في ظل تحشيد التيار الصدري جماهيره ودعوتهم إلى الاستعداد لمنع تصدير النفط العراقي وغلق الحقول في الجنوب، كشف قيادي في التيار أن ما يجري هو “تصعيد إعلامي” فقط ولن يتحقق على أرض الواقع، وفيما طالب الإطار التنسيقي باتخاذ إجراءات حكومية سريعة لحماية الحقول النفطية، يرى خبراء في الاقتصاد والسياسة أن هذه الخطوة في حال تحققت ستقلب الشارع ضد التيار وتؤدي لتدخل دولي.
ويقول قيادي في التيار الصدري خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الصدريين لا يخططون لاستهداف الحقول والشركات النفطية في التصعيد الشعبي المرتقب، وما ينشر في بعض المنصات الإعلامية المقربة من التيار يهدف للضغط الإعلامي فقط”.
ويضيف القيادي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن “التيار الصدري لا يريد استهداف أي شيء في التصعيد الشعبي يلحق أضرارا بالمواطنين والمصلحة العليا للعراق، ولهذا انسحب الصدريون من أمام مبنى مجلس القضاء الأعلى، بسبب توقف المحاكم والأضرار المترتبة عليه تجاه للمواطنين”.
ويتابع أن “الصدريين لديهم الكثير من خطوات التصعيد، لكن لا يمكن الكشف عنها حاليا، إلا أن هذه الخطوات ستكون شبيهة بالعصيان المدني ربما، قبل الوصول إلى مرحلة العصيان المدني الشامل، فخطوات الضغط ستكون في تصاعد بشكل تدريجي، وهذه الخطوات سوف تنطلق بعد حسم المحكمة الاتحادية دعوى حل البرلمان نهاية الشهر الحالي”.
ومنذ أيام روجت المنصات الخاصة بالتيار الصدري، على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى أن الخطوة المقبلة للتيار ستكون غلق الحقول النفطية ومنع تصدير العراق للنفط، بهدف الضغط لتحقيق مطالبه.
وقد نشرت هذه المنصات التفاصيل الدقيقة للحقول ومواقعها، وكمية إنتاج كل حقل من النفط بشكل يومي، كما روجت أيضا يوم أمس، إلى وجود موعد محدد لغلق الحقول في البصرة وميسان وذي قار.
وكان الكاتب والمحلل السياسي باسل حسين، نشر تغريدة قال فيها “ما هي مفاجآت التيار الصدري؟ مصادر صدرية تشير إلى الآتي: إغلاق الموانئ والحدود والمطار في بعض المحافظات، وإغلاق المعابر البرية على الحدود الإيرانية في محافظات معينة، وإغلاق الموانئ والآبار النفطية والسيطرة على بعض القصور الرئاسية، وهذا يعني التحول إلى العصيان المدني”.
من جهته، يشير القيادي في الاطار التنسيقي عائد الهلالي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “الحكومة العراقية والجهات الأمنية مطالبة باتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية لمنع إغلاق الحقول والشركات النفطية، بعد التهديد بذلك من قبل المنصات ومدوني التيار الصدري على مواقع التواصل الاجتماعي”.
ويبين الهلالي أنه “لا يمكن لأي جهة سياسية فرض حصار على قوت الشعب العراقي من خلال محاصرة الحقول والشركات النفطية، فهذا سيكون له تبعات كبيرة وخطيرة على وضع العراق والعراقيين الاقتصادي، ولهذا لم ولن نسمح لأي طرف بمحاصرة قوت العراقيين، تحت أي ذريعة وحجة كانت”.
ويشدد على أن “الجهات الأمنية مطالبة بتنفيذ واجبها في حماية وتأمين كافة الحقول والشركات النفطية ومنع أي تقرب منها يؤثر على سير عملها، ويجب إبعاد التوجيهات الأمنية بعيدا عن أي ضغوطات وتأثيرات سياسية، كما حصل من خلال فتح المنطقة الخضراء أمام الصدريين والسماح لهم بتعطيل عمل المؤسسة القضائية من دون أي رادع أمني”.
يشار إلى أن قياديا في التيار الصدري، كشف قبل يومين لـ”العالم الجديد”، أن الخطوة المقبلة للتيار، ستكون التظاهر والاعتصام أمام رئاسة الحمهورية، للضغط على رئيس الجمهورية حتى يطلب حل البرلمان، فيما أكد أن قضية التوجه للعصيان المدني ستكون آخر خطوة وليس الآن.
وكانت المحكمة الاتحادية قررت، في 17 آب أغسطس الحالي، تأجيل البت بدعوى حل البرلمان المرفوعة أمامها إلى 30 من الشهر الحالي.
