأول جولة أوروبية له منذ مقتل خاشقجي فيما قصد السعودية عدد من الزعماء الأوروبيين فضلا عن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للسعودية، في محاولة منه لتعزيز العلاقات الثنائية مرة أخرى.
وكان يُنظر إلى زيارة بايدن للسعودية باعتبارها تغييرا كبيرا في سياسة الإدارة الحالية، خاصة وأن بايدن قد وصف محمد بن سلمان بـ “المنبوذ ” بعد مقتل خاشقجي في عام 2018.
ولهذا السبب كانت تعلق لما فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، الكثير من الآمال على الإدارة الأمريكية الحالية، لكنها انتقدت فشل واشنطن في انتقاد الحكم حتى الآن.
وفي ردها، قالت لينا الهذلول “قد سبق أن حذّر النشطاء السعوديون القيادات الغربية بأن إكساء ولي العهد غطاء الشرعية سيمهد الطريق للمزيد من الانتهاكات، وهو بالتحديد ما نشهده في هذه الحالة وما قد نراه في الفترة القادمة”.
في غضون ذلك، لا يزال أمام محامي سلمى الشهاب ثلاثين يوما لاستئناف الحكم فيما هرع أنصارها إلى مواقع التواصل الاجتماعي لإعلان التضامن معها تحت وسم #الحرية_لسلمى_الشهاب.
ووفقا لـ”مبادرة الحرية”، وهي منظمة حقوقية، فقد قدم محامي سلمى بالفعل طلبا لإعفاء سلمى الشهاب من الحكم الذي صدر بحقها بالسجن لـِ34 عاما، وهو ما يعد خيارا قانونيا يُمكن للقضاة النظر فيه.
جينيفر هوليس
ترجمة: م ع
حقوق النشر: دويتشه فيله 2022