جبهة جديدة فُتحت أمام زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بعد أن استيقظت العاصمة بغداد صباح أمس الثلاثاء على اعتصام لأنصاره أمام مجلس القضاء الأعلى، دفع الأخير إلى تعليق أعماله.
وجاء التحرّك الصدري صوب مجلس القضاء بعد نفي القضاء إمكانية تنفيذ أبرز مطالب الصدر المتعلقة بحل البرلمان، قبل أن تنتهي المهلة التي وضعها الصدر له حتى نهاية الأسبوع الماضي، وتزامن ذلك مع صدور 7 أوامر إلقاء قبض بحق قادة في التيار -أبرزهم صباح الساعدي- بتهم تهديد القضاء وغيرها.
الانسحاب والتصعيد مجددا
بعد الاعتصام بساعات، نصح الصدر -عبر “وزيره الافتراضي” صالح محمد العراقي- أنصاره بالانسحاب والإبقاء على الخيام، ليستأنف إثر ذلك القضاء أعماله.
لكن وزير الصدر عاد وجدّد التصعيد اليوم الأربعاء في بيان من 16 نقطة، أشار فيها إلى أن من سماهم “الثوار” سيخطون خطوة مفاجئة أخرى، في إشارة إلى الاعتصام أمام مجلس القضاء الذي نُفّذ أمس الثلاثاء، إذا قرّر الشعب الاستمرار في الثورة، وأن أكثر ما أزعج خصوم التيار هو المطالبة بتنحّي رئيس مجلس القضاء فائق زيدان الذي يعدّ الداعم الأكبر للإطار التنسيقي.
وقال الوزير إن الإطار التنسيقي يعدّ القضاء الحامي الوحيد، واستمرار الاعتصام يعني أنهم لن يستطيعوا تشكيل حكومة، مضيفا أن سقوط النظام الحالي لا يحلو للبعض وعلى رأسهم السفارة الأميركية. مشيرًا إلى أن الأغلبية مجمعة على أن الفساد ضرب المؤسسة القضائية ومنذ 20 عامًا، وتوقع أن يحاول القضاء كشف بعض ملفات الفسـاد “تجنبًا لاعتصام آخر”، حسب رأيه.
وقال الوزير الافتراضي إن “أبواق السلطة تعالت ضد الثورة حين اعتصمنا أمام مجلس القضاء خشية كشف ملفات فسادهم”، مبينا أن تعليق عمل القضاء لم يكن دستوريا، وأن القضاء “يحاول إبعاد الشبهات عنه بطريقة غير قانونية“.
كيف رد خصوم الصدر؟
وإثر التصعيد الأخير، قطع رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي مشاركته في القمة الخماسية بين العراق ومصر والأردن والإمارات والبحرين المنعقدة في مصر، وعاد إلى بغداد لمتابعة تطورات الأزمة، وحذّر من أن تعطيل عمل المؤسسة القضائية “يعرض البلد لمخاطر حقيقية“.
واستغل خصوم الصدر التقليديين تصعيده ضدّ القضاء ليعزّزوا جبهتهم ضدّه، إذ وجه “ائتلاف دولة القانون” -خلال اجتماع لكتلته مع المالكي- تحذيرًا إلى التيار الصدري على خلفية التصعيد ضد رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، وقال إن السلطة القضائية تواجه اعتداءً آثمًا وتجاوزًا مشابهًا لما تعرضت له السلطة التشريعية، ضمن مسلسل الاعتداءات الممنهجة على مؤسسات الدولة وهيبتها.
وما حدث الأمس، يصفه القيادي في الإطار التنسيقي النائب محمد الصيهود “بتجاوز كبير” على النظام الديمقراطي والعملية السياسية. ويقول في تعزيز منه للقضاء إن القرارات التي اتخذها مهمة جدًا وإنه حافظ على العملية السياسية والنظام الديمقراطي، نافيًا في الوقت نفسه أن يقف بجانب طرف على حساب آخر؛ في إشارة منه إلى حديث وزير الصدر الذي اتهم زيدان بأنه الداعم الأكبر للإطار.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقرّ الصيهود بأن التصعيد الأخير ضدّ القضاء أثّر كثيرًا على طبيعة الحوار بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري، وهو متوقف تمامًا الآن، منتقدًا ما أسماه “حوارات التغريدات والإعلام”، في إشارة إلى تغريدات الصدر “التي لن تجدي نفعًا ولا يمكن أن تستمر العملية السياسية بطريقة التغريدات وإنّما يجب أن تكون الحوارات مُباشرة” كما قال.
هل أقحم القضاء نفسه في الأزمات؟
وتماشيًا مع اتهامات الصدر لرئيس مجلس القضاء الأعلى بدعم الإطار التنسيقي؛ أثيرت عدّة تساؤلات حول أسباب مشاركته في اجتماعات القوى السياسية الأخيرة.
