كشف التيار الصدري عن خطوات تصعيدية أكبر ضد القوى السياسية التي لا تستجيب لدعوة زعيمها مقتدى الصدر بالتخلي عن السلطة، تتمثل بمحاصرتها وإغلاق مقارها، فيما رفض الإطار التنسيقي، تلك الدعوة ووصفها بـ”غير الواقعية”، وسط اعتبارها مناورة جديدة، من قبل محللين سياسيين.
ويقول قيادي بارز في التيار الصدري خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “ما طرحه الصدر ليس بجديد، فهذا الأمر طرحه منذ بداية الأزمة، وكان أحد الشروط مع حل البرلمان والذهاب نحو الانتخابات المبكرة، وهذا الأمر قابل للتطبيق، خصوصا وأنه مدعوم من غالبية الشعب العراقي، وليس الصدريين فقط”.
ويضيف القيادي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن “بدلاء الأحزاب التقليدية سيكونون من الأحزاب السياسية التي لم تشترك في السلطة والجهات والشخصيات المستقلة، ذات الكفاءة والخبرة، فالعراق لا يتوقف على الأحزاب المتنفذة الحالية”.
ويشير إلى أن “رفض مبادرة الصدر، سوف يدفع الصدريين إلى تصعيد الاحتجاج الشعبي، والأمر ربما يصل إلى إغلاق المقرات التابعة للكتل والأحزاب السياسية المتنفذة، وهذا التصعيد سيكون بعيدا عن أي تدخل من الصدر، وحتى الصدر لن يتدخل في أي تهدئة مستقبلا، وبيانه كان واضحا جدا”.
ويردف “لا توجد أية نية أو فكرة لانسحاب الصدريين من الاعتصام داخل المنطقة الخضراء، بل المرحلة المقبلة سوف تشهد تصعيدا شعبيا كبيرا، في حال رفض القوى السياسية ما طرحه الصدر”.
وكان صالح محمد العراقي، الشخصية الافتراضية الناطقة باسم الصدر، نقل عن الأخير في بيان نشره أمس السبت قوله، إن “هناك ما هو أهم من حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، والأهم هو عدم اشتراك جميع الأحزاب والشخصيات التي اشتركت بالعملية السياسية منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003 وإلى يومنا هذا، بكل تفاصيلها قيادات ووزراء وموظفين ودرجات خاصة تابعة للأحزاب، بل مطلقا، بما فيهم التيار الصدري، وأقول ذلك وبملء الفم”.
وأضاف العراقي، أن “هذا بدل كل المبادرات التي يسعى لها البعض بما فيهم الأمم المتحدة مشكورة، وأنا على استعداد وخلال مدة أقصاها 72 ساعة لتوقيع اتفاقية تتضمن ذلك ومن الآن، لا أن يقال إن تحقيق ذلك بعد الانتخابات المقبلة، ولا أن يتحقق بطريقة دموية، وإذا لم يتحقق ذلك، فلا مجال للإصلاح، وبالتالي فلا داعي لتدخلي بما يجري مستقبلا لا بتغريدة ولا بأي شيء آخر”.
من جهته، يفيد القيادي في الإطار التنسيقي النائب محمد الصيهود، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “الكتل والأحزاب لها قواعد شعبية كبيرة ولا يمكن تهميش هذه القواعد من خلال فرض شروط من قبل طرف سياسي على جميع الكتل والأحزاب الأخرى، فالقواعد الشعبية لن ترضى بذلك إطلاقا”.
ويبين الصيهود أنه “لا يوجد أي نص دستوري وقانوني يمنع أي جهة أو شخصية سياسية من المشاركة في العملية السياسية، كما لا يمكن فرض هذا الشيء على القوى السياسية من خلال التهديد والوعيد، فهذا أمر مرفوض، وهذا الأمر سيتم رفضه من قبل جميع الكتل والأحزاب السياسية في العراق”.
ويلفت إلى أن “هناك كتلا وأحزابا سياسية لها تضحيات ومنجزات، ولا يمكن التخلي عنها تحت أي ظرف كان، ولذا سيكون هناك رأي سياسي لجميع القوى العراقية بالمضي في العملية السياسية وفق الأطر الديمقراطية والدستورية، وليس وفق سياسة فرض الأمر الواقع بالتهديد”.
ولم تصدر حتى لحظة إعداد هذا التقرير بيانات رسمية من الكتل والأحزاب السياسية التقليدية الكبيرة إزاء دعوة الصدر، بينما أصدرت حركة “وعي” الناشئة بيانا أثنت فيه على الدعوة وشددت على أن “إزاحة طبقة الحكم عبر آليات سلمية نواة أساسية لا بد من تحقيقها قبل أي انتخابات جديدة”.
وفي السياق ذاته، يرى المحلل السياسي ماهر جودة خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ما طرحه الصدر يعد مناورة سياسية جديدة، وهي تهدف إلى رفع سقف المطالب من أجل تحقيق مطلب حل البرلمان والذهاب نحو الانتخابات المبكرة”.
ويضيف جودة، أن “المرحلة المقبلة ربما ستشهد تصعيدا إعلاميا وشعبيا في الشارع من قبل التيار الصدري لتحقيق مطالبه، لكن هذا التصعيد سيقابله تصعيد آخر من قبل قوى الإطار التنسيقي، الذي ما زال يصر على موقفه بالمضي في عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة”.
ويشير إلى أن “تحقيق شرط الصدر، بعزل القوى السياسية عن المشهد السياسي خلال المرحلة المقبلة، ليس صعبا بل مستحيلا، فكل هذه الطبقة السياسية سوف تعمل على الحفاظ على ما حققته من نفوذ خلال السنوات الماضية، ولن تتخلى عن هذا النفوذ مهما كان الثمن، وهذا الأمر يعرفه الصدر جيدا”.
يذكر أن أنصار التيار الصدري اقتحموا، في 27 تموز يوليو 2022، مبنى البرلمان واعتصموا بداخله احتجاجا على ترشيح الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة التي يسعى إلى تشكيلها بعد استقالة النواب الصدريين من البرلمان بأمر من الصدر بعدما تبنى الأخير مشروعا بتشكيل حكومة أغلبية مع تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني، وفشل المشروع بسبب ما عرف في حينها بالثلث المعطل الذي أحبط أكثر من جلسة برلمانية لانتخاب رئيس للجمهورية استنادا إلى تفسير دستوري من المحكمة الاتحادية اشترط حضور ثلثي أعضاء البرلمان لتحقق نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وهو عدد لم تتمكن أطراف مشروع الأغلبية من تأمينه.
وفي 2 آب أغسطس الحالي، دعا الصدر أنصاره إلى الانسحاب من داخل مبنى البرلمان والاعتصام في محيطه، وردا على ذلك دعا الإطار التنسيقي جمهوره إلى التظاهر ومن ثم الاعتصام عند أسوار المنطقة الخضراء، وما زال الجمهورين متواجدين في مكانيهما منذ ذلك الحين.
وفي 3 آب أغسطس، دعا الصدر في خطاب متلفز إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة جديدة، فاشترط الإطار في المقابل الالتزام بالسياقات الدستورية لحل البرلمان وتشكيل حكومة جديدة أولا قبل إجراء أي انتخابات بداعي أنه لا يثق بحكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي.
ولم تنجح أية مبادرات، على كثرتها، في حل هذا الانغلاق السياسي، كما أعلن الصدر مرارا رفضه الحوار مع أي طرف سياسي، وخصوصا الإطار التنسيقي، لأنه يراه عديم الجدوى.