مؤتمر الاقليات
١
ما أكثرها من تجمعات جرت بعد زوال النظام المقبور نيسان ٢٠٠٣ بين مكونات سهل نينوى، كنت ضمن المشاركين في أحدها جرت في قاعة فندق فخم – مدينة أربيل، الحاضرين كانوا مثقفين وناشطين يمثلون مختلف مكونات نينوى، المؤتمر كان يبحث في أحوال الاقليات الدينية في سهل نينوى بعد زوال النظام والتغيير وأبرز المعوقات التي تعترض وجودهم والبحث عن الحلول ورفع التوصيات إلى الجهة الراعية والمملوة وذلك بعرض رؤى ومعالجات المشاركين، كان الجلوس حول طاولة مستديرة يبدأ بالحديث من احدهم اولا وينتهي به في النهاية اللقاء، الظاهر كانت البداية من ناشط عن المكون المسيحي استهل حديثه حول مسألة التغير الديموغرافي الذي تعرض له مناطقهم، وأضاف ‘ للأسف تحول الأمر في السنوات الأخيرة من حالات معينة معدودة لتصبح ظاهرة متفشية وبرنامج مخطط ومدروس له لأكثر من طرف وجهة.’.
استنكر ناشط من المكون الشبكي التهمة الموجهة اليهم بتنفيذ اجندات اقليمية لاحداث شرخ بين مكونات المنطقة وذلك باتباع سياسة مبرمجة بهدف الى التغير الديموغرافي ضد مكونات تشاركهم المنطقة، وأضاف’
ابدا لا تغير ديموغرافي ولا اي شيء من هذا القبيل، كلما في الامر أصبحت ظاهرة الهجرة حسب منظور الأخوة المسيحيين الحل الأخير ونهاية المطاف بالنسبة لهم هذا من جهة ومن جهة أخرى تأثير مسألة تحديد النسل عندهم والزواج بامرأة واحدة حسب شرعهم الخاص، هذه هى الحقيقة، لذا فمن الطبيعي تناقص اعدادهم باستمرار.. ‘.
٢
معاناة الايزيديين من مسألة التغير الديموغرافي في مناطقهم ايضا لا تختلف كثيرا عن حالة المكون المسيحي باختلاف بسيط ومهم حيث يبيع الايزيدي ملكه وممتلكاته ما ان يكمل المبلغ الذي سيتقاضاه ليدفع أجرا الى مكتب الذي يكفل المهرب (قاجاغجي) ليسهل هجرة عائلته وايصالهم الى (بلد الاحلام والامان) عكس غالبية الأخوة المسيحيين عندما يختارون الهجرة مصيرا لعوائلهم.
٣
يكاد يدحض عصر العولمة والمعلوماتية الحديثة مع بداية الالفية الثالثة نظريات التغير الاجتماعي الكلاسيكية والحديثة خاصة ان غالبية الشعوب في العالم المتمدن وحتى المجتمعات في العالم الثالث وأخص بالذكر الملل والاقوام في الشرق تأقلمت طبيعيا مع التغيرات المتسارعة وواكبت المستجدات وقبلتها بسلبياتها وايجابيتها…
ينص أحدى تلك النظريات ‘ الانسان بحاجة إلى مائة عام كي تنقرض وتزيل عادة ما او تقليد اجتماعي من ذاكرة الشعوب..’.
واخرى تقول ‘ ان عمر المجتمع السليم يقترب من خمسمائة عام..’.
في عصر المعلوماتية بات الإنسان شبه عاري من القيم، واللامنطق في الأمور والأشياء بات ممكنا، اما اللحاق بالركب الحضاري أصبحت مهمة صعبة، الحلقة المفقودة توسعت مداراتها وابعادها لتصل اللانهاية، فظاهرة التشبث بالمضاد لما موجود ايا كان أصبحت غاية وهدف، أما هواية التقليد والابتعاد عن الأصالة والجذور والبحث في نفايات ما خلفتها العولمة والتغيرات التي تسبق البرق انتهت بنا المطاف إلى امتلاك قشور الحضارة والمحافظة عليها، لهذه الأسباب مجتمعة أصبح راهن المجتمع الايزيدي في خضم هذه الصراعات لا يطاق لنصل في نهاية المطاف إلى الهروب من الواقع وترك مصيرنا وكل ما نملكه بيد المجهول واختيار الهجرة قدرا لابد منه بعد كان يضرب بنا نحن أبناء الديانة الايزيدية المثل في التضحية بارواحهم وأصحاب الارادة الفولاذية من أجل البقاء على أرض ابائهم واجدادهم والتشبث بجذورهم والحفاظ على ارثهم واصالتهم رغم (٧٣ حملة إبادة) ..
لم يبقى شيء غير أن أقول ‘ تذكروا جيدا، ان افعالكم واعمالكم ببيع ما تبقى من املاككم يا اخوتي الايزيديين من أجل الهجرة وترك الديار إنما يسهل امر الطامعين في اراضيكم وقراكم، لقد كنتم ولازلتم العامل المساعد فيما جرى ويجري من تغير ديموغرافي في مناطقكم، لذا لا تلوموا أحدا غير أنفسكم .. .’.