المقالة معادة كُتبتْ يوم الحادث المؤلم ، ولتكن مرثية وداع لتل الورد ” عريان السيد خلف” عملاق القصيدة الشعبية وهو يتوسّد الثرى ، ودعوة للحكومة العراقية للتصدي للأهمال الغير مبرر للفنانين والأدباء والعلماء العراقيين —
توطئة/لقد تعرض شاعرنا الشعبي الكبير “عريان سيد خلف ” لحادث سير مؤسف وسط بغداد يوم الثلاثاء 27-6-2017 متمنين لهُ الشفاء العاجل وأن يستمر برفدنا من تغريداتهِ الشعرية الجميلة والمؤثرة في مسيرة شعبنا النضالية الشاقة ، لذا نقول لهُ : أنهض يا عريان صوتك يمطر حلمْ ، أنهض يا عريان كلبك ينبض نغمْ ، أنهض أللي يعشك العراق ما ينهدمْ ، أنهض يا ترافة شعر ، ويا واحة زهر.
تعال يا جيفارا الأهوار وزنزانات الموت يا أبا خلدون نحن بحاجة لأمثالك في يومنا هذا زمن الغفلة والضياع ، والجماهير الشبابية تنتظرك في ساحة التحرير وهي منذ ستة سنوات رافعين شعارالتحدي وبلون الدم الأحمر { أين حقي ؟؟؟ } وهو عنوان مطلبي في قصيدة للشاعر الثوري ” محمد بحر العلوم ” وهو رفيقك ونزيل سجنك السياسي عام 1963 وهذا مقطعٌ منها { طرقتُ على الحقيقة ألف باب / فلم أسمع لها رد الجواب ، فلم ألحظ أمامي غير لصٍ / تستر بالعمامة والخضاب ، فيمنحُ من يشاء صكوك عفوٍ / ويدفع من يشاء إلى العذاب.
متن الموضوع /هوشاعر شعبي عراقي من مواليد الناصرية – قلعة سكر ، بدأ نشر قصائده مطلع الستينات من القرن الماضي ، حاصل على وسام اليرموك من جامعة اليرموك الأردن ، وحاصل على دبلوم صحافة ، وهو عضو نقابة الصحفيين العراقي ، وأتحاد الصحفيين العرب ، ومنظمة الصحافة العالمية ، وعضو في جمعية الشعراء الشعبيين العراقيين ، وهو عضو في الحزب الشيوعي العراقي ، ولأنهُ نهل من روافد هذا الحزب الثمانيني المناضل لذا شكل السيد خلف (ظاهرة) شعرية فريدة تخصص بها : وهي الواقعية الشعرية اليسارية الثورية التقدمية الرافضة ذات المغزى السياسي ، فحصل على سفرٍمن النضال والكفاح في مقارعة الدكتاتورية والنظم الشمولية ، ودفع فاتورتها بالسجون والمعتقلات وحكم عليه بالأعدام مرتين وقُطع لسانهُ وكُسرتْ أضلاعهُ وخرائط التعذيب واضحة على جسدهِ أنها وسام شرف يفتخر بها الشاعر لآنهُ حافظ على شرف الكلمة وشرف الرجولة ، وأبدع في كل فنون الشعر كالبوذية والدارمي التي هي دندنات ذلك الجنوبي العراقي المتعب والمستلب دوماً في بث أهاتهِ ومعاناته في طور المحمداوي ونغم الصبي في ترجمة واقع العراق السوداوي الحزين أصلاً ، وتعتبر قصائدهُ مرجعاً لتطوير وعي الجماهير في المطاولة والصبر ونشر ثقافة المواطنة والتمسك بوحدة العراق ، وشاعرنا من جيل الستينات وبداية السبعينات فترة المد التقدمي اللبرالي اليساري في كتابة القصيدة الشعبية المغنات بعضها : أمثال مظفر النواب وشاكر السماوي وعزيز السماوي وناظم السماوي وزهير الدجيلي ، تمكن هذا الجيل المثقف في التوليف والمزج بين هذا الوعي الثقافي الثر مع نتاجات الحداثوية والعصرنة ، فهو صديق الفقراء والمعدمين والعمال والشغيلة الكادحة ، فهو بحق يمثّلْ أحد أقطاب الشعر الشعبي في العراق ، ومن الرموز الثقافية الوطنية الجماهيرية .
دواوينهُ الشعرية/ الكمر والديرة ، كبل ليلة ، أوراق ومواسم ، شفاعات الوجد ، صياد الهموم ، تل الورد — .
مميزات أسلوبه الشعري /
–قصائدهُ وليدة الأحداث والصراعات الطبقية مع الأوضاع السياسية وتغيراتها المرعبة خلال عقدٍ من الزمن ، وأغلب قصائدهُ تتسم بالعمق وبريق الفكرة بريفيتها وحاضرتها ، لذا ترسخت في الذاكرة الجمعية العراقية ، ومثّلتْ الصوت الحقيقي في مقارعة الأنظمة الشمولية ، وتألقتْ نجوميتهُ للعالمية من خلال الخصوصيات المحلية وجولاتهُ الشعرية لمعظم الدول الأوربية وأمريكا والدنمارك وسويسرا وهولندا وبلجيكا .