يذكر أن منصات التيار الصدري، تبنت يوم أمس، الهجمات السبرانية على المواقع الإلكترونية لمجلس القضاء الأعلى وحزب الدعوة ورئيس تيار الحكمة عمار الحكيم.
وفي هذا الصدد، يوضح الخبير الاقتصادي ناصر الكناني خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “محاصرة أو إغلاق الحقول النفطية من قبل المتظاهرين سيؤدي إلى خطورة اقتصادية كبيرة وسيخلق الكثير من الأزمات، منها تجهيز المواطنين بالمشتقات النفطية وغيرها من التبعات السلبية”.
ويضيف الكناني أن “الإقدام على إغلاق الحقول النفطية من خلال قطع الطرق المؤدية إليها، من شأنه أن يتسبب بخسارة مالية كبيرة، فالعراق يعتمد كليا على بيع النفط، فهو يوفر متطلبات الدولة من الرواتب وغيرها من الصرفيات الضرورية من خلال أموال بيع النفط، وإيقاف هذا البيع يعني إيقاف توفير الأموال”.
ويستطرد الكناني أن “أي خلاف وصراع سياسي يجب أن يكون بعيدا عن الملف الاقتصادي، فهذا الملف له ارتباط مباشر بحياة العراقيين، فاستغلال الملف الاقتصادي في الخلافات السياسية له تبعات خطيرة وكبيرة”.
ويصدر العراق يوميا أكثر من 3 ملايين برميل نفط، وبحسب وزارة النفط فإن المجموع الشهري من الصادرات يفوق 100 مليون برميل، بإيرادات بلغت في الشهر الماضي 10.6 مليار دولار.
ومنذ مطلع العام الحالي، حدثت أزمة بالطاقة والوقود، بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ما دفع دول أوروبا وأمريكا، إلى اللجوء للعراق والسعودية لزيادة الإنتاج النفطي، بهدف تعويض إمدادات روسيا، التي تراجعت بشكل كبير.
في المقابل، يرى المحلل السياسي أحمد الشريفي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “تصعيد الاحتجاج الشعبي من قبل التيار الصدري أمر لا بد منه خلال المرحلة المقبلة من أجل الضغط لتحقيق مطالبه بحل البرلمان والذهاب نحو الانتخابات المبكرة، لكن لا أعتقد أن هذا التصعيد يتضمن خططا لمحاصرة الحقول النفطية”.
ويتابع الشريفي أن “التيار الصدري لن يتخذ أي خطوة في الشارع ربما تقلب الرأي العام ضده من خلال قطع الطرق المؤدية إلى الحقول النفطية أو الموانئ، فهذا الأمر سوف يقلب الشارع ضد التيار، ولهذا هو يتحدث عن هذه الخطوات كتهديد وضغط إعلامي، لكنه في الوقت ذاته يمتلك وسائل ضغط كثيرة ربما يتخذها خلال الأيام القليلة المقبلة”.
ويلفت إلى أن “محاصرة الحقول النفطية ربما تدفع إلى تدخل دولي في الشأن العراقي، فالمجتمع الدولي لن يقبل لأي طرف سياسي أن يكون هو المتحكم بالنفط العراقي، والتيار الصدري يدرك ذلك جيدا، ولهذا لن يتخذ أي خطوة تصعيدية ضد الحقول أو الشركات النفطية”.
وكانت العاصمة بغداد، شهدت الثلاثاء الماضي، تظاهرة لأنصار التيار الصدري أمام مبنى مجلس القضاء الأعلى، وظهرا أصدر المجلس بيانا علق فيه أعماله وكشف أن القضاة تلقوا تهديدات عبر هواتفهم المحمولة، وذلك قبل أن يعلن استئناف عمله في وقت لاحق.
ولم يمض سوى وقت قصير، حتى أصدر القضاء أكثر من 7 أوامر إلقاء قبض بحق قادة في التيار الصدري، بعضها صدر استنادا للمادة القانونية 198 وبدلالة المادة 198/4، وأخرى جاءت وفقا للمادة 226 من قانون العقوبات، حيث تضمنت الحجز على أملاك منقولة وغير منقولة فضلا عن منع السفر.
وبعد هذه التطورات، توجه التيار الصدري لسحب متظاهريه من أمام مبنى مجلس القضاء الأعلى، بعد أن كانوا قد نصبوا الخيام استعدادا للاعتصام، لكنه وجه بترك الخيام فقط، وقد رفعت هذه الخيام صباح اليوم التالي من قبل القوات الأمنية.