ويرى المحلل السياسي محمد نعناع أن تحركات ومواقف رئيس المجلس “تصب دائمًا في مصلحة الإطار التنسيقي”، وتأكيده في أكثر من موقف ومناسبة أن حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة أمر صعب وغير ممكن في ظل الظروف الحالية.
وهو بهذه المواقف والتحركات يحرج الصدر ويصطف مع خصومه. وأضاف نعناع أن مسار زيدان تكلل بحضوره جلسات القادة السياسيين، بل أكثر من ذلك دعا الإعلاميين والمحللين السياسيين في أكثر من مرة لتكرار أمور لا يجب أن تتكرر الآن “كصعوبة حل البرلمان وأن القضاء ليس جزءًا من المشكلة السياسية وأن الإجراءات الدستورية يجب أن تأخذ مجراها في عملية تشكيل الحكومة“.
وقال نعناع للجزيرة نت “كأنه غير مكترث لخرق التوقيتات الدستورية وراض بتقديم الإطار التنسيقي مرشحه لرئاسة الوزراء بوصفه الكتلة الأكثر عددًا، وهذا ما لم يتم تأكيده قانونيًّا وسياسيًّا وبرلمانيًّا“.
وفيما إذا كان القضاء العراقي فعلًا قد أقحم نفسه في الأزمات السياسية، لا سيما الأخيرة منها بين الصدر والمالكي؛ يُجيب نعناع بأن القضاء عبر رئيسه فائق زيدان أقحم نفسه في الأزمة السياسية بطريقة سلبية، كما أنه يستبق المحكمة الاتحادية بإصدار مواقف من اختصاصها، كأنه يمنع إفتاءها ورأيها تحسبا لإقرارها قرارات في غير المسار الذي يسير به هو ويتناغم مع جهات سياسية يحضر اجتماعاتها باستمرار.
هل يتنحى زيدان؟
يصف المحلل السياسي زياد العرار اعتصام أمس الثلاثاء أمام المجلس بأنه “خطوة لحث القضاء على فتح الملفات العالقة والمُتعلقة بالفساد والأمور الدستورية الأخرى”. وعدّه رسالة للقوى السياسية بأن التيار مستمر في موقفه ومستعدّ للذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك لتحقيق مطالبه في عملية الإصلاح.
ويرى العرار -في حديث للجزيرة نت- أن المشكلة ليست في القضاء، “وهو الذي يعتمد على السلطة التنفيذية التي فيها الخلل”، مُتهمًا الأخيرة بأنها لم توفر الأجواء الكاملة لعمليات التحقيق وكشف الملابسات أمام القضاء العراقي. لكنه يقرّ بأن “ضغوطا سياسية تُمارس على القضاء والكثير من القوى والأطراف السياسية تحدثت عن ذلك“.
وعن احتمالية أن تدفع الضغوط والاعتصامات رئيس المجلس إلى الاستقالة أو التنحي، يستبعد العرار هذا الأمر، ويتوقع أن تحصل إجراءات فعلية من القضاء، لكنه يؤكد أن التيار الصدري سيُمارس ضغوطًا أكثر على المجلس من خلال العملية الديمقراطية وفق الطرق السلمية لحثه على اتخاذ الخطوات اللازمة المتعلقة بفتح كل الملفات.
المستفيد الأكبر
وعلى الجانب الآخر، يُفسّر الباحث السياسي الكردي كوران قادر اعتصام أنصار الصدر أمام المجلس بالسعي للضغط على القضاء لاتخاذ قرارات في صالح التيار الساعي إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة بشتى الطرق والوسائل.
وفي حال تجدد الاعتصام وعلق القضاء أعماله، يرى قادر في حديثه للجزيرة نت أن التيار الصدري سيستفيد من هذه الخطوة. عازيًا السبب إلى أن القضاء لن يقوم بأداء وظيفته، وتبقى بذلك الحكومة الحالية من دون رقيب على أعمالها بالتزامن مع عدم وجود رقابة برلمانية أيضا، وهذا يعني أن سلطة رئيس الوزراء تكون شبه مطلقة، وهو ما تسعى إليه بعض الأطراف في الوقت الراهن.
ويتوقع الباحث الكردي أن يقوم القضاء العراقي برفع دعوى قانونية ضد كل من يتهمه بلا أساس قانوني أو يقوم بالتشهير به من دون دليل ملموس، بمن فيهم (صالح محمد العراقي) الشخصية الافتراضية الناطقة باسم الصدر. وفي حال لم يقم بذلك، “فإنه سيكون عُرضة للمزيد من التشهير والاتهامات من قبل كل من هب ودب، وهذا يقلل مكانته وثقله، وسيكون له وقع وتأثير على قوة أحكامه وقراراته“.