– وأن مجد القصيدة وترنيمتها التأريخية تكمن في مفردات لهجته القروية الجنوبية ، ومعظم قصائده محزنة ولا تبدو غريبة لكونها أنعكاس واقعي لتأريخ العراق السوداوي المحزن جراء تعاقب حكومات التعسف والفشل وغضب الطبيعة وشظف العيش ، وهو من كبار الشعراء المعاصرين وأبرعهم في نسج الصور الشعرية ، وربط الموروث بالحديث ، فهي تحتوي درر القصص والأخبار للحياة الشعبية العراقية ، وأن عالم ( عريان ) واسع وممتد بأستمرارية .
– في شعرهِ ظاهرة النسج اللغوي المتماسك والمتوالف مع الفنون الأخرى والتي تمنحها أرضيّة شعرية خصبة ، لغتهُ الشعرية ريفية ممزوجة بنكهة البادية المتقاربة حافاتها بجغرافية موطنهِ الفراتي الجنوبي ، فطرز قصائده ب( الحسجة ) فهي مفردات نادرة غير مسموعة عند أبناء الحضربل ربما صعبة الفهم على المتلقي ، ولكنها تنسجم بأضافة أشعاعها الفني وبريقها اللفظي وأيقاعها الموسيقي وجرسها الصوتي الخاص والتي رسمت شخصنة عريان السيد خلف ، وأستعملها كغاية فنية وليست وسيلة للنقل الفني .
– يعتمد شعرهُ على أستحضار الموروث التأريخي لقيم الشجاعة والمروءة والأباء يعمل على توظيفها لمفردات الحياة اليومية العراقية ، وبالتأكيد أنها مستمدة من أدبيات مدرسته اليسارية المفعمة بلغة السلام والمحبة وعشق الحياة ، ولتجميل وتزويق القصيدة يعمد الشاعر إلى تكرار الجمل وهي ظاهر بلاغية أستعملها الشاعر الكبير ” الجواهري ” في قصيدة ( نامي ) — نامي جياع الشعب نامي / حرستك آلهة الطعام ، وأستخدمها عريان في قصيدة — ردي ردي ، وترى في أغلب قصائده الشكوى من الزمن وهي شائعة عند أغلب الشعراء ربما هي تورية ورمزية يقصد بها تلك الحكومات الشمولية كقوله{ دنيا ولاوحتني ملاوح السرحان } السرحان الذئب .
– الديناميكية السردية الشعرية تتجلى في القصيدة الشعبية لعريان بالذات حين يعلن الواقعية للمفردة اليومية العراقية وقوة تركيبة الجملة التي تستمد عنفوانها من الجملة العامية الشعبية .
نماذج من شذرات وامضة للشاعر الجبل “أبو خلدون“
*قصيدة نذر / تحكي معاناة العراقي المستلب دوما :{ أدك روحي نذر للجايب أبشاره/وأورجه على الجروح المالهن جاره . جرح ينزف جرح باني عله بسماره /ولا كلشي الجليته يطيح زنجاره ، هلبت مات ( جيفارا )/ أو هلبت ( هوشي–منه أنكطعت أخباره .
* قصيدة ردي/ وهي شكوى من الزمن وآهات في الحب {ردي – ردي يالهويتي بلا وجادة/ أنوب من تهوين وجدي .ردي تره ينباع العشك/ وليا كلب تهوين صدي . لا تهيجين الجروح / تره جروحي من تنلجم تدي . وآنا من دم أو لحم / مومن صخر جبدة العندي .وآنا خلاني الوكت ناعور / بس أترس وأبدي } .
* قصيدة بلايه وداع /{مثل العود من يذبل / بلايه وداع ، تدريني هرش / أوجرت بيه الكاع ، يا رخص العشك/ من ينشره او ينباع }
* قصيدة فاتورة المواطنة/ {أنكطع خيط الوفه/ وضيعنه الآمال ، وكثر حجي الجذب / والمستحه أنشال ، وحك خلدون وأمه وطيبة البال / ولا أذلن غصب لجفوف الأنذال }.
* قصيدة في التحدي/ { ولا همني الشماته أشما حجوا عني / ويلتمن عليه مشتتات البال/ وأنفضهن نفض أنهض ولا جني ، أكول اتغيرت والناس ما هي الناس / رضاعة قواطي خيبوا ضني }.
*- قصيدة في حب العراق{ أنزف صبر يا وطن / بي ألك مية جرح ، كلما يهيد الألم بجروحي أذر الملح / أفديك يا وطني / لو مية مرّه أنذبح ، مثلك محب ما ألي / ومثلك جرح ما يصح }.
*قصيدة القيامة / ترمز إلى مدينة عراقية قُصِفتْ بعنف شديد في أنتفاضة آذار الخالدة 1991:الحيطان منخل والدروب حفور/ووجوه الزغار الحاضنه الشباج /من يهتز قفل حسبالهم شاجور/مرعوبة جنح وبلا وعي أدور .
آخر الكلام/ المجد لشاعر الوطنية والكفاح الأستاذ أبوخلدون ” عريان سيد خلف” وتباً لشعراء المساومة الذين وضعوا أنفسهم عند مسطر وعاظ السلاطين فهم هاربون من آدميتهم وعلينا أن نحرق قصائدهم !!!
*عبدالجبارنوري /كاتب عراقي مقيم في السويد