سُجِّلت خلال العامين الماضيين فقط أكثر من أربعة آلاف حالة طلاق لنساء دون سن الخامسة عشرة في العراق، معظمها كانت في الموصل، فيما جاءت كركوك ضمن المحافظات التي شهدت تسجيل اقل عدد من حالات الطلاق.
وسجلت محاكم العراق، باستثناء اقليم كوردستان، خلال الأعوام 2020 و 2021 أربعة آلاف و 92 قضية طلاق لنساء لم يبلغن سن الـ15، حيث عزا مجلس القضاء الأعلى العراقي في تقرير هذه الأرقام الصادمة لتزايد حالات الزواج المبكر.
ووفقاً للإحصائيات التي وردت في التقرير، وصل عدد حالات الطلاق لنساء دون سن الـ15 في عام 2020 الى ألف و 498 حالة، وارتفع العدد في عام 2021 الى ألفين و594 حالة.
ويقول حسن جلوب، قاضي في محكمة الأحوال الشخصية في الموصل، “مع تطور المجتمعات، لا يزال العراق يعاني من وجود زواج القاصرات، وذلك بسبب الأعراف والتقاليد المتوارثة”، وانتقد التصور الشائع لدى المجتمع والذي يرى بأن الزواج يؤمّن مستقبل النساء.
وبشأن الأسباب الرئيسية وراء حالات الطلاق، يرى جلوب أن الأوضاع الاقتصادية تلعب دوراً مباشراً ورئيسياً في نشوء الخلافات الزوجية، الى جانب اختلاف المستوى الثقافي والفكري بين الزوجين بسبب الفوارق العمرية، فضلاً عن التطور السريع للمجتمع وشبكات التواصل الاجتماعي والخيانة الزوجية الالكترونية والتي تؤدي الى توتر العلاقات بين الأزواج.
وتابع، “الانفتاح الاجتماعي الذي حدث بعد تحرير المدينة من تنظيم داعش لعب دوراً في ازدياد حالات الطلاق”.
موقع (كركوك ناو) نشر سابقاً عدة متابعات وتقارير استقصائية حول تزايد حالات الزواج المبكر في الموصل ومحافظة نينوى والمناطق المتنازع عليها.
ويقول قاضي الأحوال الشخصية في الموصل أن العلاقات الزوجية لم تعد كالسابق وبأن اتفه الأسباب تؤدي الى حدوث الطلاق، “العديد من أسباب الطلاق تبدو غريبة، على سبيل المثال ارتبطت أستاذة جامعية بسائق سيارة اجرة لا يحظى بشهادة أكاديمية وانفصلت عن زوجها الذي يعمل معها تدريسياً في نفس الجامعة “.
وأشار جلوب الى أن السلطات القضائية بذلت ما بوسعها للحد من حالات الطلاق عند مثول الزوجين أمام القضاة قبل الطلاق، وأن المحكمة تحيل الزوجين إلى مكاتب الباحثين الاجتماعيين لغرض الوقوف على أسباب الخلاف ومحاولة تقريب وجهات النظر بينهما وبعد ذلك يتم تحديد موعد للمرافعة أمام المحكمة حيث تقوم المحكمة متمثلة بالقاضي بتقديم النصح والإرشاد لغرض إصلاح ذات البين.
حسب إحصائيات مجلس القضاء الأعلى للعامين الماضيين، أقل عدد لحالات الطلاق كانت في محافظة المثنى التي شهدت تسجيل حالتين فقط، تليها محافظة كركوك بسبع حالات، فيما سُجل نفس عدد حالات الطلاق لنساء دون سن الخامسة عشرة في محافظة ذي قار.
ووصل عدد حالات الطلاق لنساء لم يبلغن الخامسة عشرة في محافظة ديالى خلال السنتين الأخيرتين الى 532 حالة، وفي صلاح الدين 23 حالة، في جانب الكرخ ببغداد 254 حالة وفي جانب الرصافة 621 حالة، كما سُجلت 109 حالة في الأنبار، 242 حالة في كربلاء و144 حالة طلاق في القادسية.
وقال القاضي جعفر المالكي، الذي ينظر قضايا الأحوال الشخصية في مدينة الصدر ببغداد، “في إحدى قضايا الطلاق، حضرت امامي فتاة قاصر كان الفارق بينها و بين زوجها 37 سنة، وحين سألتها عن سبب موافقتها على الزواج، كان جوابها الندم”، وفي معظم الاحيان يكون للزوجين اطفال وتقع مسؤولية الاعتناء بهم على الجد والجدة.
وتنص الفقرة 1 من المادة 7 من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل على انه يشترط للزواج أن تكون الفتاة قد اكملت سن الـ18. لكن الفقرة 1 من المادة 8 تنص على أنه ” إذا طلب من أكمل الخامسة عشرة من العمر الزواج فللقاضي ان يأذن به اذا ثبتت له أهليته وقابليته البدنية بعد موافقة وليه الشرعي، فإذا امتنع الولي طلب القاضي منه موافقته خلال مدة يحددها له فان لم يعترض او كان اعتراضه غير جدير بالاعتبار اذن القاضي بالزواج.”
وجاء في الفقرة الثانية من المادة 8 من القانون أنه “للقاضي ان يأذن بزواج من بلغ الخامسة عشرة من العمر اذا وجد ضرورة قصوى تدعو الى ذلك، ويشترط لإعطاء الأذن تحقق البلوغ الشرعي والقابلية البدنية”.
وأوضح القاضي جعفر المالكي أن هذه الفقرة القانونية أصدرت لكي يكون هذا الزواج منسجما مع الشريعة الإسلامية التي اقتصرت البلوغ على المظاهر الفسيولوجية عند الرجل او المرأة وأن الوقت قد حان لتعديلها لوضع حد للزواج المبكر.
وأضاف أن “الظروف الاجتماعية الآن مهيأة لزواج القاصر ، فمعظم الأزواج في هذا العمر يعانون من ضعف الجانب المادي لأنهم غير قادرين على الحصول على فرص عمل بسبب صغر سنهم و لا يمكن ان تغطي إيراداتهم نفقات العائلة، كما ان الظروف الاجتماعية ايضا تدفع الى زواج القصر الناشئة عن زواج الأقارب”، وأشار الى أنه ” في بعض الطبقات الاجتماعية الفقيرة تهرب العائلة احيانا من الفقر من خلال زواج القاصر خصوصا ما يتعلق بزواج الاناث وفي كثير من الاحيان و بسبب ضعف الوعي وعدم وجود فرص كافية للتعليم، وهذه الزيجات تنتهي سريعاً بالطلاق.”
حسب متابعات منظمة اليونيسيف، تعتبر الفتيات اللائي يُجبن على الزواج قبل سن الـ18 أكثر عرضة للتعنيف والتهديد والمشاكل الصحية.
وتشير إحصائيات الأمم المتحدة الى أن ما يقدر بـ 12 مليون فتاة تحت سن الـ 18 عاما تتزوج سنويا في العالم معظمهن في دول الشرق الأوسط.